تحليل: السياسة الأمريكية تجاه الصين تندفع نحو كارثة

د ب أ- الأمة برس
2022-07-13

هناك خمس مؤشرات تقول إن الولايات المتحدة تتبنى نهجا عبثيا يضر بالمصالح الأمريكية أكثر مما يضر بالصعود الصيني (ا ف ب)

واشنطن: في الوقت الذي يتركز فيه الاهتمام العالمي على المواجهة السياسية والاقتصادية بين الولايات المتحدة وروسيا، والقلق من تحولها إلى مواجهة عسكرية على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا، تفرض العلاقات الأمريكية الصينية نفسها على العديد من مناطق العالم وبخاصة في آسيا والمحيط الهادئ.

ويرى السياسي والكاتب الباكستاني مشاهد حسين أن هناك خمس مؤشرات تقول إن الولايات المتحدة تتبنى نهجا عبثيا يضر بالمصالح الأمريكية أكثر مما يضر بالصعود الصيني.

وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنترست الأمريكية قال حسين رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الباكستاني، إنه بعد أقل من عام على انتهاء الحرب الأمريكية في أفغانستان، أطول الحروب وأشدها كارثية في التاريخ الأمريكية، تحركت واشنطن بسرعة لبلورة سياسة خارجية جديدة لمواجهة التحدي الصيني.

وهناك مؤشرات عديدة على نشوب حرب باردة جديدة، لكن المثير في الأمر أن الولايات المتحدة تستخدم نفس تكتيكات الحرب الباردة السابقة ضد الاتحاد السوفيتي من أجل احتواء التحدي الصيني. فالسياسة الأمريكية الحالية تستهدف تشويه صورة الحزب الشيوعي الحاكم في الصين كما فعلت قبل أكثر من أربعة عقود مع الحزب الشيوعي الحاكم في الاتحاد السوفيتي السابق.

 ويقول مشاهد حسين الذي درس في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون الأمريكية إن صناع السياسة في واشنطن فشلوا في إدراك أن الصين ليست الاتحاد السوفيتي وأن الشيء الوحيد المشترك بينهما هو اسم الحزب الحاكم، فالحزب الشيوعي الصيني الذي يضم حوالي 90 مليون عضو ويقود جهاز الدولة الضخم، ينضح بالحيوية والابتكار رغم السمات الماركسية التقليدية من الناحية الرسمية. كما أنه يتبنى اقتصاد السوق الحرة ويشجع العولمة وينطلق مع مقولة زعميه الراحل دينج سياو بنج "تحقيق الثراء أمر مجيد".

وبالفعل نجح الحزب الشيوعي الصيني في تحويل الصين إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر قوة تصنيعية، ونموذجا للعديد من الدول النامية والصاعدة. وأطلقت الصين خلال العقدين الأخيرين الكثير من المشروعات والمبادرات الدولية والإقليمية التي تحقق من خلالها وجودا قويا سواء على مستوى الحكومات أو حتى على مستوى الشعوب مثل مبادرة الحزام والطريق التنموية والبنك الآسيوي للبنية التحتية. 

وفي حين يبدو أن الولايات المتحدة تنبهت فجأة لحقيقة صعود القوة الصينية وقررت احتوائها، هناك خمسة مؤشرات تقول إن النهج الأمريكي لن يحقق أهدافه وسيضر بالمصالح الأمريكية أكثر مما يضر بالمصالح الصينية.

أول هذه المؤشرات التي رصدها مشاهد حسين، هو أن الصين نجحت خلال السنوات الأخيرة في استغلال قدراتها الاقتصادية لكسب معركة العقول والقلوب، مستغلة تراجع الاهتمام الأمريكي بقضايا العالم وتبني نهجا أكثر انعزالية خاصة خلال سنوات حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو ما جعل حجم التبادل التجاري بين 130 دولة والصين أكبر من حجم التبادل التجاري لهذه الدول مع الولايات المتحدة. واستيقظت الولايات المتحدة لتجد أن الصين قد مدت شبكة بنية تحتية للتجارة والاستثمار مع أغلب دول العالم بدءا من جزر سولومون حتى السعودية ومن إسرائيل حتى إندونيسيا.

وفي حين كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تطلق التصريحات والمبادرات الاقتصادية لمساعدة دول العالم، دون أن تتحول إلى واقع ملموس، كانت الصين تقرن الأقوال بالأفعال، إلى جانب تخليها عن النهج الأمريكي الذي يربط المساعدات والعلاقات الاقتصادية، بتبني الدول مواقف سياسية داعمة لواشنطن، وهو ما حقق نجاحا كبيرا للسياسة الصينية.

وعلى سبيل المثال وفي عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب أطلقت إدارته عام 2006 مبادرة "مناطق فرص إعادة البناء" على الحدود الباكستانية الأفغانية بهدف تحقيق تنمية اقتصادية واسعة في هذه المناطق لاستقطاب السكان بعيدا عن دعم الحركات المسلحة، لكن المبادرة فشلت بسبب رفض الكونجرس لها.

 المؤشر الثاني هو أنه حتى الآن مازالت جاذبية الولايات المتحدة وسيطرة "قوتها الناعمة" نقطة تميز تنفرد بها الولايات المتحدة التي تستطيع جذب أفضل العقول والمهارات من كل دول العالم لكي تدرس وتعمل فيها. فهذا هو مصدر تفوق الولايات المتحدة عالميا حتى الان وليس التحالفات العسكرية القائمة على "الصدمة والترويع" والتي خسرت كل المعارك التي خاضتها في آسيا.

لذلك فإن السعي لاحتواء الصين الآن دون أن تكون تهديدا رئيسيا للمصالح الأمريكية مباشرة، يعتبر محاولة متسرعة وفاشلة وإهدارا للموارد كما حدث في "الحرب على الإرهاب" التي أطلقتها واشنطن بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 الإرهابية وأهدرت فيها أكثر من 5ر6 تريليون دولار  على مدى عقدين من القتال دون الوصول إلى نتيجة حاسمة.

 المؤشر الثالث يتمثل في حقيقة أن العام الحالي حاسم لكل من الرئيسين الأمريكي جو بايدن والصيني شي جين بينج على الصعيد الداخلي. فالرئيس الصيني يستعد لترؤس أخطر مؤتمر سنوي للحزب الشيوعي الحاكم منذ مؤتمر 1978 الذي أطلق فيه الزعيم دينج سياو بنك التحول التاريخي من الماوية إلى اقتصاد السوق والذي أطلق عليه اسم "الاشتراكية بمواصفات صينية". في المقابل تخوض إدارة بايدن انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في ظل مؤشرات قوية على تفوق الحزب الجمهوري المعارض، خاصة مع تدهور حالة الاقتصاد وارتفاع معدل التضخم في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوياته منذ أكثر من أربعة عقود.

ويحتاج بايدن لعلاقات دافئة من شي تتيح فرصة لتعافي الاقتصاد الأمريكي، في حين يرى شي أن "الفوضى العظيمة تحت السماء" أو في العالم يمكن أن يزعزع استقرار الصين، ويعرقل محاولات إعادة الحياة إلى طبيعتها بعد جائحة فيروس كورونا المستجد.  لذلك يحتاج الزعيمان إلى نوع من الشراكة التعاونية لتحقيق الاستقرار السياسي في الداخل والنمو الاقتصادي وتقليل التوترات في عالم مضطرب. لكن أي مواجهة أو محاولة احتواء أو حرب باردة جديدة بين بكين وواشنطن ستهدد هذه الأهداف المشتركة.

 المؤشر الرابع رصدته دراسة أجراها جراهام أليسون في جامعة هارفارد الأمريكية تحت عنوان "التنافس التكنولوجي العظيم: الصين والولايات المتحدة" وقالت  إن الصين تفوقت بالفعل على الولايات المتحدة كأكبر مصنع للتكنولوجيا المتقدمة. على سبيل المثال أنتجت الصين خلال 2020 حوالي 5ر1 مليار هاتف محمول و250 جهاز كمبيوتر و25 مليون سيارة، وهو ما يعني أن إعادة المارد الصناعي والتكنولوجي الصيني إلى قمقمه كما يرغب صناع السياسة الأمريكية مهمة شاقة إن لم تكن مستحيلة.  ففي مجالات الابتكار الأساسية والعلوم والتكنولوجيا تقف الصين كتفا بكتف مع الولايات المتحدة إن لم تتفوق عليها بما في ذلك في مجالات الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات والحوسبة  السحابية والإنسان الألي.

 أخيرا، فإن نقاط تلاقي المصالح الصينية والأمريكية في العديد من القضايا العالمية الأساسية تفوق نقاط الاختلاف، بدءا من ملف كوريا الشمالية وإخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي وحتى  الحرب الروسية ضد أوكرانيا، مرورا بتحقيق السلام والاستقرار في أفغانستان والشرق الأوسط ومحاربة التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم داعش والقاعدة.

إذن، وفي ضوء السياق الحالي، على الولايات المتحدة الاستفادة من تجارب الماضي والحقائق الجيوسياسية المعاصرة لكي تبلور نهجا جديدا للتعامل مع الصين لا يقوم على الاحتواء أو المواجهة. كما يجب تحقيق فهما واسعا "لقواعد اللعبة" حتى تتمكن القوتان العظميان من  التنافس دون أن يؤدي ذلك إلى اصطدام المركب بالصخور أو الدخول في مواجهة لا داع لها، لآن هذه المواجهة ستكون كارثة لا يحتاجها العالم ولا يستطيع تحمل تكلفتها السياسية والاقتصادية ولا حتى العسكرية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي