هل ستصمد سياسة فرنسا تجاه أفريقيا؟

د ب أ- الأمة برس
2022-06-05

يرى كوهين أنه سوف يتعين على ماكرون الاستفادة من القيود السابقة التي تعرضت لها السياسة الفرنسية في أفريقيا (أ ف ب)

واشنطن: في دراسة خاصة عن سياسة فرنسا تجاه أفريقيا نشرها مؤخرا معهد كارنيجي للسلام الدولي، أوضح الدكتور كورنتين كوهين الزميل الباحث في إدارة السياسة والعلاقات الدولية بجامعة أوكسفورد أنه رغم سعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ بداية توليه منصبه لتحقيق تواصل بين فرنسا وأفريقيا على قدم المساواةـ ما زالت رؤيته الخاصة بالمساعدات والشراكات المتبادلة بين فرنسا والدول الأفريقية لم يكتب لها النجاح.

ويشير كوهين، المهتم بالاقتصاديات السياسية لغرب أفريقيا، ووسط افريقيا، وأمريكا اللاتينية إلى محاولة ماكرون في فترة رئاستة الأولى إلى إحياء تواصل بلاده الدبلوماسي مع الدول في أنحاء أفريقيا، وكان هدف بعض أوجه هذا المحور القيام بصورة أكثر مباشرة بمعالجة ما خلفه الاستعمار الفرنسي في الدول الناطقة بالفرنسية. كما شعر أن المكانة المتزايدة لدول غير غربية مثل الصين أتاحت للدول الأفريقية فرصة أكبر لإقامة علاقات وسط تنافس دبلوماسي متزايد بين مجموعة من الدول الأخرى في أوروبا وغيرها.

ويقول كوهين إن ماكرون باتباعه هذه الاستراتيجية سعى لتعزيز رؤية دبلوماسية فرنسية مع أفريقيا من خلال المزيد من المساعدات والمزيد من العلاقات القوية بين الشعبين الفرنسي والأفريقي على أساس روح من الشراكات بين أنداد.

ورغم أن جهود ماكرون خلقت فرصة لعلاقات متجددة، لم يكن هذا المحور سلسا كما كان يأمل. فالقصور البيروقراطي والتعقيدات في دوائر السياسة الخارجية أدت أحيانا إلى تباطؤ تحقيق هذه السياسات. وفي بعض الحالات، بدا أن مناشدات ماكرون القومية أثناء حملته الانتخابية الأخيرة تُضعف محاولاته لادخال تعديلات على تاريخ فرنسا الاستعماري المقلق.

ومن ناحية أخرى، لم تحقق محاولات الرئيس الفرنسي لتعميق العلاقات الاقتصادية والأمنية وبين الشعبين الفرنسي والأفريقي بطرق أكثر إنصافا التوقعات المنتظرة، مما يدل على صعوبة توقع التخلي عن الممارسات السابقة.

ويرى كوهين أنه من أجل الحفاظ على زخم طموحات ماكرون بالنسبة للعلاقات الفرنسية مع الدول الأفريقية ، يتعين عليه وعلى فريقه إلقاء نظرة جادة على ما تم إنجازه بشكل جيد وعلى ما زال من الممكن تحسينه.

وأعاد كوهين، الحاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من معهد الدراسات السياسية بباريس(Sciences Po) الذي يلقي فيه محاضرات إلى جانب السوربون عن العلاقات الدولية والسياسات الأفريقية، إلى الأذهان ما قام به الرئيس الفرنسي أثناء جولة دبلوماسية في أفريقيا في تشرين الثاني/ نوفمبر خلال فترة رئاسته الأولى. فقد وجه رسالة مفاجئة لطلبة الجامعة في واجادوجو، ببوركينا فاسو. فبدلا من إعلانه أنه سوف يطوي صفحة سياسة فرنسا بالنسبة لأفريقيا، كما فعل معظم رؤساء فرنسا قبله، قال إنه لا توجد صفحة يتم طيها. وأضاف أن هناك عهد جديد للعلاقات بين فرنسا وأفريقيا قد بدأ وأن هناك حاجة لأن يعيد الطرفان تحقيق علاقاتهما السياسية، والاعتراف بتاريخيهيما المشترك.

وأشار كوهين إلى أن من بين العقبات التي حالت دون تحقيق ما كان يصبو إليه ماكرون فشل السياسة الأمنية الفرنسية في منطقة الساحل التي يتولى أمرها الجيش في وضع طرق فعالة للقضاء على التطرف أو التكيف مع التحولات الاجتماعية والسياسية في المنطقة.

ويرى كوهين أنه سوف يتعين على ماكرون الاستفادة من القيود السابقة التي تعرضت لها السياسة الفرنسية في أفريقيا، كما أنه يمكنه الاستفادة من رئاسة فرنسا لمجلس الاتحاد الأوروبي والتي تنتهي في 30 حزيران/ يونيو الجاري في إمكانية إقامة شراكات سياسية طويلة الأمد بين فرنسا والدول الأوروبية الأخرى من ناحية وبين الدول والمجتمعات الأفريقية من ناحية أخرى.

ويمكن لفرنسا مع شركائها الأوروبيين الوفاء يوعودهم بإعادة صياغة الرأسماية. ويمكن لفرنسا مساعدة الدول الأفريقية على محاولة تعزيز إمكانياتها النقدية. وبالإضافة إلى توسيع نطاق الاستثمارات والمساعدات يمكن لباريس دعم حوار نزيه عن دور الفساد والتهرب الضريبي، الذي يحرم الدول الأفريقية من ما بين 50 مليار و80 مليار دولار من العائدات كل عام.

وكان ماكرون قد وعد بأن لقاحات كوفيد-19 ستكون رمزا لشراكة جديدة بين أوروبا وأفريقيا، ولم يتحقق ذلك. ومع ذلك يمكن أن يكون الوصول للسلع العامة، وزيادة المساعدات الصحية مجالات رئيسية لاستمرار التعاون. وفيما يتعلق بالعلاقات بين الشعبين الفرنسي والأفريقي، فإنه في ضوء ماضي فرنسا الاستعماري وكشكل من أشكال التعويض الاستشرافي، يمكن لفرنسا إتاحة الفرصة لشباب ومواطني المستعمرات السابقة الالتحاق بنظام التعليم العالي الفرنسي بنفس الشروط المالية التي يتمتع بها المواطنون الفرنسيون والأوروبيون.

كما يمكن أن تشجع فرنسا الدول الاستعمارية السابقة الأخرى في الاتحاد الأوروبي على أن تفعل نفس الشيء، بهدف تطوير الشراكات في أنحاء القارة لارسال الطلاب للدراسة والعمل في أفريقيا.

ويقول كوهين في ختام دراسته أن فترة رئاسة ماكرون الثانية فرصة مناسبة لإعادة تصور تواصل فرنسا الدبلوماسي مع الدول الأفريقية. ورغم أن ماكرون أظهر رغبة واضحة في تعويض أخطاء الماضي، ما زالت بعض أوجه طموحات سياسته غارقة في أساليب عفا عليها الزمن في التعامل مع التواصل. ومن ثم فإن تحديد الأساليب التي نجحت والأخرى التي لم تنجح خطوة أساسية نحو ضمان تعزيز فرنسا لنفوذها القوي لتحقيق شراكات على قدم المساواة ومكاسب متبادلة بالنسبة للدول الأفريقية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي