محاورة سقراط لسيفالوس

2022-06-09

أحمد أولاد عيسى

هل تعلم ما كان جواب سيفالوس لسؤال طرحه عليه سقراط: ما هي النعمة الأكبر التي جلبتَها من غناك؟ وكان سيفالوس من نبلاء أثينا، حاكما في قضائها، وبلغ من الكبر عتيا، له من الثروة ما جعله من أثرياء القوم، ثروة اكتسب جزءاً منها عن طريق الوراثة، وجزءاً آخر بالكسب والكد. أجاب سيفالوس قائلا: واحدة لم أكن أتوقع إقناع الآخرين بها بسهولة». وكان يقصد نعمة سلامة العقل التي يتحلى بها الإنسان فتجعل منه هذه النعمة كائنا يعيش في العدالة والقداسة وراحة البال والضمير.. كما قال سيفالوس.

النعمة التي كشف عنها لسقراط هي نعمة راحة البال والضمير بعدم ارتكاب المظالم في حق الآخرين. فهذه النعمة، حسب رأيه ستجنبه سؤال الآلهة، لأنه لن يقع على عاتقه أداء ما عليه من ديون لها في الحساب والعقاب. هذا الجواب الوارد في كتاب «أفلاطون: المحاورات الكاملة» ترجمة شوقي داوود تمراز، كشف عن حضور قوي لبعد ميتافيزيقي في وعي الانسان الأثيني. فهو ليس مخلوقا مربوطا برباط مادي في هذا العالم السفلي. ليس بكائن مفصول الهوية الميتافريقية، بل هو متعد لما بعد العالم الأرضي إلى ما بعد أرضي، أي أنه موصول بعالم علوي، عالم آخر، يتحكم فيه الآلهة بما «ينتظر» الإنسان هناك لأداء «ما يتطلب.. من عقاب لمآثر صنعت هنا» يقول سيفالوس، في العالم الأرضي. هذا «المنتظر منا» هناك أصبحت الآن الأفكار جدية تراود الإنسان في شيخوخته، بعد ما تقدم به العمر قدما فبلغ من النضج، وتحصلت لديه من الحكمة ما جعله قادرا على أعباء الشباب والكهولة، التي كانت عناء.

أما الآن فلديه رؤيا، يوضح سيفالوس في الشيخوخة، التي حملت له حكمة واضحة أمدته بالبصيرة والحكم على الأخطاء التي يكون قد ارتكبها في حق الآخرين. فإذا ما وجدها «خطايا كبيرة» وعاش بسببها شقاء لا ينعم معها أبدا براحة الضمير، ولا بهدأة البال، لعلمه ما ينتظره من حساب وعقاب في العالم الآخر على يد الآلهة، بل سيعيش عذاب ضمير يورثه هلعا واضطرابا كما لو أنه طفل صغير يرى أحلاما مرعبة في منامه، تمتلأ حياته بالمخاوف المظلمة. الخطايا المثقلة للضمير منبعها افتقاد المرء لنعمة العدل والقداسة في العالم الأول، يدفع إلى ضياع الأمل في العالم الآخر. «وما أكبر نعمة الغنى» يضيف سيفالوس»لكن ليس لكل رجل، لكن للصالح المستقيم».

أي نعم، الغنى نعمة لكن ليس كل رجل غني سعيد. الغنى نعمة لمن عاش سلاما مع نفسه، وكان مستقيما في العالم السفلي. يقول سيفالوس مجيبا سقراط في سؤال عن الشيخوخة وأعبائها وحكمتها قائلا: «لا يستطيع الرجل السيئ الغني امتلاك السلام مع نفسه أبدا» فالغنى لا بد له أن يقترن بنعمة الأخلاق الحسنة، وهذا ما ينطبق عليه الأثر النبوي الشريف: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير». والقوة هنا تنسحب على الإيمان والبدن والثروة. الإيمان بالخالق الواحد الأحد خلاف ما كان يتصوره سيفالوس من تعددها، وإقران الثروة بالقوة، قوة الإيمان أولا، ثم قوة البدن وقوة الثروة والغنى، تماما كما جاء على لسان سيفالوس في تعريفه للثروة وإقرانها بالصلاح والاستقامة. فنعمتها ـ أي الثروة ـ مشروطة بسلامة الضمير والعقل السليم في تحصيل الثروة بعدم النصب على الإنسان. فالغاية من الثورة من سلامة الوسيلة حتى إذا ما غادر إلى العالم الآخر لم يضطر إلى تقديم ديون ما بذمته للآلهة، يشير سيفالوس في محاورته لسقراط.

«حسنا قلت وحقا يا سيفالوس» ينهي سقراط محاورته لكبير القضاة في أثينا في هذه الجزئية من المحاورات الكاملة»..

كاتب روائي من المغرب







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي