اليمين الأوروبي وإسرائيل.. قصة "عشق ممنوع" يستهدف العرب والمسلمين

الجزيرة
2022-06-20

تتخذ تل أبيب من مصالحها هدفا أسمى لكل تحرُّكاتها، حتى وإن كان ذلك يعني بيع برنامج تجسس مثل بيغاسوس لبعض الدول للتجسس على دول حليفة لها (د ب أ)

المهدي الزايداوي: "ليس ثمَّة أصدقاء دائمون وأعداء دائمون، بل ثمَّة مصالح دائمة فحسب"، ربما تُعَدُّ هذه الكلمات لرئيس الوزراء البريطاني السابق "وينستون تشرشِل" من أصدق ما قيل في وصف العلاقات السياسية بين الدول، تتغير العلاقات بتغيُّر المصالح، يحضر الود بحضور المنافع، ثم يطرده التوتر مع وقوع التعارض في المصالح، والساحة الدولية زاخرة بمئات الأمثلة على ذلك. في ظل ذلك، يبقى هناك عدد قليل من الدول التي تحاول -على الأقل في الظاهر- أن تحافظ على حدٍّ أدنى من شخصيتها وقيمها، وفي المقابل، فإن هناك دولا أخرى تتخذ من البراغماتية سياستها الوحيدة ومبدأها الأهم، إذ تطغى المصالح على أي معطيات أخرى، وعلى رأس هذه الدول الثانية تأتي دولة الاحتلال الإسرائيلي.

تتخذ تل أبيب من مصالحها هدفا أسمى لكل تحرُّكاتها، حتى وإن كان ذلك يعني بيع برنامج تجسس مثل بيغاسوس لبعض الدول للتجسس على دول حليفة لها، وإعادة بيعه لدول أخرى للتجسس على تلك الدول الزبونة نفسها، وها هي الأخبار ترد عن استهداف البرنامج الإسرائيلي الصنع لموظفين في وزارة الخارجية الأميركية نفسها. (1)تظهر هذه البراغماتية في كل تحرُّكات إسرائيل تقريبا، ولا أدل على ذلك من قبولها وضع يدها في يد عدد من الحركات اليمينية الأوروبية، فقط من أجل ضمان حضور لها في أوروبا، حتى وإن كان ذلك يعني التحالف مع تيارات تعتنق الفكرة النازية التي كانت تتخذ من اليهود، حتى الأمس القريب، عدوا أولا لها، فقط لأن ذلك العدو بات يمتلك هو الآخر عدوا مشتركا مع تل أبيب، هذا العدو المشترك هم المسلمون سواء كانوا في فلسطين أو في أوروبا أو في بقاع أخرى من العالم.

نازية صديقة

في ألمانيا، بلد الرايخ الثالث، والمشروع النازي العريق بقيادة أدولف هتلر الذي كان يَعتبر اليهود عدوه الأول، لم يجد حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني خيرا من يائير نتنياهو، ابن رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو، ليضع صورته على أحد المنشورات الدعائية الخاصة بالحزب. والأهم من الصورة تلك الكلمات التي كُتبت بجانبها، التي صدرت في وقت سابق عن ابن نتنياهو إذ يقول: "منطقة شينغن أصبحت في عداد الموتى، قريبا ستموت منظمتكم هي الأخرى (أي الاتحاد الأوروبي) وستعود أوروبا حرة، ديمقراطية ومسيحية". (2)

هذا الحماس الذي يُبديه نجل نتنياهو لمشروع مسيحي في أوروبا لا يفوقه في الغرابة سوى تحمُّس اليمين المتطرف، الذي يضم حتى كتابة هذه السطور عددا من قيادات "النازية الجديدة"، للاقتراب من إسرائيل واعتبارها داعما رئيسيا لمشروع اليمين الشعبوي المتطرف في أوروبا، الذي يريد هدم الاتحاد الأوروبي وإعادة تشكيل ملامح القارة من جديد على أساس معاداة الشعوب العربية والإسلامية والأقليات المهاجرة التي حطَّت رحالها منذ عقود بالقارة العجوز.

لم يتردد اليمين المتطرف الأوروبي كثيرا في وضع يده في وضع الصهيونية حتى يتمكَّن من تحسين صورته وتقديم نفسه بشكل مختلف، مُعوِّلا على هذا المظهر الجديد في حصد عدد أكبر من الأصوات مع الاحتفاظ بحد أدنى من كراهية اليهود التي تُعتبر أحد خطوطه الأيديولوجية التقليدية. لكن التحالف بين الصهيونية والحركات التي تُعَدُّ نظريا ‘"مُعادية للسامية" ليس وليد اليوم، بل يعود للقرن 19 حينما بدأت الحركة القومية اليهودية تتحرَّك من أجل إيجاد وطن قومي لليهود، فلم يكن من الكارهين لهم إلا العمل بجد من أجل مساعدتهم على تحقيق مسعاهم حتى تتمكَّن أوروبا من إخراجهم خارج حدودها، ولعل هذا السبب يُعتبر من أهم الأسباب التي جعلت الحكومة البريطانية تتحمس لمشروع إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين التي كانت تعيش تحت الاحتلال البريطاني. (3)

هذا التعاون بين التيارات الشعبية والقومية اليمينية الأوروبية وبين إسرائيل بوصفها دولة تُجسِّد المشروع الصهيوني سيعود للظهور بقوة خلال السنوات الأخيرة، حينما بدأت التيارات اليمينية المتطرفة كسب الأرض في الداخل الأوروبي، لترى إسرائيل في ذلك فرصة كبيرة لتكوين تحالفات مع عدو قديم، لكنه عدو تجمعه مع دولة الاحتلال مصالح مختلفة ومتنوعة. بدأت الصفحة الجديدة من ذلك التحالف "الغريب" في الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2010، حين استقبلت تل أبيب وفدا أوروبيا رفيعا يضم قيادات سياسية يتزعمها الهولندي غيرت (خيرت) فيلدرز، والبلجيكي فيليب دُوِنْتر، والنمساوي هاينز كريستيان ستراخي.

تشتهر هذه الشخصيات جميعا بميولها الفاشية التي تطمح إلى إعادة أمجاد "الرايخ الثالث"، وقد قدمت إلى الأراضي المحتلة من أجل المشاركة في ندوة من تنظيم حزب الليكود خُصِّصت لبحث سبل مكافحة الإرهاب، فيما استغلت الحكومة الإسرائيلية هذه الزيارة من أجل توطيد علاقاتها مع هؤلاء الضيوف، إذ استقبل أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، السياسي اليميني الهولندي فيلدرز المعروف بعدائه الكبير للإسلام، الذي لم يدخر جهدا في شكر إسرائيل على استضافته، ولم يكتفِ بذلك، بل إنه ألقى خطابا دعا فيه إلى طرد الفلسطينيين إلى الأردن وعدم التفريط في المستوطنات الإسرائيلية التي اعتبرها حصن الحرية الذي يرمز للعيش في سلام وكرامة ومواجهة الأيديولوجية الناكرة لإسرائيل. (4)

بسرعة شديدة، تطورت العلاقة بين إسرائيل تحت حكم نتنياهو وهذه الحركات والأحزاب اليمينية المتطرفة ذات التوجهات الفاشية، فانقلبت إلى علاقة عشق لا يعكر صفوها سوى الصعوبة الكبيرة التي يجدها الأصدقاء الجدد في كبح جماح عداوتهم لليهود. من جهته، حرص نتنياهو على غض الطرف عن هذه "التجاوزات اليمينية" حتى لا تتعثر مصالحه التي كان يرى أنها أهم من تفاصيل عداء النازيين الجدد لليهود. ففي يوم 18 يوليو/تموز 2017، زار نتنياهو رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الرجل الذي طالما أشاد علنا بميكوس هورثي الوصي على العرش في المجر الذي سلَّم 430 ألف يهودي الى الجنرال النازي أدولف أيخمان الذي اختطفه الموساد من الأرجنتين ونقله الى الأراضي الفلسطينية المحتلة لإعدامه، لكنَّ الإسرائيليين قرَّروا التغاضي عن مواقف أوربان تلك على ما يبدو، خاصة بعد أن زار الأراضي المحتلة في يوليوز/تموز 2018، وأكَّد أنه لن يتسامح مجددا مع معاداة السامية. (5)

بجانب المجر، بذل نتنياهو وحكومته مجهودات كبيرة للتقارب مع قادة اليمين في بولندا ثم ليتوانيا التي تقول بعض المصادر إنه تم تصفية ما بين 95-97% من الطائفة اليهودية فيها، قُتل غالبيتهم من طرف متعاونين مع النازيين حتى قبل وصول القوات الألمانية لاعتقالهم، وهي حقائق من المستبعد أنها غابت عن ذهن رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق كون أسرته قدمت إلى فلسطين مهاجرة من ليتوانيا. أما في ألمانيا نفسها، نسجت إسرائيل علاقات قوية مع حركة "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الذي رغم تأكيد رئيسته على مساندة إسرائيل في معركتها التي تخوضها ضد "الإسلاميين"، فإن أعضاء من داخل الحركة يكادون في كل مرة يهدمون علاقة الود مع تل أبيب، إذ خرج ألكساندر غولاند أحد الناطِقَيْن باسم الحركة من أجل دعوة الألمان للاعتزاز بقتال جنودهم خلال الحرب العالمية الثانية، داعيا بلاده إلى إعادة النظر في تاريخها ومسؤوليتها عن المحرقة وعلاقاتها مع إسرائيل. هذه التصريحات على عدوانيتها الواضحة لم تمنع رافي إيتان، رئيس الموساد الأسبق، من الإشادة بحركة "البديل من أجل ألمانيا" داعيا إياها للعمل بجد لصالح ألمانيا وأوروبا. (6) (7)

بنيامين نتنياهو (أ ف ب)

في السياق ذاته، وفي يونيو/حزيران 2018، دعت إسرائيل المستشار النمساوي سيباستيان كورتس لزيارة الأراضي المحتلة، رغم رئاسته لتحالف يضم نازيين جددا، هذا الأخير خلال زيارته للنصب التذكاري الإسرائيلي لضحايا المحرقة أكَّد أنه يعترف بأن بلاده تتحمَّل حملا ثقيلا، وأن الشعب النمساوي يعلم أنه مسؤول عن تاريخه، لكن هذا التصريح استفز سيدة يهودية من أصل نمساوي كانت حاضرة، إذ علقت على كلامه بالقول إن بعض أعضاء حزبه لا يزالون في حاجة إلى مَن يشرح لهم ما المحرقة، وهو رد تسبَّب في أزمة صغيرة احتواها الإسرائيليون بالاعتذار من كورتس الذي اعتبره نتنياهو صديقا حقيقيا لإسرائيل والشعب اليهودي. (8)

ولكن رغم هذه المحاولات الجادة للتقرُّب من التيارات الفاشية في أوروبا، فإن إسرائيل تتحفَّظ على إقامة علاقات مع رأس الفاشية الأوروبية في الوقت الحالي المُتمثِّل في التيار اليميني المتطرف الفرنسي بقيادة حزب التجمع الوطني الذي ترأسه مارين لوبين، ويبدو أن سبب الخلاف يعود إلى تمسُّك جون ماري لوبن، مؤسس الحزب، بتصريحات قال فيها إن غرف الغاز لم تكن سوى تفصيلة في الحرب العالمية الثانية، ورغم إبعاده من طرف ابنته ومحاولة الأخيرة مد جسور التواصل مع تل أبيب عبر إرسال نيكولا باي، وهو أحد قيادات الحزب، إلى الأراضي المحتلة، فإن الحكومة الإسرائيلية لفظت هذه المبادرات كاملة بسبب "أيديولوجية وتاريخ الحزب". (9)

إسرائيل.. النموذج المتطرف المُلهِم

حسنا، يمكن القول إن هناك صفقة غير مُعلَنة قامت عليها العلاقة بين إسرائيل والتيارات الشعبية في أوروبا: يمكن للفاشيين والنازيين الإشادة بقتل اليهود متى أرادوا وكيفما أرادوا، لكن شريطة الدفاع عن مصالح إسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي، وهو ما يتوافق مع تصريح سابق لنتنياهو قال فيه إنه يهدف إلى الوصول إلى توازنات في العلاقة التي تربط بلاده بالاتحاد الأوروبي في ظل العزلة التي تعاني منها بسبب عدم تبني أوروبا لجميع توجُّهاتها في عدد من القضايا. (10)

تنتظر إسرائيل إذن من حلفائها الجدد دعمها في الاتحاد الأوروبي، ومن جهتها ترى الحركات اليمينية في إسرائيل نموذجا مُدهشا للدولة التي تحلم بها، فهي دولة عِرقية قومية تتحكَّم بحزم في حدودها وتُحصِّن نفسها بنجاح في منطقة مُعادية لها، بالإضافة إلى ذلك، يُبدي الفاشيون نوعا من التعاطف مع تل أبيب كون دولة الاحتلال تتقاسم مع أوروبا التراث المسيحي اليهودي، ذلك التراث الذي يَعتبر اليمين رأس الحربة في الحرب الثقافية والدينية مع المشرق الإسلامي، لذلك يُعَدُّ الحفاظ عليه أحد أهم الأسلحة في هذه المعركة.

تمتلك إسرائيل كل شيء يمكنه أن يُعجِب الفاشيين القوميين، دولة تضم شعبا يدين بديانة واحدة يواجه بعنف ملحوظ أي تمرد فلسطيني شعبي أو سياسي أو عسكري، صحيح أن إسرائيل تتعامل بشكل سيئ مع المسيحيين المنحدرين من المناطق التي تحتلها، وتضع اليهود الإثيوبيين مثلا في مراتب دُنيا في مجتمعها الذي تنخره العنصرية بين الأشكيناز والسفارديم، لكن هذا لا يهم بالنسبة لمؤيدي إسرائيل بقدر الصورة الخارجية للدولة التي تضم شعبا واحدا يتشارك "العِرق والدين".

بالإضافة إلى ما سبق، تمتلك إسرائيل سجلا حافلا في معاداة الإسلام، وهو ما يستهوي اليمينيين المتطرفين، خيرت فيلدرز مثلا، وهو النائب عن حزب "من أجل الحرية" الهولندي المعروف بعدائه الشديد للإسلام، وصف إسرائيل بـ "الكناري الذي يوجد وسط حقل من الفحم" و"خط الدفاع الأول للغرب ضد الإسلام"، وهو ما يُفسِّره عالِم الاجتماع الأميركي روجرز بروبيكر بالقول إن اليهود يُعتبرون الضحية المثالية للتهديد الإسلامي، حيث يصبح دعم إسرائيل جزءا لا يتجزأ من محاربة حضور الإسلام على الساحة الدولية. (11)

نتيجة لذلك كله، استدعى الفاشيون الأوروبيون بعد أزمات اللاجئين خطابا إسرائيليا بامتياز، يدعو إلى مواجهة الخطر الإسلامي وحماية المسيحيين واليهود في أوروبا من ذلك الخطر على حدٍّ سواء، حتى إن مارين لوبين، زعيمة التجمع الوطني الفرنسي المعروف بتبني عدد من قياداته وأعضائه للأطروحة النازية، كانت قد دعت سنة 2014 الجالية اليهودية في فرنسا للتصويت لحزبها لأنه الوحيد القادر على مواجهة ذلك العدو المشترك للمسيحيين واليهود على حدٍّ سواء. أما النائبة الألمانية عن حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف بياتريكس فون شتورش فقد ذهبت إلى أبعد من ذلك، حينما اعتبرت أن "معاداة السامية" تزداد في ألمانيا بسبب المهاجرين الذين يقدمون إلى أوروبا وهم يحملون توجُّها يُعادي اليهود، رغم أن المركز العالمي للأبحاث حول التطرف نفى هذه العلاقة وأكَّد أنه لم يُسجِّل أي مؤشر لانتشار معاداة السامية وسط الأقليات المسلمة. (12)

محاولة الرقص على جميع الحبال

   رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت (يمين) ووزير الخارجية يائير لابيد. (أ ف ب)

بالإضافة إلى ذلك كله، هناك سبب آخر يدفع اليمين الأوروبي للتحالف مع الصهيونية، وهو الرغبة في الاستفادة من الترسانة العسكرية والتكنولوجية لدولة الاحتلال المُجرَّبة فاعليتها على الأرض. يحلم اليمينيون بمشاهدة جثث اللاجئين تتكدَّس بعد رميها بالرصاص، هذه "اليوتيوبيا الفاشية" تتحقق فعليا في إسرائيل التي تتعامل بسياسة "الرصاص المفتوح" تجاه الفلسطينيين منذ سنة 1948 حتى الآن، وهو ما دفع شخصا مثل مارسيل يارون غولهامر، وهو ألماني اعتنق الديانة اليهودية، إلى وصف خدمته في جيش الاحتلال الإسرائيلي بأجمل تجارب حياته، بعد أن وضع سلاحه وعاد إلى بلاده للنضال في صفوف حزب "البديل من أجل ألمانيا"، مُناديا بطرد المسلمين من البلاد حتى لا تصبح ألمانيا مُحاطة بأعدائها كما يحدث في إسرائيل، على حد وصفه. (13) 

 

بيد أن هذه الهرولة التي قادها نتنياهو تجاه اليمين الأوروبي خلقت نوعا من الضيق لدى التيارات الكلاسيكية الأوروبية التي لم تبخل يوما بالدعم على إسرائيل، لذلك تحاول الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة نفتالي بينيت إعادة إحياء هذه العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وقواه التقليدية، التي طالما اعتبرها نتنياهو مُعرقلة لتل أبيب.

ففي يوليو/تموز الماضي، زار "يائير لابيد"، وزير الخارجية الإسرائيلي، بروكسل بدعوة من طرف جوزيف بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي، حيث حضر اجتماعا لمجلس الشؤون الخارجية الأوروبي. هذه الزيارة التي تُعتبر الأولى من نوعها منذ سنة 2008 تأتي بوصفها محاولة جدية من طرف الحكومة الإسرائيلية والاتحاد الأوروبي لرأب الصدع الذي حدث في العلاقات بينهما.

خلال الزيارة، حرص وزير الخارجية الإسرائيلي على التأكيد أن وجود اتحاد أوروبي قوي يصب في مصلحة إسرائيل، وتعهَّد بأن تل أبيب ستسعى إلى تمتين العلاقات مع القيادات الأوروبية التي تؤمن بالاتحاد الأوروبي، كما أنه أظهر صرامة أكبر في التصدي للتوجُّهات المعادية لليهود من قِبَل تيارات اليمين المتطرف، كما ظهر في المشادة الكلامية بينه وبين رئيس وزراء بولندا ماتيوز موراوسكي بخصوص قانون يمنع اليهود من استعادة الممتلكات التي كانت لأجدادهم قبل المحرقة، إذ حذَّر وزير الخارجية الإسرائيلي بولندا من هذه الخطوة التي ستؤثر كثيرا وسلبيا على العلاقات بين البلدين. (15)

ورغم ذلك، لا يوجد ما يُشير إلى أن حكومة بينيت على استعداد للتضحية بالعلاقات التي صنعها نتنياهو مع القوى اليمينية الصاعدة في أوروبا، وجُلّ ما ستفعله أنها ستتبنَّى نهجا أكثر توازنا، وفي المقابل، لا يبدو الاتحاد الأوروبي والدول الغربية على استعداد لتوقيع شيكات على بياض لصالح تل أبيب، وهو ما ظهر في واقعة رفض عدد من الدول الشريكة لإسرائيل اعتماد قرارها بتصنيف 6 منظمات مجتمع مدني فلسطينية على أنها منظمات إرهابية، رغم مساعي تل أبيب الحثيثة لمنع الاتحاد الأوروبي من تمويل هذه المنظمات. ففي هولندا، التي تُعتبر حليفا تقليديا لإسرائيل، أكَّدت السلطات أن الوثيقة الإسرائيلية التي تتهم هذه المنظمات بالإرهاب لم تُقدِّم أي دليل ملموس، وبالمثل أكَّدت إيطاليا وبريطانيا والدنمارك أنها لن توقف دعمها المادي لهذه المنظمات المتهمة، فيما شدَّدت فرنسا على أهمية جمعيات المجتمع المدني في المشهد الديمقراطي للدول، مؤكِّدة أن دور الدول يجب أن يكون العمل على خلق ودعم هذه المنظمات ومساعدتها على العمل. (16)

هذا الموقف الأوروبي الذي لا تأتي رياحه بما تشتهي سفن تل أبيب، يؤكد صعوبة المهمة التي تنتظر الحكومة الإسرائيلية الحالية، إذ تبدو في حيرة من أمرها بين محاولة التقارب مع بروكسل وبين تمتين العلاقات مع الفاشيين الذين، رغم عدائهم الواضح لليهود، يظلون قادرين على تنفيذ المطلوب منهم، خصوصا عندما يتعلق الأمر باستهداف الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا أو الدفاع عن حق إسرائيل في التنكيل بالفلسطينيين، خصوصا أن أسهمهم في القارة العجوز لا تزال آخذة في الصعود.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي