دليل المخابرات الاميركية للخدع: هنا أم هناك!

خدمة شبكة الأمة يرس الإخبارية
2010-06-27
كتاب يهدف الى تطبيق بعض تقنيات التخفي والتضليل التي يستخدمها العملاء المحترفون في بعض جوانب التجسس.

بيروت - من جورج جحا

قراءة عنوان الكتاب في حد ذاتها قد تنقل ذاكرة القارىء لا الى افلام التجسس السينمائية وروايات من هذا النوع فحسب بل الى احداث وكتابات سابقة كان لها شأن كبير في احداث اوضاع وإجراء تغييرات في مناطق من العالم.

ومما قد يتذكره القارىء كتاب "لعبة الامم" لرجل الاستخبارات السابق الشهير مايلز كوبلاند. واذا كان القارىء قد تجاوز جيل الشباب ومتابعا لاخبار العالم فان كتاب كوبلاند نفسه ذكره دون شك بأحداث حملتها اليه الانباء.

ومن تلك الاحداث الانقلاب الذي دبرته في مطلع الخمسينات من القرن العشرين وكالة المخابرات المركزية الاميركية (سي.آي .إيه) والذي ادى الى اطاحة حكومة محمد مصدق رئيس وزراء ايران في تلك الحقبة المتهم بالتعاطف مع الشيوعيين وإعادة الشاه السابق رضا بهلوي الى السلطة الفعلية.

وقد حفلت الاخبار بعد ذلك بتفاصيل عن التظاهرة الكبرى التي بدأت بشكل بريء كحدث رياضي اشترك فيه مصارعون ايرانيون ورياضيون من مجالات اخرى كما اشترك فيه حواة ومتمرسون في ألعاب الخفة. وأخذت التظاهرة تكبر ككرة الثلج الى ان ادت مع خطط اخرى تكاملت معها الى اعتقال مصدق وسجنه واستعادة الحكم واعادة الشاه الى السلطة.

الكتاب الجديد في العربية المترجم عن الانجليزية حمل عنوان "دليل سي.آي .إيه الرسمي للخدع والحيل" وقد كتبه بالانجليزية كيث ميلتون وروبرت والاس. الكتاب الذي صدر عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" في بيروت جاء في 281 صفحة متوسطة القطع.

ميلتون هو خريج الاكاديمية البحرية الاميركية ومؤرخ عمليات الاستخبارات واختصاصي في التكنولوجيا السرية ومهنة التجسس. وهو ذو شهرة عالمية في تكنولوجيا التجسس. اما والاس فقد تقاعد من وكالة المخابرات المركزية الاميركية سنة 2003 بعد تمضية 32 سنة في الخدمة بصفة ضابط عمليات ثم بصفته مسؤولا رفيعا بعد ذلك بما في ذلك مركز مدير مكتب الخدمات التقنية.

ترجم الكتاب الى العربية سعيد محمد الحسنية وقام بالمرجعة والتحرير مركز التعريب والبرمجة التابع لدار النشر التي صدر عنها الكتاب.

وقصة الكتاب نفسها اي قصة المواد التي استند اليها لا تبدو فحسب بل هي فعلا آتية من قصص عالم الاستخبارات. لابد هنا من الاشارة الى محتويات الكتاب. فبعد "تمهيد" ننتقل الى "مقدمة تركة مكولترا وكتب ألعاب الخفة المفقودة". ومشروع مكولترا هو برنامج بحثي رئيسي لوكالة المخابرات الاميركية بدأ في أوائل الخمسينات عن تصميم بعض العقاقير للتأثير على السلوك.

وقبل تناول بعض ما في هذه المقدمة عن "مكولترا" لابد من ذكر العنوان الرئيسي الاخر وهو "بعض التطبيقات العملياتية لفن الخداع".

العناوين الفرعية الثمانية في هذا الباب هي كما يلي: مقدمة وتعليقات عامة حول فن الخداع. التعامل مع الحبوب. التعامل مع المساحيق. التعامل مع السوائل. اخذ الاشياء بطريقة سرية. مظاهر خاصة للخداع عند النساء. اخذ النساء للاشياء بطريقة سرية. العمل كفريق. تلا هذا باب اخر هو "تمييز الاشارات".

جاء في التمهيد الذي كتبه جون ماكلوجان ان الكتاب يدور موضوعه حول "لاعب خفة أميركي استثنائي وعن طريقته في الحياة التي تقاطعت مع الاستخبارات الاميركية خلال حقبة حاسمة من بدايات تاريخها."

اضاف ان جون مولولاند لم يقدم اي تسلية عائلية ابدا كما فعل لاعب الخفة الشهير هوديني او ديفيد كوبرفيلد. "كان جون بين لاعبي الخفة المحترفين الذين ظهروا منذ ثلاثينات وحتى خمسينات القرن الماضي. اي انه كان يعتبر النموذج الامثل لما يجب ان يكون عليه لاعب الخفة: مهذبا وماهرا ومبدعا ومنتجا. وقد صدرت له كتب في ألعاب الخفة".

وقال ماكلوجان "ويمكنني القول بصفتي لاعب خفة هاويا امضيت فترة طويلة من العمل مع الاستخبارات الاميركية ان ما يدهشني الان بمولولاند هو ان طريقة السرد هنا تتوافق مع امر استنتجته في سياق حياتي المهنية: ان ألعاب الخفة والتجسس يعتبران من الفنون المتقاربة في ما بينهما".

وقال ان الدليل الذي كتبه مولولاند لصالح وكالة المخابرات المركزية والذي يرد في متن هذا الكتاب كان يهدف الى تطبيق بعض تقنيات التخفي والتضليل التي يستخدمها العملاء المحترفون في بعض جوانب التجسس.

اضاف ان تعليمات مولولاند قد اثرت في العديد من المظاهر العادية لمهنة التجسس وكيفية الحصول مثلا على مختلف المواد بطريقة سرية.

وفي "مقدمة.. تركة مكولترا" نقرأ كيف اكتشف المؤلفان في العام 2007 ملفا للمخابرات الاميركية كان قد فقد منذ زمن طويل وكان مصنفا على انه بالغ السرية. كشف هذا الملف عن تفاصيل استثنائية لعلاقة الوكالة بعالم ألعاب الخفة قبل عقود طويلة وسلطت هذه الوثائق -وهي جزء من مشروع مكولترا- الضوء على عملية غير معروفة كثيرا هي توظيف جون مولولاند ليكون اول لاعب خفة يعمل في وكالة المخابرات الاميركية.

وقد ألف مولولاند "دليلين" مصورين لتعليم ضباط وكالة المخابرات الميدانيين كيفية دمج عناصر مهنة ألعاب الخفة في العمليات السرية. وبسبب السرية العالية التي احاطت بمشروع مكولترا اتلفت جميع النسخ المتوافرة من الدليلين سنة 1973 . لكن بقيت الشائعات تسري في اروقة "لانجلي" المقر الرئيسي لوكالة المخابرات المركزية حتى بعد مرور نحو خمسين عاما عن وجود نسخة مفقودة من كتب ألعاب الخفة. وهي النسخة التي عثر عليها مؤلفا الكتاب.

ونقرأ عن تاريخ وكالة المخابرات المركزية وانها القت عند انشائها عام 1947 على عاتقها مهمتين اساسيتين هما: منع الهجمات الخارجية المباغتة على امريكا ووقف تغلغل الشيوعية السوفيتية في اوروبا ودول العالم الثالث.

ويقول الكاتبان ان نجاح الاختبار النووي السوفيتي سنة 1949 فاجأ الولايات المتحدة. وتلقى الرئيس دوايت ايزنهاور تقريرا فائق السرية من لجنة ترأسها الجنرال المتقاعد جايمس ايتش دوليتل جا فيه "اذا كانت الولايات المتحدة ترغب في البقاء فسيتعين عليها اعادة النظر في مبادىء الانصاف التي سارت عليها حتى الان.

"سيتعين علينا ان نتعلم كيفية التدمير والتخريب وقهر ادائنا باستخدام وسائل اذكى واكثر تعقيدا واكثر فعالية من تلك التي تستخدم ضدنا....".

وقد حمل الكتاب عالما من الغرائب ورسوما عديدة شرحت في الدليل المشار اليه كيفية القيام بألعاب الخفة الاستخبارتية وعرض وسائل وأجهزة خفية ذات مظهر عادي لا يلفت النظر بل لا يخطر في البال تستخدم في العمليات.

قراءة ممتعة اجمالا وشعور يشبه ذاك الذي يخلقه حضور فيلم سينمائي او تلفزيوني ناجح عن عالم المخابرات. لكن الواقع هو "هنا" اي في الكتاب أم الخيال "فهناك".

 

 











شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي