«ميغال دي سرفنتيس».. في أصول صاحب «دون كيخوت» الأندلسي

خدمة شبكة الأمة يرس الإخبارية
2010-06-05
«دون كيخوت» بريشة الفنان العالمي سلفادور دالي

صلاح الدين بوجاه 

هل الريشة إلا.. لسان الروح!، سرفنتيس
رغم أنّ عدم التعامل مع النص الاسباني الأصلي يعدّ من النقائص الأساسية، فإن اللجوء إلى الفرنسية قد يكون بديلا ممكنا بالنسبة إلى المجال الثقافي التونسي، خاصة أن الترجمتين المعتمدتين مفعمتان بإحالات دقيقة شتّى على المجتمع الاسباني وآدابه وتقاليده، عبر المقدمات والجداول، والإحالات والملاحظات.. التي تمثل كلها جهازا واسعا من النصوص الحافة ذات القيمة الاستثنائية في باب الاستفهام عن أصول ميغال دي سرفنتيس العائلية الضاربة في مجال التعدد الثقافي، واللغوي والحضاري الذي عرفته البلاد الاسبانية، والأندلس خاصة في زمن صدور الكتاب.

وغني عن التنويه أننا فعلا إزاء "رواية مؤسسة"، لا بالنسبة إلى اسبانيا المسيحية فحسب، أو بالنسبة إلى أوروبا، إنما بالنسبة إلى جنس الرواية عموما، خاصة في باب اللقيا بين الأديان "المسيحية والإسلام واليهودية" والأعراق "الأوروبيين والعرب والبربر" في نهاية القرن السادس عشر وبداية السابع عشر.

فلقد لفتت انتباهنا إحالات شتى على المجالين العربي والعبري، اللذين مثلا الحضارة المغلوبة التي قامت على أنقاضها الحضارة المغلوبة التي قامت على أنقاضها الحضارة الإسبانية المسيحية، تلك التي يمكن اختزال الإشارة إليها في عدد من المسائل الدالة:
- اقتراع كاتدرائية طليطلة على قانون "الصفاء العرقي"، القاضي بمنع حديثي العهد بالمسيحية من الانتماء إلى الرتب الكنيسية: Conversos.

- ندرة المواطن التي يتكلم فيها سرفتيس باسمه الشخصي، دون أن يلجأ إلى "تعلات روائية مختلفة"، من أهمها "سيد حامد بن إنجيلي".

- إعلان ميغال دي سرفنتيس "مسيحيا عريقا" من قبل تاجرين إيطاليين دون أن يتمكن – فعليا – من إثبات هذا الادعاء. وذلك على اعتبار أن "المسيحي العريق" "Cristianos viejos" هو الذي سلمت أصوله العائلية من يهود، أو مسلمين، قد اعتنقوا المسيحية حديثا، فغدا بهذه الصفة خلوا من كل سوأة.

- ليونور دي طور يبلانكا Leonor de Toerreblanca كانت زوجة جده للأب، خوان دي سرفنتيس، وكانت تعد في سلالتها يهودا عديدين.

- والده رودريغو دي سرفنتيس تزوج حوالي سنة 1542 ليونور دي كارتيناس Leonor de Cortinas وهي ذات أصول غير محددة!

- تأكيد أمريكو كاسترو Americo Castro على اعتبار مؤلف دون كيشوت "حديث عهد بالمسيحية".

- صدور أول سجل لمحاكم التفتيش ينعت الكتب الموضوعة بـ séditeux وقد اقترعت عليه كاتدرائية طليطلة وتولت بمقتضاه إقرار مبدأ "صفاء الدم" القاضي بمنع اليهود والمسلمين، معتنقي النصرانية حديثا، من الارتقاء إلى المراتب الكنيسية.

هكذا تجد "اسبانيا" نفسها مشتملة على عناصر لا تحصى ممن لم يكونوا في الأصل مسيحيين، إنما قدموا من الديانة الاسلامية أو اليهودية.. لأسباب يطول شرحها وتبيان الضغوط الحافة بها، منذ أجيال، هكذا انتشر الشك وعمت الريبة!

في خضم هذا المخاض السياسي، بطابعه الشعائري الصريح تبرز مسألة أصول سرفنتيس مستندة إلى أسئلة محيرة يمكن ربطها بجوهر الغموض الذي يسم مرجعيتها، وصلاتها بالوقائع.

فرغم إقبال الـconversos على خدمة التوجهات الحضارية الجديدة بجوهرها المسيحي، وتعدد ألوانها الثقافية، فقد لبثوا يعتبرون منتمين إلى "دماء غير سليمة!".
وهل ذلك إلا بسبب رغبة "الواقع الجديد"، بخلفياته الإجرائية والفكرية، في الدفاع عن نفسه وضمان صفائه العرقي.. قدر الإمكان.

إننا في صلب مجتمع متحول متنوع الأعراق قائم على شتات ينشد الالتقاء في نهر الثقافة الغالبة. هكذا يجد الباحث نفسه ضاربا في طريق غير مأمونة، خاصة أننا إزاء كاتب سرد يتوارى باستمرار خلف خياراته الفنية والشكلية غير الواضحة: "بسبب من ذلك اهتم متتبعو سيرة سرفنتيس بأعماله القصصية حيث تلتقي أنواع شتى من تجارب الحياة، والفكر، والأدب.. عسى أن يتمكنوا بطريقة أفضل من الإحاطة بشخصية كاتب يجيد التخفي".

لقد كان فعلا يتجنب الإعلان عن نفسه. وذلك بفضل اصطناع ألقاب مستعارة في مواطن معينة، منها الإهداء والتواطئات!

فبماذا يمكن أن ينبئنا يا ترى تعامله مع رواة مفترضين حول شخصية المؤلف وأصوله الأسرية؟

إن إعادة بناء أصول سرفنتيس، بالاعتماد على الطبعتين المشار إليهما لدى مفتتح هذا المقال، تثير استفهامات عديدة موصولة بطبيعة المجتمع الذي ينتمي إليه، والمتسم بالغموض وغلبة القضايا المتنازع في شأنها، نظرا إلى التحولات الكبرى التي غلبت على الأعراق والأديان، في المدن والقرى والأرياف، ومختلف الطبقات، من الفئات العليا حتى عامة الشعب وأبسط الناس.

يدفعنا هذا إلى الإلحاح على غموض أصول سرفنتيس، كما يحدونا إلى ملاحظة السمات نفسها في شخصية بطل الرواية: "دون كيشوت". ونرى أن حياة أي كاتب – على وجه الإطلاق – لا يمكن أن تكون منفصلة تمام الانفصال عن إبداعه.

يلاحظ جان كانافاجيو في مقدمة طبعة لابلاياد: "لا ريب في أن مراجعة وثائق الأرشيف العامة والخاصة خلال القرن الثامن عشر.. قد سمحت بتجميع وثائق مهمة في شأن ميغال دي سرفنتيس، بيد أن مواطن ظل عديدة تبقى ملقية بأرديتهاعلى طفولته، وعلى مراحل أخرى من حياته".

في هذا الخضم من الغموض والأخذ والردّ نميل إلى الاحتفاظ من أطوار رحيله بين المدن الاسبانية، ثم نحو إيطاليا، وأسره الطويل، الذي تواصل اثنتي عشر سنة – في بلاد المغرب – من قبل قراصنة الترك بثلاثة أحداث، وهي على التوالي:
1- تيهه في المدن والقرى الأندلسية خلال عشر سنوات، من 1587 حتى 1597.
2- تأرجحه بين السيف والقلم حتى سنة 1608، حيث كانت الغلبة في النهاية للكتابة الإبداعية.

3- جنوحه إلى نسبة السرد في أعماله إلى ذوات وهمية من أشهرها "السيد حامد بن إنجيلي"!
وغني عن التأكيد، في الأحوال كلها، أننا إزاء مناخ من عدم الثقة التامة، بل الإحساس بالمغالطة، وانتشار فكرة المؤامرة والريبة بين الأعراق والأديان والبلدان، خاصة أن اسبانيا – الخارجة من الحقبة العربية – قد انفتحت على المجال اللاتيني انفتاحها القوي المعلوم. وأخذت تسعى قدما نحو تجاوز جراحها السابقة، رغم مناخ الانطواء الذي ضرب حديثي العهد بالانتماء إلى المسيحية.

بسبب من هذا نشأ جدل واسع حول أصول سرفنتيس! فكيف التعامل مع هذا الذي يمثل العبقرية الاسبانية عبر كل العصور.. دون أن يكون قوي الانتماء إلى المسيحية!
والملاحظ أن أمريكو كاسترو "Américo Castro" هو الذي تولى في سياق "الدراسات الكيشوتية" الدفاع القوي عن هذه الفكرة مثيرا جدلا واسعا في أوساط النقاد عبر العالم.

وفي تقديرنا أن خصائص الخطاب، والحوار الدال بين بنية "الحكاية" "أو الحكاية/ الفصل" في دون كيشوت والحكايات العربية "مثلما هو الشأن في ألف ليلة وليلة مثلا/ أو أغاني الاصفهاني، فضلا على كيفيات التعامل مع المرجع الواقعي.. تثير جدلا فنيا وغرضيا ثريا جدا، يمكن أن يعالج بكيفيات معمقة. وفي حسباننا معالجته في مقالة أخرى منفصلة نزمع نشرها قريبا.

والملاحظ أن الدكتور محمد القاضي يدرس صلة الخبر والايديولوجيا ضمن الفصل الثالث من كتابه "الخبر في الأدب العربي" حيث نجد غوصا في علاقة النصوص بالمجتمع الذي انبثقت منه.

فإذا تساءلنا حول الأثر الذي يمكن أن يكون قد أحدثه انتماء سرفنتيس إلى فئة "المسيحيين الجدد" في إبداعه.. استقر لدينا أننا في مجال غير واضح المعالم!
ويبدو في هذا السياق أن "أمريكو كاسترو" قد سار في هذه السبيل إلى منتهاها، إذ أكّد أن أدب سرفنتيس يمكن أن يضيء أصوله. فكأنّ الخطاب السردي لديه كان يمثل أبرز درجات الاستفهام والحيرة، إزاء القيم الجديدة، والضغط الذي تمارسه القيم الزائلة، مما أدى إلى الميل إلى ضرب من المعارضة، تبعا للشكل الأدبي العرب، قائمة على المبالغة في التغني بقيم الفروسية، ضمن واقع اجتماعي يدعو إلى التخلي عنها!

منتهى ما نقول إننا إزاء إحياء للعالم القديم، بقيمه الكثيرة عبر استدراج الثقافة المفارقة التي كانت سائدة في ظل الوجود العربي في الأندلس، على اعتباره تمازج عناصرموريسكية وسيفاردية في شخصيته.

فبالاستناد إلى "أمريكو كاسترو يمكن أن نمعن في إثارة الاستفهامات حول "سرفنتيس"، ذي أصول غامضة، يبحث عن "عودة ما" إلى عصور" اسبانيا الذهبية". ولعل ذلك لا يكون إلا بالعودة إلى متن الرواية، ودراسة وظائف القص داخلها، فضلا على البحث عن سمات "الكرنافال" التي تخصص عصرا من التعدد الثقافي الصريح.

مفتاح الاستفهامات:
لعل مفتاح هذه التساؤلات يكمن في العودة إلى الواقع الاسباني خلال القرن السادس عشر، حيث يمكن أن يكون المؤلف، ذو الأصول "اليهودية- الموريسكية" قد استند إلى استرجاع "واقع ما قبل مسيحي" كان سائدا في اسبانيا خلال توازناتها السابقة. هكذا تغدو وظائف الرواية أوسع من وظائف عالم اللغة أو المتأدب، ومؤرخ الثقافة.. إنما تدعو الفلاسفة والأطباء، والمحللين النفسيين".

إن صورة اسبانيا، التي تساءل في شأنها المؤرخون، هل تنتمي إلى افريقيا أم إلى اوروبا، يمكن أن ترمز أيضا إلى ميغال دي سرفنتيس مزدوج الأصول، "المسيحي غير بريء الدم" من أصول "سفرديمية موريسكية"، ويمكن أن تحيل أيضا على دون كيشوت الغامض.

دون مبالغة في هذه السبيل يمكن أن نثبت في سهولة أن واقع اسبانيا في القرن السادس عشر يسمح بذلك.فإسبانيا، "بلد الأديان الثلاثة" لا يزال حيا قويّ الثقافة بالغ الأثر. لاشك أن تلك القوة تدعو اليوم لدى مستهل القرن الواحد والعشرين إلى إعادة تمثل التاريخ، بالمقدار المطلوب من الموضوعية، عسى أن نثبت "العناصر العبرية والإسلامية.. ونصادر على أصول الكاتب اليهودية".

في وضعنا المتاح اليوم لا يمكن إلا أن نصادر على بنية النص وأسلوبه ومعانيه.. عسى أن نلقي المزيد من الأسئلة في شأن هذه الرواية الطويلة.

اعتمدنا فيما تقدم إحالات ميغال دي سرفنتيس على ذوات أخرى، ذات دلالات حضارية شتى، أهمها تلك التي تحيل على الثقافة العربية.

ومن أهملهاالسيد حامد بن إنجيلي Cid Hamet Ben-Engeli ولسوف نتأنى لدى تأويلات ميكا بن ميلاد اللغوية، أما في مستوانا هذا فيعنينا أن نحيل على جوانب ثلاثة يمكن أن تمدنا بطوق نجاة في هذا الشأن:
أ- "السيد" و"حامد" لا جدال فيهما.
ب- بن إنجيلي هي التي تتطلب التأويل، ويمكن أن تعيدنا إلى "البان نجال"، فالموريسكيون معروفون في اسبانيا بتفضيله، وسانشو "ص 919 ج II" يشير إلى هذا، فضلا على أن سرفنتيس "جII ص1106" يلقب أهل طليطلة بـ"برنجينجينايروس".
ج- بن انجيلي، يمكن أن تقوم على الإحالة على الإنجيل، وترمز إلى ثنائية "السيد حامد/ بن الإنجيلي".. وقد تتضمن إحالة على تشبث سرفنتيس بالمسيحية، مثلما عرف عنه أوان الأسر في الجزائر، طوال 12 سنة.

ضمن هذا السياق نقع على صفات تخصص القص غير المدون الملاحظ حتى اليوم في ساحات مدننا العربية، مثل ساحة جامع الفناء في الرباط بالمغرب الأقصى، مما يؤكد الثقافة السائدة في اسبانيا في منتهى القرن السادس عشر وبداية السابع عشر لم تكن تختلف كثيرا في جوهرها عن التقاليد العربية، النابعة من فنيات "القص الشرقي".

لاشك أن معرفتنا باللغة العربية، وبالأشكال القصصية الشرقية يسمحان لنا بمواصلة إنارة النص من الداخل والعمل على إزاحة الغموض المخيم على الرواية، فأصول ميغال سي سرفنتيس المتنوعة هي التي سمحت له بإغناء نصه بنية ومعاني ودلالات.

لهذا يعنينا أن نظفر من خلال الطبعتين المعالجتين بأصول سرفنتيس غير الاسبانية المسيحية للإلحاح على تعدد العناصر المسهمة في ثقافة أسرته، وفي الثقافة الشائعة في المدن الأندلسية على عهده. هكذا نكون إزاء نوعين من العناصر، نوع أول موصول بشخصيته وأصوله الأسرية الفعلية، ونوع ثان مرتبط بأصوله الثقافية المتشعبة الضاربة بسهام في التعدد الذي يسم حضارة البلاد في القرنين السادس عشر والسابع عشر.

من ذلك ما أوردته الباحثة ميكا بن ميلاد Mika Ben Miled في كتيبها حول: رواية حصار الإسبان ميناء حلق الوادي سنة 1573.

فلقد وفرت بعض الإحالات المهمة في شأن أصول اللغة، حيث أكدت أن سرفنتيس لقب إسباني تعود جذوره إلى اللاتينية "سرفوس" Servus، أي العبد؟ بينما بن إنجيلي Ben- Engeli فتحيل على العربية الأندلسية حيث أن إيجل Iggel أو Eggel تعني الخادم أو العبد. فيكون سرفنتيس قد أحدث تجاذبا ما بين الأصلين اللغويين، بتأكيد التمازج الرمزي بين أصوله الحضارية المزدوجة.

أما كيشوب El quijot, quixiste فضرب من الدروع التي تحمي فخذ المحارب، ولقد اختار سرفنتيس أن يختم اللفظة الاسبانية باللاحقة ote التي تشير إلى التهكم "le ridicule".

والطريف أن سرفنتيس قد عمل في روايته هذه على إلغاء الروايات الاسبانية السابقة، إذ كان الديغال في السخرية من روايات الفروسية قد جعل بين يدي القارئ "نموذجها المكتمل" مما يسّر له الإعراض عن سواها! إننا فعلا لدى غاية مزدوجة، ذات أطراف متناسبة عكسيا.

ولعله من قبيل الطرافة والجدوى في الوقت ذاته أن نستفهم حول أيهم – دون كيشوت أو سرفنتيس – أصعب من حيث فك الغموض الذي يحيط به! إننا إزاء كاتب، وبطل، لا يختلفان كثيرا عن إسبانيا الملغزة، متعددة الوجوه، الغنية حدّ الاكتمال!

ألم يتساءل الدارسون: "هل ينتمي هذا الوطن إلى افريقيا أم إلى أوروبا، ألا يمكن أن نتساءل معهم: "هل ينتمي هذا الأثر الروائي إلى الأدب الغربي، فيؤكد ولادة جنس جديد بين منتهى القرن السادس عشر وبداية السابع عشر، أم هو مجرد مواصلة لتقاليد عربية يهودية سابقة؟!

نقدر أنّ الإحالة على رأي واحد من المتخصصين في سرفنتيس حول أصوله يمكن أن تمثل تعميقا لهذا المنحى وكشف لبعض غوامضه في نفس الوقت. يقول "ميشال مونير" Michel Moner

".. هذا المولود في مكان مجهول، من قبل والدين لا نعلم عنهما شيئا.. يعلن: "أنا أعرف من أنا"..

.. رغم ادعاءاته فإننا نعلم أنه "لم يعرف ميلادا نبيلا!. إنما ولد من خلال الكتابة!
ولعل ذلك يتجلى في تردده حول اختيار اسم ولقب لدون كيشوت، إن جعله جامعا بين الغباء qui-ote والحكمة qui-xano، إضافة إلى أن كلمة Quesada الاسبانية تحيل على "الجبن"، فضلا على أن "القشدة" بلهجة اهل الأندلس هي الزبدة، فهل من تضارب بين قوة البطل وبطشه المعلن.. وتردده وضعفه الخفي، حد السيولة والذوبان.. مثل الزبدة!؟

من خارج النص إلى داخل النص، من خلاله الكاتب إلى سلالات النصوص، في تخلقها الدؤوب بين أصل وصورة تحاكيه، بين أصل جديد للصورة، وصورة قديمة للأصل المستحث حضوره من غياهب الزمان.

ضمن هذا الإدراك نورد فهمنا لتعامل سرفنتيس مع رواية الفروسية، المتولدة عن القصة البيكاريسكية، ضمن لعبة الطروس المحية، والطروس المثبتة، أو ضمن المحاكاة والمعارضة والاستحضار.

هكذا يتحرك النص، يتدحرج من حضارة إلى أخرى، فتتعكر صورته الخارجية، ويغبش ألقها وتدعو بصورها الممكنة عسى أن تجمع بين الذاهب واللاحق.

إن انجازات النبيل الأريب دون كيخوت تبدو كلها قد قيست على مثل واحد، مثال يحاكي القديم إذ ينبده ويسخر منه، فالسخرية ههنا مجرد استئناس لطيف بالقديم، بل مجرد استئناس بالجديد الذي ينشأ على صورة القديم!

لقد كان في مكان سرفنتيس أن يمهر نص السيد حامد بن انجيلي بإمضائه، كما أنه يبدو في إمكان السيد حامد أن يمهر بإمضائه آخر نسج دون كيخوت!

إننا إزاء قصة تتناسل فيها النصوص الجديدة من القديمة، كما تتوالد القديمة من الجديدة، كرة ثلج ما تنفك تتضخم كلها تدحرجت.

هل نجاري هنا مارت روبار Marthe Robert إذا أكدت أنه لا توجد إلا طريقتان لكتابة الرواية: طريقة الولد غير الشرعي، الواقعي، الذي يقف جانب الحياة ويهاجمها في نفس الوقت، وطريقة اللقيط الذي.. يتهرب من المعركة.!"  العرب اونلاين

 
 









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي