
بحيرة سانت آن - بعد الاعتذارات و"رحلة الشفاء"، يواصل البابا فرنسيس الأربعاء زيارته لكندا بتوقف يستمر يومين في مقاطعة كيبيك قبل عودته إلى روما، من دون أن يفوت فرصة لقاء السكان الإنويت في القطب الشمالي الجمعة.
بعدما ترأس قداسا في ادمنتون، توجه البابا إلى بحيرة سانت آن الواقعة على بعد 80 كيلومترًا إلى الغرب منها وتشكّل أحد أهم مواقع الزيارة الدينية في أميركا الشمالية.
يزور الآلاف الآتين من كندا والولايات المتحدة كلّ عام، منذ نهاية القرن التاسع عشر، بحيرة سانت آن، للاستحمام فيها والصلاة في المياه التي يُقال إنها ذات خصائص علاجية، وفق طقوس الأميركيين الأصليين.
ويُحتفل في 26 تموز/يوليو بعيد القديسة آن والدة مريم العذراء وجدّة المسيح بحسب التعاليم الكاثوليكية، وهي قديسة رئيسية بالنسبة للعديد من مجتمعات السكان الأصليين الكنديين.
والبابا الذي قدم الإثنين اعتذارا تاريخيا عن الأذى الذي لحق بالسكان الأصليين، التقى مجددا هؤلاء، داعيا الكنيسة إلى تفضيل "الحقيقة" على "الدفاع عن المؤسسة" خلال هذه الرحلة إلى بحيرة سانت آن.
هذه الزيارة التي تستغرق ستة أيام وتم تقديمها على أنها "رحلة توبة" مكرسة إلى حد كبير لهؤلاء السكان الأصليين الذين عانوا من عقود من سياسة الاستيعاب القسري ولا سيما نظام المدارس الداخلية للأطفال التي تشرف الكنيسة الكاثوليكية على معظمها.
وفي خطاب أمام عشرة آلاف شخص، تضرع إلى الله من أجل شفاء "صدمات العنف الذي عانى منه إخوتنا وأخواتنا من السكان الأصليين".
وقال "في هذا المكان المبارك حيث يسود الوئام والسلام، نضع بين يديك التنافر الذي شهده تاريخنا والآثار الرهيبة للاستعمار والألم المتقد لهذا العدد الكبير من العائلات والأجداد والأطفال ... ساعدنا لنشفى من جروحنا".
ضمن الحشد الذي حياه فور ظهوره، ارتدى عدد كبير من الحاضرين قمصانا برتقالية اللون كتلك التي لبسها الناجون من المدارس الداخلية، بينما ظهر آخرون بملابس تقليدية زاهية الألوان للسكان الأصليين الذين اعتمر قادتهم أغطية من الريش.
عند وصوله على كرسي متحرك على قرع الطبول والأغاني التقليدية، ألقى الزعيم الروحي للكاثوليك البالغ عددهم 1,3 مليار في العالم، تحية طويلة على الحاضرين. وتوقف البابا الذي بدا عليه الضعف بسبب آلام الركبة، لمباركة الأطفال وتقبيلهم.
وبعد ذلك وقف للحظات صامتًا يتأمل ضفاف البحيرة قبل أن يبارك مياهها.
وقالت الناجية من مدرسة داخلية سيندي ديرهيد لوكالة فرانس برس "لم أرغب في الحضور لكنني غيرت رأيي. إنه حدث تاريخي أن يكون هنا في هذا المكان المقدس الذي تجمعنا فيه لأجيال".
واضافت "لسوء الحظ، تأخر قليلا لأن الكثير من الناس قد ماتوا"، معبرة عن أملها في أن يجد الأحياء "المغفرة في قلوبهم".
- يوم "تاريخي" -
قبل ذلك بساعات، في إدمنتون في غرب كندا، وتحت سماء ملبدة بالغيوم، تجمع نحو خمسين ألف شخص حسب السلطات المحلية، في ملعب الكومنولث حيث أحيا البابا أول قداس منذ وصوله الأحد.
وأثناء عظته التي ألقاها باللغة الإسبانية، صلّى البابا من جديد من أجل "مستقبل لا يتكرر فيه تاريخ العنف والتهميش الذي عانى منه إخواننا وأخواتنا من السكان الأصليين".
وكان البابا فرنسيس قدم الاثنين اعتذارات تاريخية للشعوب الأصلية في كندا وهو ما اعتبره عدد من قادة شعوب الأصليين يومًا "تاريخيًا".
وكان الاعتذار مُنتظرًا منذ سنوات بين هؤلاء السكان الأصليين الذين يشكلّون حاليا خمسة بالمئة من سكّان كندا.
وقالت كارولين برويري لفرانس برس قبل بدء القداس في الملعب "لقد كان الخطاب جيدا لكنه لم يكن عفويا. أشعر أنه كان سيعني أكثر بالنسبة لكثيرين لو انه نبع من القلب دون قراءته من ورقة".
قال هنري سوانبي العضو في الشعوب الأولى من ساغكينغ إنه يشعر "بخيبة أمل" لأن البابا تحدث بالإسبانية وليس بالإنكليزية. وأضاف "عندما ذهبت إلى المدرسة الداخلية مُنعت من التحدث بلغتي وكان علي أن أتكلم الإنكليزية. كان عليه أن يتعلم الاعتذار بلغتنا وليس من الصعب قول كلمة "آسف".
سجّل نحو 150 ألف طفل من أبناء الشعوب الأصلية قسرا في هذه المدارس حيث فصلوا عن أسرهم ولغتهم وثقافتهم وغالبا ما تعرضوا للعنف الجسدي والنفسي والجنسي، ولقي ستة آلاف منهم حتفهم بين نهاية القرن التاسع عشر وتسعينيات القرن العشرين.
اعتذرت الحكومة الكندية التي دفعت مليارات الدولارات كتعويضات لتلاميذ سابقين، بشكل رسمي قبل 14 عاما عن إنشاء هذه المدارس التي أقيمت "لقتل الهندي في قلب الطفل".
ثم حذت حذوها الكنيسة الأنغليكانية. لكن الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تدير أكثر من 60 في المئة من هذه المدارس الداخلية، رفضت في السابق القيام بذلك.
وفي نيسان/أبريل، تغيّر كل شيء مع اعتذار البابا فرنسيس ووعده بالمجيء إلى كندا.