العراق على مفترق طريق حاسم وخطير : استقالات «الكتلة الصدرية» ترفع رصيد الخصوم… ومخاوف من تصعيد شعبي

القدس العربي - الأمة برس
2022-06-14

مقتدى الصدر رجل العراق القوي الذي لايمكن تجاوزه أو تجاهله (ا ف ب)بغداد ـ مشرق ريسان - فتحت موافقة رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، على طلبات استقالة نواب «الكتلة الصدرية» بزعامة مقتدى الصدر، الباب أمام التكهنات بمصير العملية السياسية في العراق، ففيما زادت الخطوة، «التعقيد» الذي يعترض طريق مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، رفعت استقالة النواب الصدريين رصيد «الإطار التنسيقي» الشيعي وحلفائه في البرلمان، وسط مخاوف من لجوء الصدر إلى تحشد الشارع ضد الحكومة الجديدة.
رئيس المجلس الاستشاري العراقي (غير الحكومي) فرهاد علاء الدين، رأى أن الصدر، يخطط للمرحلة المقبلة، مشيراً إلى أن العملية السياسية، ما قبل استقالة أعضاء التيار، تختلف عن ما بعدها.

«عهد سياسي جديد»

وقال، في سلسلة «تدوينات» أمس، إنه «لأول مرة منذ انتخابات 2006 يخلو البرلمان من نواب التيار الصدري. انسحب التيار من حكومات 2010 و2014 و2018 ولكن لم ينسحبوا من مجلس النواب قط».
وأضاف: «نحن أمام عهد سياسي جديد، والصدر، يخطط للقادم، وكيفية تعامل القوى السياسية مع الواقع الجديد، ستحدد معالم المشهد المقبل».
واعتبر أن «استقالة نواب الكتلة الصدرية وقبولها من قبل مجلس النواب، تغير جذري في المشهد السياسي، وتبعاتها خطيرة على التيار الصدري أولاً، وعلى العملية السياسية ثانيا، وعلى العراق ثالثا. زلزال قد يؤدي إلى انهيار النظام، ما لم يحسن أصحاب الشأن اختيار الخطوات المقبلة، بحكمة متناهية».
وأشار إلى أن «المشهد السياسي بعد استقالة نواب الكتلة الصدرية، سيكون عبر تحول التيار الصدري من أكبر كتلة برلمانية ماسكة للمشهد السياسي، إلى حراك شعبي معارض، مع عدم وجود أي تمثيل برلماني وتتحول الواقع السياسي الراكد منذ انتخابات تشرين /أكتوبر 2021 إلى واقع متحرك غير مألوف».
وأكد أن «تحالف إنقاذ وطن انتهى، ويصبح كل من تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني أمام قرار صعب، ربما التوافق مع الإطار والقبول بواقع سياسي جديد، وفي نهاية المطاف، خياراتهم محدودة، وقد ينتهي المطاف بالتفاوض مع الإطار لايجاد حلول مشتركة تحفظ لهم المناصب والحقوق».
ورجّح أن «يبدأ الحراك الشعبي الصدري المعارض تزامنا مع الحراك السياسي للإطار، ومطالبهم هي تغيير النظام، وليس من الواضح كيف؟ وما هي صورة النظام الجديد؟ هل هي حل البرلمان؟ ووفق أي قانون للانتخابات وأي مفوضية ؟ من هي الجهة التي تقرر؟ التيار أصبح خارج البرلمان ولن تكون أصواته ممثلة في الداخل».
ومضى يقول: «قد تفلح مساعي الإطار في تشكيل حكومة جديدة وتستمر الحراك الشعبي الصدري على الساحة السياسية مع استمرار الصدام في الشوارع لن يكون» مستبعدا «تكرار ما حصل في تشرين الأول/ إكتوبر 2019 وحالات العنف التي صاحبت التظاهرات ودخول الجهات الخارجية لركوب الموجة والقادم أسوأ».
وختم: «ما لا يقبل الشك، أن العملية السياسية قبل الاستقالة، هي غير العملية السياسية بعد الاستقالة، والمشاهد الذي ذكرناها قد تحدث على انفراد أو بتزامن».
أما، الباحث والخبير في الشأن العراقي، حارث الحسن، فقد رأى أن، خطوة التيار الصدري باستقالة أعضائه من البرلمان، مرتبطة بحسابات معينة تتعلق بجملة عوامل تحكم المشهد داخل التيار.
وقال في تدوينة له، إن «هناك عدة عوامل يجب أخذها بالاعتبار منها أن التأثير السياسي للصدر لا ينحسر في قاعة البرلمان، بل يعتمد على عناصر أخرى أبرزها القدرة على استخدام الشارع وامتلاك ذراع عسكري قوي تمثله (سرايا السلام) فضلاً عن شبكة التأثير الدينية، وبالتالي فإن تخليه، التكتيكي، عن التأثير المتأتي عبر الكتلة البرلمانية، لا يعني التخلي عن مصادر التأثير الأخرى».

توقيت سياسي

ومن زاوية ثانية، أشار إلى إن «اتخاذ هذه الخطوة (استقالة نواب الصدر) بعد أيّام من تمرير قانون (الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية) يوحي بوجود توقيت سياسي، حكم خطوة الصدر، وبالتالي، فإنها ترتبط بحساب معين للربح والخسارة، وقد يكون حساب الصدر، هو أن هذا القانون سيسمح باستمرار الوضع القائم لفترة طويلة ويخلصه من ضغوط الإسراع بتشكيل الحكومة، كما أنه وعبر المنافع المالية التي منحها لبعض القطاعات (كالمحاضرين والملامات الصحية والخريجين) قد أسهم في توسيع قاعدة الدعم الشعبية للتيار، دون أن يتحمل مسؤولية ما سيشوب تنفيذ القانون من فساد واختلالات. ويعني ذلك، أن الصدر سيكون في وضع أكثر ارتياحاً في حالتي استمرار الانسداد أو اللجوء إلى حل البرلمان».

زادت «التعقيد» الذي يعترض طريق مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة

وأوضح أن «التيار الصدري بقاعدته الجماهيرية المتماسكة نسبياً وقدرته أحياناً على تنفيس الاحتقانات داخل المنظومة السياسية سمح لتلك المنظومة بالاستمرار طوال هذه السنوات، وبالتالي صار وجوده في البرلمان عامل ديمومة لها، لأنه يوسع من قاعدة شرعيتها ويمنحها عناصر قوة قد تفتقر إليها في حالة غياب الصدر. ولذلك، يراهن الصدر على تغيير سلوك منافسيه عبر هذا الانسحاب من البرلمان، الذي قد يُقرأ أيضا كانسحاب من العملية السياسية واصطفاف محتمل مع أي حراك جماهيري ضد الطبقة السياسية».

الموقف القانوني

في الموازاة، فصّل الخبير القانوني، جمال الأسدي، الموقف القانوني بعد تقديم نواب الكتلة الصدرية استقالة جماعية من مجلس النواب.
وذكر في بيان، أن، «بالقرار الجريء والشجاع، لحل الانسداد السياسي القائم والذي أصدره (الصدر) بدعوة نواب الكتلة على التوقيع على استقالتهم، ومن ثم تبعها بتقديم استقالاتهم إلى مجلس النواب، أثير في هذا الموضوع عدة تكهنات منها أن قبول الاستقالة يجب أن يقترن بموافقة أعضاء مجلس النواب، وهناك من يقول إن الاستقالة لا تقدم إلا بعد مرور سنة».
وزاد: «لتوضيح هذا الموضوع، نود أن نبين إن مجلس النواب الآن في العطلة التشريعية الثانية لعام 2022 وبذلك يكون رئيس المجلس، هو الممثل عن المجلس».
ونصت المادة 12 / ثانياً من قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم 13 لسنة 2018 على أن تنتهي النيابة في المجلس في (حالة الاستقالة) وهذا النص، حسب الأسدي، «بدون شروط وقيود، وبمجرد موافقة رئيس مجلس النواب، تعد الاستقالة نافذة، وحتى في حالة عدم الموافقة فإنها قانونياً تعد نافذة، لكن الشكلية تكتمل بموافقة رئيس المجلس وصدور الأمر الديواني».
واقترنت موافقة المجلس على إقالة النائب، في حالتين وردت في نص المادة 12 / سابعاً وثامناً (موافقة المجلس بأغلبية ثلثي النواب على الاعتراض المقدم على صحة النيابة) أو (موافقة المجلس على اقالة النائب لتجاوز غياباته بدون عذر مشروع لأكثر من ثلث جلسات المجلس من مجموع جلسات الفصل التشريعي الواحد) أو (الإخلال الجسيم بقواعد السلوك النيابي للمجلس ويعدُّ تحقير المجلس أو الاعتداء على الرئيس أو أحد نائبيه أو أحد النواب اخلالاً جسيما لأغراض تنفيذ هذا البند).
ووفقاً للأسدي، فإن «هذين النصان لا يشملان ما حدث من استقالات أعضاء الكتلة الصدرية الجريء» مؤكداً أن البدلاء عن النواب المستقيلين هم «أعلى الخاسرين في دائرتهم الانتخابية، وفقاً لقرار المحكمة الاتحادية المرقم (144/ اتحادية / 2021) في (14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021».

الخريطة السياسية الجديدة

وطبقاً لحسابات الخبير القانوني العراقي، فإن الخريطة السياسية بعد استقالة نواب الصدر ستكون (دولة القانون 41 مقعداً، والفتح وحلفائه 44 مقعداً، وقوى الدولة 15 مقعداً، وامتداد 16 مقعداً، واشراقة كانون 7 مقاعد، وتحالف العقد 9 مقاعد، وحركة حقوق 6 مقاعد).
أما السياسي المستقل، رئيس الوزراء المكلّف السابق، محمد توفيق علاوي، فدعا الصدر إلى إعادة النظر بخطوة استقالة النواب الصدريين واصفا إياها بـ«الخطيرة».
وقال، في «تدوينه» له، إنّ «العراق على مفترق طرق بعد موقف الصدر الأخير؛ إما النجاة أو نهاية دولة اسمها العراق».
وأضاف: «لقد أصبت، كما أصيب أغلب أبناء وطننا بصدمة قوية بعد قرار الصدر باستقالة نواب الكتلة الصدرية من مجلس النواب، هذه الخطوة التي يمكن أن تدفع البلد باتجاه مستقبل مجهول وإلى مديات خطيرة وفوضى عارمة لا يعلم تداعياتها إلا الله». وتابع: «تعمقت هذه الصدمة عندما تعامل الكثير من الأطراف السياسية مع هذا الحدث الكبير كأمر واقع، بل بدأت بوادر تشخيص البدلاء عن النواب المستقيلين غير عابئين بالعواقب الوخيمة لمثل هذا المسار الخطير، والخطير جداً» داعيا «الصدر لإعادة النظر بهذه الخطوة الخطيرة».
وبين أن «هذه الخطوة قد تصب لمصلحة التيار في زيادة كسب تأييد الشارع الرافض للعملية السياسية وللكثير من السياسيين لمصلحة التيار، ولكن يقيناً هذا الحدث الجلل سيعرض العراق إلى خطر جسيم».
وخاطب، الصدر قائلاً: «لقد عهدنا منكم المواقف الشجاعة لمصلحة البلد في الماضي عند تعارض مصلحة التيار مع مصلحة العراق، فلا ننسى موقفكم في إقالة الوزراء الأربعة للتيار الصدري عام 2007 عندما تبين لكم فسادهم، وكنتم، السياسي العراقي الوحيد الذي أنّب وعاقب المفسدين من جماعته خلال الفترات السابقة، وموقفكم في مكالمتي الهاتفية معكم في تأييدكم في رفض المحاصصة خلاف مصلحة التيار ولمصلحة العراق، والآن مصلحة العراق تتطلب بقاءكم بتياركم على رأس مجلس النواب وعدم قطع شعرة معاوية مع الإطار التنسيقي للوصول إلى مشتركات الحد الأدنى للحفاظ على البلد ومستقبله».

«الكرة في ملعبكم»

ودعا، أيضا الإطار «التنسيقي» قائلا: «الكرة الآن في ملعبكم، وأنتم تقدرون خطورة الموقف ووضع البلد والمستقبل المجهول والخطير الذي يمكن أن يواجه البلد في حالة انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية، المطلوب منكم السعي الحثيث للوصول إلى كلمة سواء مع الصدر، فهذه هي الفرصة الأخيرة لإنقاذ البلد».
كما دعا، المرجعية العليا قائلا: «أنتم أعرف بالواقع وبالتفاصيل ودقائق الأمور، وكما تعلمون فإن البلد بلغ تخوم شفا جرفٍ هارٍ مع خطورة أن ينهار العراق إلى مهاو سحيقة فالمطلوب من سماحتكم التدخل فأنتم الملاذ الأخير لإنقاذ البلد من مستقبل خطير ومجهول».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي