جحيم من نوع أخر : "جنة الطريق السريع" فيلم عن عالم سائقات الشاحنات

2022-08-17

ملصق الفيلم (تواصل اجتماعي)طاهر علوان *


أحداث وشخصيات وماض وحاضر مضطرب كلها يمكن أن تتراكم في مسار الشخصية وهي تبحث لنفسها عن حياة مسالمة أو قدر من التوازن لا أكثر، خاصة عندما لا تكون لدى تلك الشخصية أهداف عظيمة ولا استثنائية، وما همّها سوى أن تخرج من دوّامة ماض مضطرب وذكريات مرة.

ذلك هو الماضي الذي يلاحق سالي (الممثلة جوليت بينوش) في فيلم “جنة الطريق السريع” للمخرجة النرويجية آنا غوتو، في دور جديد ملفت للنظر في أحدث أفلامها وهو دور سائقة الشاحنة التي تنقل البضائع عبر الولايات الأميركية، ولا تنتظر سوى الخيط الوحيد الذي يربطها بحياتها الاجتماعية وهو شقيقها دينس (الممثل فرانك غريلو) الذي تنتظر خروجه من السجن خلال أيام معدودات.

يرسم المسار السردي للفيلم حياة سالي داخل إطار مربع مغلق لا تتعداه وحياة مغلقة، فهي لا تملك عنوانا سوى الطريق، فهي تنام في مقطورتها الضخمة العابرة للولايات المتباعدة وتمضي أيامها ولياليها هناك، لكن ها هي في مواجهة شرط من عصابة ما تقبع في السجن، وربما سوف يؤذون شقيقها ويحرمونه من رؤية الحرية ما لم تقم سالي بنقل بضاعة ما.
التحوّل الدرامي الذي سوف يقود الأحداث باتجاه مسار آخر في إطار حبكات ثانوية يتمثل في كون تلك البضاعة ليست إلا فتاة صغيرة يتم تهريبها في نطاق عمل عصابات التهريب والجريمة المنظمة والدعارة، وهو ما ترفضه سالي، لكنها ما تلبث أن تذعن من أجل إنقاذ شقيقها، لكن ما لم يكن في الحسبان هو أن تقدم تلك الفتاة الصغيرة ذات الاثني عشر عاما ليلى (الممثلة هالا فينلي) على إطلاق رصاصتين من بندقية كانت قد خبأتها سالي لتردي من اشتراها في الحال، وهنا سوف ننتقل في هذا المسار الفيلمي باتجاه مستوى تعبيري وجمالي ودرامي آخر.

ها نحن مع نوع فيملي ينتمي إلى أفلام الطريق، ويوميات سائقة الشاحنة وحواراتها عبر الراديو الداخلي مع زميلاتها سائقات الشاحنات الأخريات، وكأننا أمام نوع من الكسر الجندري للذكورية المتسيدة في مهنة قيادة شاحنات الطرق السريعة، وهي مهنة تشهد عمليات المتاجرة بالبشر والدعارة، لكن الأمر بالنسبة إلى سالي تحول بمجرد ارتكاب ليلى تلك الجريمة إلى مزيج من فيلم الجريمة والتحري وفيلم الطريق.

الدراما الفيلمية تقدم مواجهات حاسمة وغير متوقعة ولكن أضعفها سوء إدارة الممثلين وعدم تواؤمهم مع أدوارهم

هذا التحول سوف يقودنا إلى اثنين من المحققين، أولهما المحقق المتقاعد جيرك (الممثل مورغان فريمان) وزميله المستجد، لكنه دور لن يضيف لهذا الممثل المرموق كثيرا ولا إلى مساره الإبداعي، بل بالعكس لم يبرز بشكل مختلف وبدا تأثير تقدّمه في السنّ واضحا عليه، بينما كان في أفلام سابقة وكأن الدور مرسوم له خصيصا.

يكون وجود الفتاة وكونها مختبئة لدى سالي ومقتل الشخص الذي كان يفترض أن يتسلّمها قضية إشكالية تربك حياة سالي، حتى يداهم خطر إمكانية عدم الإفراج عن الشقيق في مقابل العلاقة البسيطة التي تنشأ بين سالي وتلك الطفلة، والتي تتعقّد حينا بهروبها ثم عودتها، ولكن لتتمكن من إنقاذ سالي من ملاحقة عصابة الاتجار بالبشر.

يتوازى خطّان في هذه الدراما الفيلمية هما خط التحري والملاحقة الذي يقوده جيرك ومساعده، في مقابل ملاحقة العصابة للعثور على سالي للاقتصاص منها وأخذ الطفلة، بينما سالي نفسها عليها التخلص من كليهما، لكنها لا تعلم بالضبط إلى أين ستفضي تلك المطاردة الممتدة ليلا ونهارا بين الولايات.


تتجه الدراما الفيلمية إلى مواجهة حاسمة وغير متوقعة، فالشقيق الذي سوف يخرج من السجن سوف يقود سالي إلى بيتهم القديم الذي لم تره منذ سنوات طويلة، وهناك سوف تسترجع الطفولة القاسية التي عانت فيها من قسوة الأب الذي كان يضربها والشقيق الخارج من السجن حديثا الذي كان يحميها، لكن ها هي خيبة الأمل قادمة مع انكشاف تواطؤ الشقيق مع العصابة لبيع الطفلة.

وأما إذا عدنا إلى تلك المشاهد التي كانت سالي تتواصل فيها عبر شبكة الراديو مع زميلاتها سائقات الشاحنات، فإن أيا منهن لم تظهر حتى اللحظة التي يتم التمكنّ فيها من محاصرة العصابة التي سرقت الفتاة، ومن ثم انتزاع سالي لها وعودتها إلى أحضانها حتى تتحول الطفلة إلى نقطة ضوء في حياة معتمة بالنسبة إلى سالي.

أما إذا عدنا إلى دور سالي، فالممثلة الكبيرة جوليت بينوش بمنجزها المتنوع والغزير بدت غريبة على هذا الدور، وربما بدا غريبا أن تظهر في دور سائقة الشاحنة الضخمة ومع قدراتها الأدائية المشهودة، إلا أن واقعيا لم تجد مساحة كافية في مسار الأحداث الفيلمية لكي تبرز قدراتها بشكل أكثر وضوحا.

من جانب آخر كانت مساحة الفيلم الزمنية قد امتدت بعيدا باتجاه تشعبات أضعفت الدراما الفيلمية، وذلك من خلال تباعد خطوط الدراما وعدم بلورتها باتجاه تصعيد مؤثر يختصر الكثير من التفاصيل، التي أثرت على إيقاع الفيلم وإيقاع الأحداث وأضعفت إلى حد ما من قوة الأحداث ووقعها، كما أنها أضعفت من جانب آخر أداء الممثلين الكبيرين بينوش وفيرمان، لاسيما وأنهما معا للمرة الأولى في فيلم سينمائي يجمعهما.


*كاتب عراقي مقيم في لندن







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي