هآرتس: بانتهاجها 5 شروط للتستر على القتل.. ما الذي غاب عن إسرائيل في تصفيتها أبو عاقلة؟

2022-09-06

لم يكن هذا كافياً كي لا يتستر الجيش الإسرائيلي. تجاهله للتوثيق المصور في الوقت الحقيقي ولإفادات شهود العيان الفلسطينيين التي نشرتها وسائل إعلام أجنبية موثوقة ومحترمة (أ ف ب) 

يريدنا الجيش أن نصدق بأن جندياً إسرائيلياً من وحدة “دفدفان” الخاصة قد تشوش عليه الأمر فظن بأن الصحافية شيرين أبو عاقلة هي مسلح فلسطيني، وذلك بسبب الخوذة التي على رأسها والسترة الواقية التي ترتديها. لذلك هو أطلق النار عليها من خلال المنظار الذي يعمل على تكبير الهدف بأربعة أضعاف، من داخل السيارة العسكرية المحصنة ضد الرصاص والتي كان يجلس فيها.

من وجهة نظر مدنية، وليست عسكرية، فإن هذه الاستنتاجات هي نتيجة عملية التستر الجديدة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي والتي تسمى “تحقيقاً”. الاستنتاج الأول، أنه إذا كان الأمر قد اختلط على الجندي، بين مراسلين ومسلحين، وإذا كان قادته يسمحون له بمواصلة إطلاق ليس أقل من عشر رصاصات في غضون هذا الاختلاط على المراسلين، فإن وضع الجيش الإسرائيلي سيئ جداً. الاستنتاج الثاني، أن هذا الاختلاط أمر محتمل؛ لأن الجيش وضباطه وجنوده يستخفون بحياة المواطنين الفلسطينيين بشكل متزايد وخطير. الجنود مبرمجون على “التشوش” وعلى الفشل حتى من ناحية مهنية، لأنهم مبرمجون للتصديق بأنهم الضحية، في حين أن السكان المدنيين الفلسطينيين الخاضعين للحكم الأجنبي، هم المجرمون.

بيان المتحدث بلسان الجيش حول نتائج التحقيق الجديدة حول ظروف قتل الصحافية، الضليعة في تغطية الاقتحامات العسكرية، يتجاهل حقيقة أنه وقبل إطلاق الجندي للنار وقتلها، فإنه هو أو جندي آخر أطلق النار على المراسل علي السمودي وأصابه في كتفه. بيان المتحدث والتقارير الصحافية أيضاً قفزت عن حقيقة أنه قبل بضع دقائق من إطلاق النار القاتلة، مرت مجموعة المراسلين وهم يرتدون الخوذات ويرتدون الستر الواقية، من أمام الجنود الذين كانوا في السيارات العسكرية المحصنة. “لقد مشينا بشكل مباشر، حيث كان أمامنا وعلى بعد 200 متر تقريباً عدد من السيارات العسكرية. رغبنا بأن يرانا الجنود ويشخصوننا كمراسلين”، هكذا شرح لـ “بتسيلم” الصحافي المخضرم السمودي، الذي مثل زميلته أبو عاقلة، هو أيضاً ضليع في مثل هذه التغطية، وتعلم أساليب الحيطة والحذر التي يجب اتباعها كي لا يصاب.

صحافيان آخران كانا هناك أيضاً وقدما إفادتهما لـ”بتسيلم”، هما شذى حنايشة ومجاهد السعدي، أكدا أيضاً أنهما حرصا على التصرف بالصورة التي يفهم فيها الجنود الموجودون في السيارات العسكرية بأن الأمر يتعلق بمراسلين. لم يكن هناك قتال. ولو كان هناك قتال لما مروا أمام الجنود بمثل هذه الثقة من أمام السيارات العسكرية. حسب الجيش، أطلق الجندي نحو 20 رصاصة، 10 منها نحو “الفضاء” الذي كانت فيه أبو عاقلة. وحسب “بتسيلم”، فإن الجنود أطلقوا نحو 16 رصاصة على الصحافية. رصاصة من الست رصاصات الأولى أصابت السمودي. وقد أسرع واختبأ وراء سيارة متوقفة. ثلاثة مراسلين آخرون، من بينهم أبو عاقلة، انسحبوا من المكان الذي كانوا فيه. عندها تم إطلاق سبع رصاصات أخرى عليهم، أصابت إحداها رأس أبو عاقلة من الخلف. عندما حاول أحد السكان الفلسطينيين إنقاذها، أطلق عليه الجنود ثلاث رصاصات أخرى. فهل يتعلق الأمر إذاً بجندي أو جنديين؟ لا نعرف.

هناك خمسة شروط ضرورية كي يمر قتل وإصابة المواطنين الفلسطينيين على يد الجيش الإسرائيلي بهدوء وبدون أي تعقيدات إعلامية. تحقق منها أربعة شروط فقط في حالة قتل أبو عاقلة:

الشرط الأول، أن يصدق الجمهور الإسرائيلي قصص الكاوبوي التي يلقنونهم إياها وكأن جنود الجيش يرسلون إلى معارك، بل إلى معارك متكافئة، ضد خصم يماثله في القوة وليس لديه أي مبرر لمعارضة الغزو العسكري للحي الذي يعيش فيه. التحقيق المتستر الحالي يتحدث أيضاً عن إطلاق نار شديد على السيارات العسكرية المحصنة ضد الرصاص والتي كان الجنود يجلسون فيها. نعم، كثير من الشباب الفلسطينيين، خاصة في مدينة جنين وفي مخيم جنين للاجئين، اشتروا السلاح وأقسموا بأن لا يسمحوا للجيش بغزو قراهم أو إحيائهم بدون أي مقاومة، وكأنهم صيادون في السفاري. في الصور التي تبث في التلفزيون، يظهر المسلحون مخيفين وملثمين ويحملون بنادق ضخمة، وأحياناً ينجحون بإصابة جنود، ولكن تسميتهم بالأبطال من قبل الفلسطينيين واستعدادهم للتضحية بحياتهم أمام عدو مزود بسلاح متقدم ودقيق، الذي لا يوجد مثله معهم، لا يعتبر بديلاً عن التدريب والتطوير المستمر لتكتيك القتال في ظروف حرب العصابات.

مصادر في الجيش الإسرائيلي، التي نشرت عن التحقيق والتي تم اقتباسها، تحدثت عن إطلاق نار كثيف لم يميز، وعرض حياة الجنود للخطر، أثناء المعركة. لا يجب الاستخفاف بالخوف الشخصي للجنود، لكن الذين أجروا التحقيق في وصف المعركة ووصفوا جنود الجيش بأنهم مدنيون أبرياء، هل يصدق أنهم كانوا هناك بالصدفة؟ أفلام الفيديو التي تم تصويرها في الوقت الحقيقي والتي حصلت عليها ونشرتها وسائل الإعلام الدولية (نيويورك تايمز والـ سي.ان.ان)، تظهر بأنه لم تكن هناك أي معركة قبل ذلك، وفي الوقت الذي أطلق فيه الجندي، الذي اختلط عليه الأمر، النار على أبو عاقلة وعلي السمودي. إذا كان هناك رصاص أصاب السيارات العسكرية، فإن هذا لم يحدث في حينه. إذاً عن أي معركة يحدثوننا.

الشرط الثاني المطلوب من أجل أن يمر قتل فلسطيني من تحت الرادار، هو عدم تصديق الجمهور الإسرائيلي لشهود العيان الفلسطينيين والتحقيقات المستقلة، سواء وسائل إعلام أجنبية أو منظمات لحقوق الإنسان. وإذا ما زال الجيش ناجحاً في الاختباء وراء نظرية “بالخطأ” و”الاحتمالية العالية”، حتى بعد نشر تحقيقات صحافيين مستقلين، فلأنه يشعر بأنه محمي بفضل نفس عدم الثقة الإسرائيلية والاستخفاف بكل اكتشاف فلسطيني.

الشرط الثالث هو تجاهل إسرائيل، الجماعي والثابت، لقائمة طويلة تضم مواطنين فلسطينيين قتلهم وأصابهم رصاص الجيش وحرس الحدود والشرطة. هذه قائمة تشير إلى نموذج متساهل جداً لأوامر فتح النار. “بتسيلم” توثق كل حادثة. عدد من الحالات يعرفه قراء “هآرتس”، وهذا هو كل شيء. لا يتحول العدد إلى جرس تحذير، لا للجمهور ولا للكنيست ولا للنيابة العامة أو المحاكم. فلماذا إذاً يغير الجيش الإسرائيلي ويتغير.

الشرط الرابع هو التطرق إلى مهمة قوات الأمن (الجيش والشاباك وحرس الحدود والشرطة)، الحامية والمدافعة عن مشروع الاستيطان، كأمر مفهوم ضمناً. ولأن مشروع الاستيطان يتوسع بدون أي معارضة دولية، فإن الكثير من الإسرائيليين يكسبون منه بشكل مباشر أو غير مباشر. هذه حالة طبيعية، وحتى المتظاهرون الفلسطينيون غير المسلحين يعطلونها أحياناً. ولأن كل بيت في إسرائيل له ابن في الجيش، ويتماهى معه تلقائياً، فإن القدرة المعرفية على التشكيك بالحالة الطبيعية تضررت وأصبحت مشلولة. الجندي دائماً على حق. لذلك، الجيش الإسرائيلي على حق دائماً (إلا إذا قام القادة بالتنكيل بجنودهم أو قدموا لهم طعاماً لا يؤكل، عندها يتداعى الأهالي).

الشرط الخامس هو عدم الكشف عن هوية الضحايا الفلسطينيين. عندما يصاب الإسرائيلي في عملية، فإنه يصبح على الفور معروفاً ومقرباً من الجمهور الإسرائيلي. فهم يعرفون قصة حياته والسياق الاجتماعي الذي يصبح مفهوماً حتى بدون شرحه. عندما يكون القتلى والمصابون من الفلسطينيين، حتى لو تم نشر أسمائهم، يبقون غرباء. لا شيء من التفاصيل الصغيرة المعروفة يثير مشاعر المودة والتعاطف. في حالة أبو عاقلة، هذا هو بالضبط الشرط الذي لم يتحقق. مواطنة أمريكية وأيقونة إعلامية لمئات ملايين مشاهدي “الجزيرة” أصبحت مألوفة حتى لمن لم يعرفها من قبل.

مع ذلك، لم يكن هذا كافياً كي لا يتستر الجيش الإسرائيلي. تجاهله للتوثيق المصور في الوقت الحقيقي ولإفادات شهود العيان الفلسطينيين التي نشرتها وسائل إعلام أجنبية موثوقة ومحترمة، يعزز الشكوك حول سبب التستر في هذه الحالة. هل يدور الحديث عن جندي/ جنود اختلط عليهم الأمر وأخطأوا، أم يدور عن إصبع خفيفة على الزناد كأمر روتيني، وهو روتين لا توجد أي نية لتغييره لأنه جزء من الحوكمة اللازمة للنهوض بمشروع الاستيطان.

 

بقلم: عميره هاس

هآرتس 6/9/2022









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي