هآرتس: هكذا تسلل "الانقلاب الديمغرافي" وحول اليهود إلى أقلية في "أرض إسرائيل" عام 2020

2022-08-05

الجمهور اليهودي لا يؤمن بأن حل الدولتين ما زال قابلاً للتحقق (60 في المئة)، والتفسير السائد لذلك هو أنه لا يوجد ولن يوجد شريك فلسطيني (ا ف ب) 

في “إعلان القدس” الذي وقع عليه الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الحكومة يئير لبيد، الشهر الماضي، والذي أعلن فيه بايدن عن التزامه الشخصي باتفاق سياسي، تم حصر حل الدولتين في جملة واحدة في نهاية الوثيقة. الكرة فيما يتعلق بالنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين في يد الطرفين، بالأساس في يد إسرائيل. السؤال: هل تقود القيادة الإسرائيلية دولة إسرائيل بشكل واع نحو هدف وطني استراتيجي يقبله المجتمع الإسرائيلي – اليهودي والعربي؟

الاستطلاعات الجديدة التي أجريناها، تظهر أن الجمهور الإسرائيلي لا يدرك بأن الدولة تسير نحو واقع قد يقوض المشروع الصهيوني. وهذا الجمهور مصاب بالعمى بخصوص التهديدات المستقبلية التي قد تؤثر على مصيره ومستقبله. يجب التأكيد أنه حتى الآن، وخلافاً لقرارات كثيرة للحركة الصهيونية ودولة إسرائيل فيما يتعلق بتقسيم البلاد من 29 تشرين الثاني 1947 وحتى “حلم ترامب في السلام” من كانون الثاني 2020، لم تتخذ أي حكومة إسرائيلية قرار تبني حل الدولة الواحدة، ولم تناقش الكنيست هذه الاحتمالية يوماً ما.

حسب الإدارة المدنية، فإن اليهود بدءاً من العام 2020 هم الأقلية – 49 في المئة – من إجمالي السكان الموجودين غرب نهر الأردن. هذا هو الانقلاب الديمغرافي الثاني الذي حدث خلال أقل من مئة سنة، الأول كان في 1949 بعد حرب الاستقلال، الذي حول اليهود إلى الأغلبية في دولة إسرائيل، التي امتدت على مساحة 78 في المئة من مساحة البلاد. ولكن الانقلاب الديمغرافي في 2020 مر بهدوء مفاجئ رغم الإمكانية الكامنة والمتفجرة المدفونة فيه.

الاستطلاعات التي أجريت في السنوات الأربع الأخيرة في المجتمع الإسرائيلي، توفر صورة شاملة، سواء حول مواقف الجمهور الإسرائيلي (اليهود والعرب) أو بخصوص رؤيته للواقع وفهمه للعمليات المهمة التي تحدث تحت الأرض. معظم الجمهور اليهودي في الدولة يعتبر نفسه يمينياً ويصوت للأحزاب اليمينية، الأمر الذي ينعكس في الـ 72 مقعداً لأحزاب اليمين في الكنيست الـ 24. ولكن معظم الجمهور اليهودي يؤمن أيضاً بأنه يجب الانفصال عن الفلسطينيين.

لقد قمنا بفحص تأييد الجمهور اليهودي لحلول سياسية مختلفة في 7 استطلاعات أجريت في الأعوام 2018 – 2022. وقد طلب من المستطلعين تحديد الاحتمال الأفضل لهم من بين أربعة احتمالات: اتفاق سياسي مع الفلسطينيين على دولتين لشعبين؛ انفصال إسرائيلي أحادي الجانب عن الفلسطينيين، يشمل إخلاء مستوطنات نائية وانكفاء خلف جدار الفصل وبقاء الجيش الإسرائيلي على الأرض إلى حين التوصل إلى اتفاق دائم؛ ضم أحادي الجانب لمناطق يهودا والسامرة؛ واستمرار الوضع الراهن.

الاستطلاع الأخير الذي أجري في حزيران 2022 وجد أن أكثر من 60 في المئة من اليهود أيدوا حل الانفصال عن الفلسطينيين (اتفاق سياسي أو انفصال أحادي الجانب)، و16 في المئة أيدوا ضماً أحادي الجانب لـ”المناطق” [الضفة الغربية]. ولكن يجب الإشارة إلى أن تأييد الانفصال عن الفلسطينيين تآكل مع مرور الوقت. ففي العام 2018 تقريباً ثلاثة أرباع الجمهور الإسرائيلي أيدوا اتفاقاً سياسياً أو الانفصال. ومن استطلاع إلى آخر، أخذ هذا العدد يتقلص. من يؤيدون الانفصال لم ينتقلوا إلى دعم الضم أحادي الجانب، بل إلى استمرار الوضع القائم. مقابل 10 في المئة، أيدوا هذه الاحتمالية في 2018، وفي 2022 أيد هذه الاحتمالية أكثر من 20 في المئة. تأييد الضم بقي على حاله، باستثناء وقت قصير، في نهاية 2019 وبداية 2020، حيث ارتفع إلى 25 في المئة تقريباً بسبب خطة ترامب والدعوة العلنية لرئيس الحكومة في حينه بنيامين نتنياهو لضم مناطق لإسرائيل كما يبدو. 

في استطلاع سابق أجري في 2020 طلب فحص العلاقة بين تأييد حلول سياسية مختلفة وبين التصويت للكتلتين السياسيتين، اليمين واليسار، في الانتخابات التي أجريت في آذار 2020. وقد وجد أن التصويت لليمين لا يتم تفسيره عن طريق تأييد الضم. في المقابل، تأييد حل الانفصال، دولتين أو انفصال مبادر إليه، تنبأ بصورة كبيرة بالتصويت، حيث إن دعم الدولتين فسر التصويت لكتلة اليسار – وسط، في حين تأييد الانفصال الإسرائيلي المبادر إليه فسر التصويت لليمين.

في استطلاع حزيران 2022 ظهر أنه رغم تفضيل معظم الجمهور لحل الانفصال، إلا أنه أيضاً يؤمن بأن الأغلبية لا تؤيد هذا الحل. أي أن الأغلبية تؤمن بأنها أقلية. يعتقد الجمهور اليهودي أيضاً أن الفلسطينيين غير معنيين بحل الدولتين رغم أن استطلاعات في السلطة الفلسطينية تدل على أنه رغم التآكل الذي حدث مع مرور الوقت في دعم هذا الحل، إلا أنه ما زال الأكثر شعبية. مع ذلك، تراجع الفلسطينيون عن فكرة حل الدولتين. وإذا كانت الأغلبية في السابق تؤيد المصالحة مع إسرائيل، إلا أن من يؤيدها الآن أقل من ثلث الجمهور الفلسطيني.

الجمهور اليهودي لا يؤمن بأن حل الدولتين ما زال قابلاً للتحقق (60 في المئة)، والتفسير السائد لذلك هو أنه لا يوجد ولن يوجد شريك فلسطيني. في المقابل، يعارض الجمهور اليهودي بشدة حل دولة واحدة من البحر إلى النهر. في حين أن المعارضة لدولة واحدة ديمقراطية مع حقوق متساوية لليهود والعرب، شديدة بشكل خاص (80 في المئة في أوساط الجمهور اليهودي) فإن المعارضة لدولة غير ديمقراطية يكون فيها للفلسطينيين حقوق مقيم وليس حقوق مواطنة كاملة، هي معارضة معتدلة أكثر، 53 في المئة يعارضون هذه الاحتمالية. مع ذلك، حوالي ثلث الجمهور اليهودي مستعد لقبول احتمالية دولة يهودية غير ديمقراطية من البحر حتى النهر.

الجمهور اليهودي غير معني بدولة واحدة، لكنه لا يقلق من احتمالية أن تتحول إسرائيل إلى مثل هذه الدولة. الأغلبية (80 في المئة) تعتقد أننا بعيدون جداً عن هذه الاحتمالية أو عن احتمالية دولة أبرتهايد، وأنه لا خوف من أن نصل إلى وضع كهذا. هذه الفجوة بين العقليات في العالم – الذي يعتقد أن إسرائيل تتبع سياسة الأبرتهايد مع الفلسطينيين ومع عقلية الجمهور اليهودي – قد تعكس رؤية ذاتية، وعدم معرفة الواقع الديمغرافي يدل على رؤية مشوهة للحقائق.

معظم الجمهور في إسرائيل يؤمن بوجود أغلبية واضحة، 62 في المئة وأكثر، من اليهود بين البحر والنهر (في أرض إسرائيل الانتدابية، بما في ذلك أراضي إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة). هذا رغم أنه فعلياً توجد الآن أقلية يهودية في أرض إسرائيل الانتدابية. هذه الفجوة تبرز إزاء حقيقة أنه إذا ما تم إقامة دولة واحدة، فالأغلبية الساحقة من الجمهور اليهودي تعتقد أنه يجب أن يكون فيها أغلبية، على الأقل 70 في المئة، من اليهود كي تستطيع مواصلة اعتبار نفسها دولة يهودية.

الجمهور العربي في إسرائيل، في المقابل، يعتقد أننا قريبون من دولة واحدة، والنصف يعتقدون بأننا أصبحنا في وضع دولة واحدة، التي لا توجد فيها مساواة في الحقوق بين اليهود والعرب. الجمهور العربي في معظمه يفضل اتفاقاً سياسياً بين إسرائيل والفلسطينيين، لكنه شبيهاً بالجمهور اليهودي، لا يؤمن بأن مثل هذا الاتفاق ما زال ممكناً.

في السنتين الأخيرتين اختفى النقاش السياسي تقريباً بين من يؤيدون تقسيم البلاد ومن يؤيدون أرض إسرائيل الكاملة. هذا الموضوع نزل من العناوين، ويبدو أنه لم يعد هناك من يهتم به. عملياً، الواقع المتغير لا ينجح في اقتحام شاشة الإنكار. الاستطلاعات التي نجريها خلال سنين تدل على أن الجمهور الإسرائيلي (وربما أيضاً القيادة) يسير بشكل أعمى نحو واقع لا يريده أبداً.

الإسرائيليون غير واعين للعملية الزاحفة لخلق الدولة الواحدة التي يعارضونها. هم ينكرون الواقع الديمغرافي الذي لا يسمح بقيام دولة يهودية وديمقراطية بين البحر والنهر. ولا يعرفون التغيرات المهمة في مزاج العالم بالنسبة “للوضع الراهن” أو الحساسية المتزايدة في العالم إزاء عدم المساواة.

يهوشفاط هركابي، كتب في كتابه الصادر في 1986 بعنوان “قرارات مصيرية حاسمة”: “أعترف بالحق الديمقراطي لليهود في إسرائيل، أن يجلبوا لأنفسهم انتحاراً وطنياً. إذا حدث ذلك، فسأذهب معهم. ولكن أريد تحذيرهم من ذلك بقدر استطاعتي”. نريد أيضاً أن نضع أمام القيادة والجمهور إشارة تحذير ضوئية من إمكانية أن تتحول إسرائيل إلى دولة واحدة غير مساواتية بين البحر والنهر. لا نحذّر من تجسيد الحق الديمقراطي للجمهور الإسرائيلي في تقرير مصيره، بل من الانجراف غير الواعي نحو واقع لا يريده، والحكومة والكنيست لم تتخذا أي قرار بشأنه. دولة إسرائيل تبحر بشكل أعمى نحو جبل جليد، لكن يمكن الاستيقاظ وتغيير الاتجاه وتجنب الاصطدام.

 

بقلم: شاؤول اريئيلي

هآرتس 5/8/2022







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي