هل تتجهز الصين لحرب اقتصادية محتملة؟

الأمة برس - متابعات
2022-06-27

هل تتجهز الصين لحرب اقتصادية محتملة؟ (أ ف ب)

تحاول بكين علاج نقاط الضعف الاقتصادية خوفًا من الاحتواء الأمريكي، وذلك حسب ما جاء في مقالٍ للكاتب دنجوان جوي ليو نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية.

يلفت الكاتب في مطلع مقاله إلى القناعة المترسِّخة لدى صانعي السياسة الصينيين بأن الولايات المتحدة مصمِّمة على تنفيذ إستراتيجية كاملة لاحتواء الصين، مشيرًا إلى أن بكين تَعُد مبادرة الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ للازدهار بمثابة المرآة الاقتصادية للحوار الأمني الرباعي واتفاقية أوكوس، وهما اتفاقيتان أمنيتان تقودهما الولايات المتحدة وتعُدُّهما بكين بمثابة تحالفات مناهضة للصين. ويتحدث المسؤولون والأكاديميون الصينيون كثيرًا عن الاعتماد على الذات ويستعدون للانفصال القسري عن الولايات المتحدة.

مسارات بديلة

ويتابع الكاتب: وفي حين أن جزءًا من الرد الصيني المحتمل على واشنطن سيتمثل في زيادة تعزيز الجيش الصيني، فإن دولة الحزب الواحد سيكون لديها أيضًا طرق اقتصادية لاستجابة ناجحة، والتي تتمثل في مضاعفة اتباع إستراتيجية الاعتماد على الذات الموجودة مسبقًا وحماية الاقتصاد الصيني من العقوبات مع تعزيز قدراتها الجيو-اقتصادية الهجومية من خلال تعزيز موقع الصين الإستراتيجي في سلاسل التوريد العالمية وتوسيع نفوذها في الممرات البحرية التجارية الدولية.

وأشار الكاتب إلى أن الحزب الشيوعي الصيني جعل «الاستقلالية والاعتماد على الذات» محور قراره التاريخي لعام 2021. وذكَّرت العقوبات القاسية التي فرضها الغرب مؤخرًا على روسيا القادةَ الصينيين بالحاجة إلى تعزيز الاستقلالية الاقتصادية. وفي 25 فبراير (شباط)، اليوم الذي أعقب الغزو الروسي لأوكرانيا، جادلت افتتاحية صحيفة الشعب اليومية بأن «الاستقلالية والاعتماد على الذات يضمنان استمرار قضية الحزب والشعب في الانتقال من نصر إلى نصر». وتعهدت الحكومة مؤخرًا بتحسين الاعتماد على الذات من خلال بناء «سوق وطنية موحَّدة».

وأشار الكاتب إلى أن هذه المخاوف ليست جديدة؛ فقد دعا صانعو السياسة الصينيون إلى إصلاح النظام المالي العالمي مباشرةً بعد الأزمة المالية الآسيوية في نهاية التسعينيات، في محاولة للتحوط من هيمنة الدولار الأمريكي.

إستراتيجية بكين المضادة

وأوضح الكاتب أن أحد المكونات الرئيسة لإستراتيجية الصين الدفاعية ضد الاحتواء الغربي المتصور يتمثل في بناء نظام تداول عالمي للسلع الأساسية يعتمد على اليوان، في محاولة لتحسين قوة تسعير اليوان، وتقليل ضعف الصين في تجارة الموارد العالمية، وتعزيز الوضع المالي العالمي للصين.

ويقبَل الآن مورِّدو النفط الصينيون الرئيسون، مثل روسيا، وأنجولا، وفنزويلا، وإيران، ونيجيريا، التعامل باليوان في تجارة النفط مع الصين. وأطلقت بورصة شنغهاي الدولية للطاقة عقود شنغهاي الآجلة للنفط الخام القائمة على اليوان في عام 2018، وفي أبريل (نيسان) 2021 بلغ إجمالي حجم التجارة للعقود الآجلة للنفط المقوَّمة باليوان 44 تريليون يوان (6.7 تريليون دولار أمريكي)، مع عملاء من 23 دولة ومنطقة. ويمكن لمصدِّري النفط تحويل عائداتهم النفطية باليوان إلى ذهب في بورصات الذهب في شنغهاي وهونج كونج.

وتشير قابلية التحويل البيني هذه إلى أن الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، لديها بنية تحتية محلية كاملة لتجارة النفط على نحو غير مباشر باستخدام الذهب. وهذا يمثل بداية بدائل التسعير لسلعة عالمية رئيسة.

ويمكن للصين الاستفادة من التحول الحالي للطاقة لرعاية «الغازيوان» (اعتماد اليوان عملة أساسية لتجارة الغاز)، لمحاكاة البترودولار. ومثلما تعتمد الدول المنتجة للنفط على عائدات الدولار التي لا يمكن إنفاقها بحرية في أماكن أخرى، يمكن أن تعتمد البلدان المُنتِجة للغاز مثل روسيا وإيران على اليوان.

وألمح الكاتب إلى أن روسيا وإيران والصين ينتجون مجتمعين غازًا طبيعيًّا مسالًا أكثر من الولايات المتحدة، ولديهم جميعًا بنية تحتية مالية فاعلة غير دولارية، لافتًا إلى أنه يمكن القول إن القوة الجيو-اقتصادية الجماعية للصين وروسيا وإيران أقوى بكثير من قوة منظمة أوبك.

وأضاف الكاتب أن ارتفاع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي بوصفه وقودًا انتقاليًّا في التحرك نحو صافي الانبعاثات الصفرية وفصل أسعار الغاز عن أسعار النفط يوفر أيضًا حالة كلية حميدة لظهور الغازيوان. ومع ذلك لن يكون من السهل على اليوان أن يحقق وضع العملة المهيمنة سريعًا، ومن ثم يشكل تهديدًا حقيقيًّا لهيمنة الدولار؛ وذلك لأن الافتقار إلى الأصول الجذابة المقوَّمة باليوان، ونقص السلع والخدمات العالية القيمة المرغوبة المصدَّرة من الصين يحول دون ظهور البترويوان – أو الغازيوان – في أي وقت قريب.

نظام مالي جديد

وتطرَّق الكاتب إلى عنصر آخر من النظام المالي الذي بدأته الصين، وهو نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود (سيبس) التابع لبنك الشعب الصيني، مدعومًا باليوان الرقمي. وقد أطلقت الصين هذا النظام في عام 2015، وأصبح بمثابة بنية تحتية مالية يمكن أن تسمح للكيانات الخاضعة للعقوبات بالدخول إلى الأسواق العالمية، على الرغم من أن التهرب من العقوبات لم يكن الدافع الأصلي لإدخالها.

ويجمع نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود بين خدمات الرسائل المالية وأدوار التسوية في منصة واحدة. وهو بديل الصين لمزيج «سويفت + تشيبس (نظام المقاصة بين المصارف)» الذي ينقل الدولار عبر مؤسسات مختلفة على مستوى العالم. ويمكن أن يؤدي إرسال الرسائل المالية باستخدام نظام سيبس واستكمال التسويات داخليًّا إلى القضاء على خطر كشف المعلومات الخاصة بالمعاملات للولايات المتحدة.

إجراءات إضافية

وتابع الكاتب قائلًا إن هذه الإجراءات دفاعية على نحو فعال، وتتطلع إلى عزل الصين عن عواقب إستراتيجية الاحتواء الأمريكية. ولكن في أسوأ سيناريو لحرب مالية قد يثيرها حدث متطرف، مثل صِدام عسكري حول تايوان، يمكن لبكين أن تنشر إجراءين انتقاميين هجوميين: تعطيل سلاسل التوريد العالمية وتقييد الوصول الأجنبي إلى الموانئ التجارية التي تسيطر عليها بكين.

ويمكن أن تأتي الاضطرابات المتعمدة في سلسلة التوريد في شكلين على الأقل: فرض الإطار التنظيمي المناهض للعقوبات لتقييد الوصول إلى السوق الصينية وفرض ضوابط على الصادرات على المواد الحيوية.

وأقرت الصين خمسة تشريعات رئيسة تهدف إلى منع تأثير العقوبات الأمريكية منذ عام 2018: القانون الدولي للمساعدة القضائية الجنائية، وأحكام قائمة الكيانات غير الموثوقة، والقواعد الخارجية، وقانون مكافحة العقوبات الأجنبية، وقانون مراقبة الصادرات، وهو أول قانون صيني يُنشئ نظامًا شاملًا ومتكاملًا لتنظيم مراقبة الصادرات، بالإضافة إلى الكتاب الأبيض لمجلس الدولة حول مراقبة الصادرات الصينية.

ومع التطبيق الفعلي لهذه القوانين، يمكن للحكومة الصينية إجبار الشركات الأجنبية على اختيار السوق الصينية أو السوق الغربية وردع التعاون مع الإجراءات الأجنبية التي يُنظر إليها على أنها تهدد الأعمال التجارية والمصالح الوطنية الصينية ومعاقبة ذلك.

وعلى وجه الخصوص، يُظهر قانون مراقبة الصادرات والكتاب الأبيض أن صانعي السياسة الصينيين لديهم رؤية واضحة لكيفية الاستفادة إستراتيجيًّا من هيمنة الصين في سلاسل التوريد العالمية للرد على القيود الأجنبية وحماية المصالح الوطنية للصين.

وقد يمنح إطار قانون الرقابة على الصادرات الحكومة الصينية فرصة جديدة لتقييد صادرات العناصر المعدنية النادرة بموجب استثناء للأمن القومي لقواعد منظمة التجارة العالمية ضد القيود المفروضة على التجارة الحرة.

ويمكن أن يوفر قانون الرقابة على الصادرات أساسًا قانونيًّا للصين لاستخدام مخاوف الأمن القومي لتقييد صادرات العناصر المعدنية النادرة الضرورية لتصنيع الإلكترونيات الاستهلاكية العالية التقنية والأسلحة الأمريكية المتطورة، بما في ذلك الطائرات المقاتلة إف-35، إلى الولايات المتحدة وحلفائها للرد على الاحتواء الغربي. وقدمت الصين 80% من واردات الولايات المتحدة من العناصر النادرة بين عامي 2014 و2017.

بكين تحاول علاج نقط الضعف الاقتصادية (التواصل الاجتماعي)

مصدر آخر للنفوذ

ولفت الكاتب إلى أن بروز الصين باعتبارها قوة بحرية تجارية رائدة يوفر مصدرًا آخرَ لنفوذ بكين في أوقات الحرب الاقتصادية، وذلك لأن عمليات الاستحواذ الصينية على الموانئ تمنح الصين سيطرة أكبر على تدفقات الشحن العالمية التي يمكن أن تقيد قدرة الدول الأجنبية على تأمين سلاسل التوريد. وبحلول عام 2019 استثمرت الصين في 101 مشروع ميناء على مستوى العالم.

وتمتلك بكين ثلاث شركات تشغيل موانئ صينية، هي كوسكو شيبنج بورتس، وتشينا ميرشانت بورت، وتشينجداو بورت إنترناشيونال ديفلوبمنت، بالفعل حصصًا في 16 ميناءً أوروبيًّا، اعتبارًا من 2018.

ويخلص الكاتب في ختام مقاله إلى أن كل هذه الإستراتيجيات تأتي مع مخاطرها الخاصة. وفي حين يتعين على إدارة بايدن أن تسعى إلى تحدي الصين والتعايش معها من خلال إستراتيجية «الاستثمار والمواءمة والمنافسة»، يجب عليها أيضًا مقاومة إغراء إما المبالغة في تقدير قدرة الصين وشيطنة بكين، أو إنكار قدرة الصين بسذاجة على تحدي القيادة العالمية الأمريكية وهيمنة الدولار.

ويمكن لواشنطن تهميش محاولة الصين تحييد القوة الجيواقتصادية الأمريكية من خلال تعزيز جاذبية القيادة الأمريكية وجاذبية النظام العالمي الحالي. وقد حان الوقت للولايات المتحدة لتُنصت وتتعاطف مع البلدان التي تتوق إلى دعم التنمية، أو تطالب بالتمثيل في النظام العالمي الحالي قبل أن تسمع تلك البلدان نداءات الصين عوضًا عن واشنطن.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي