إيكونوميست: 15 عاما على حصار غزة.. جيل محاصر بدون أمل بالعمل أو الخروج ولا حتى الزواج

2022-07-15

يرى البعض في غزة، أن على حماس وضع سلاحها، ولكن الكثيرين يرفضون هذا (أ ف ب)

نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا عن جيل الحصار في غزة، الذي قالت إنه لا يستطيع العثور على عمل أو يغادر القطاع ولا حتى الزواج.

وجاء في التقرير أن عمار المصري عندما بدأ الدراسة الجامعية، وعدهم أستاذهم بأنهم سيجدون عملا بعد نهاية الدراسة. وأنهى عمار دراسته في عام 2019 بدرجة في إدارة الأعمال. وبعد ثلاثة أعوام يقف تحت حر شمس تموز/ يوليو وسط الشارع التجاري إلى جانب عربة وضع عليها شواحن للهواتف وغير ذلك من الأدوات الإلكترونية التي يبيعها للمارة مدة 10 -12 ساعة في اليوم، ويعود حاملا معه إلى البيت 20 شاقلا (6 دولارات)، وقال ساخرا في استعادة لوعد أستاذه: “عثرت على وظيفة” مشيرا إلى عربته. وقال إنه لو نشأ في مكان آخر، لحاول البحث عن وظيفة في الخارج،  لكنه نشأ في غزة التي تخضع لحصار مصري وإسرائيلي منذ عام 2007. ولم يغادر عمار القطاع أبدا، والحصول على وظيفة جيدة في الخليج، مثل الحلم بالذهاب إلى المريخ: “المستقبل، نسيت الكلمة”.

وتمر 15 عاما هذا الصيف على الحصار الذي فرض بعدما فازت حركة حماس بالانتخابات التشريعية وسيطرت على القطاع. وخاضت منذ ذلك الوقت أربعة حروب مع إسرائيل، ولديها ترسانة مخفية من آلاف الصواريخ. وتقول مصر وإسرائيل إن الحصار ضروري لأمنهما. فلو تم رفع الحصار عن القطاع وفُتح على العالم، لحصلت حماس على مزيد من الأسلحة المتفوقة أكثر، لكنها لو سلمت السلاح، فسيتم رفع الحصار.

ويرى البعض في غزة، أن على حماس وضع سلاحها، ولكن الكثيرين يرفضون هذا. ومواقفهم غير مهمة، فثلثا سكان القطاع البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، تحت سن الخامسة والعشرين. وكانوا صغارا للمشاركة في انتخابات عام 2006، وحرمتهم الخلافات بين الفلسطينيين من فرصة المشاركة في التصويت.

وهم يعانون من تداعيات الحصار الذي يعاقب الجميع، ومثل بقية الشباب حول العالم، فعليهم التخطيط للمستقبل: المدارس والعمل والعائلة، لكنهم يعيشون في مكان يحرمهم من أي أمل. ويتخرج كل عام من الجامعات في القطاع ما بين 15.000- 18.000 طالب، ويدرسون على ضوء الشموع وسط انقطاع التيار الكهربائي المستمر، ويصل أحيانا إلى 11 ساعة في اليوم.

ويقول سمير أبو مدللة، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، إن الجامعة تطلب من الطلاب حضور المحاضرات ثلاث مرات في الأسبوع نظرا لعدم توفر المال للتنقل. ويتخرجون من الجامعات إلى سوق عمل تصل فيه نسبة البطالة 47% و70% وسط الشباب. ومن يجد منهم العمل، يحصل على أجر 33 شاقل في اليوم، وهو ثلث ما يحصل عليه العامل في الضفة الغربية. وربما حصل الطبيب الشاب على 1200 شاقل في الشهر.

وتتوقع طالبة طب الأسنان، ريم خالد الحصول في البداية على راتب 700 شاقل، أعلى بقليل من راتب العامل اليومي، هذا إن وجدت عملا، فنسبة 74% من المتخرجين لا يجدون عملا. ولم تكن الجامعة خيارا لإسحق خليل، فكطفل، كانت الحياة مريحة، وعمل والده في المزارع والبناء داخل إسرائيل، وهي وظائف كانت براتب جيد وأحسن من أي عمل في غزة، ولكنه خسر تصريح عمله بعد الحصار، واضطر خليل للعمل كمراهق من أجل مساعدة عائلته. وعمل فترة في مصنع للزجاج قبل أن يغلق، نظرا لعدم توفر المواد اللازمة من الخارج، كما هو حال معظم المصانع في القطاع. وباع الهواتف النقالة في محل حتى تعرض للقصف في حرب 2012، ثم أخذ بالبيع في الشوارع وتسلل إلى مصر عبر الأنفاق لشراء ما يريد. واستمر على هذا الحال حتى أغرقت مصر الأنفاق بالمياه. وهذه هي الحياة للكثير من الشباب في غزة، وظائف تتوقف بسبب السياسة والحرب.

ويبدو الزواج مستحيلا، فخالد يريد الزواج من خطيبته، لكن المال غير موجود لحفل الزفاف. ولم تنفصم الخطوبة، لكن الزواج لم يحدث وهما في حالة من المجهول. ودفع المصري البائع المتجول في الشارع لحفل زواجه 3.500 دولار كقرض، وهذا أجر عامين تقريبا. وهو قلق من أنه لا يستطيع الحصول على ما يكفي من المال لسداد القسط الشهري، لأن التأخر عن دفع الديْن يعني السجن.

وأظهرت دراسة مسحية أجريت قبل فترة، أن نسبة 37% من الغزيين يريدون الهجرة، مقارنة مع 20% في الضفة الغربية. لكن الوظائف في الخارج والتأشيرات قليلة. والطلاب الذين يحصلون على منح دراسية في الخارج، لا يستطيعون الوصول إلى الجامعات، فلا يسمح إلا لحوالي 500 شخص بالمرور من معبر رفح إلى مصر يوميا، وهذا يحتاج إلى رشوة كبيرة وانتظار طويل، ولهذا السبب لم يغادر معظم الشباب القطاع.

وتقول منظمة “سيف ذا تشلدرين” إن 77% من الأطفال تحت سن الـ17 في قطاع غزة يعانون من الكآبة، وحوالي النصف فكروا بالانتحار، وغرق بعضهم وهم يحاولون الهروب عبر قوارب متهالكة عبر البحر المتوسط. وحتى محاولة الهروب من الواقع بتناول المسكنات والمواد المخدرة ليست رخيصة، فحبة من الترامادول المهرب من مصر تكلف راتب عمل ثلاثة أيام.

وكان عمر صائب فرج، في العاشرة من عمره عندما فُرض الحصار على القطاع، في ذلك الوقت كان يريد التدرب على ألعاب الدفاع عن النفس، لكن عائلته لم يكن لديها ما يكفي من المال لدعم تدريبه، ثم بدأ بالعمل في البناء وهو في سن الـ16 عاما، ثم عمل على الشاطيء في بيع الذرة المشوية. وفي الأيام الجيدة يأخذ معه 30 شاقلا.

ويقارن كل واحد في غزة مصاعبه بالآخرين، وينظر فرج لرجل له عشرة أولاد يجمع العلب من الشاطئ. وعندما يأتي الشتاء، يفقد فرج عمله الموسمي، ولا يغادر بيته في الأيام الماطرة، وحتى النشاطات البسيطة مثل لقاء الأصدقاء على فنجان شاي تكلف مالا. ويقول: “حياتي مثل شاشة تلفاز بدون صورة”.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي