في أكثر مدن باكستان سخونةً دوامة من الحر والفقر

أ ف ب - الأمة برس
2022-05-16

سعيد علي طفل باكستاني يعاني من ضربة شمس، ممدد على فراش في المستشفى في يعقوب آباد في 11 أيار/مايو 2022 (ا ف ب)يعقوب آباد (باكستان) - وصل سعيد علي، وهو تلميذ باكستاني، إلى المستشفى في يعقوب آباد، إحدى المدن الأكثر سخونة في العالم، وهو على وشك الموت بسبب ضربة شمس.
انهار الطفل البالغ 12 عامًا أثناء عودته إلى المنزل مشياً على الأقدام تحت أشعة شمس حارقة بعدما عانى من الاختناق طوال فترة قبل الظهر في صف مدرسي من دون مراوح.

قالت والدته شهيله جمالي، وهي تجلس بجانب سريره "حمل سائق العربة ابني. لم يكن يستطيع المشي".

سجلت يعقوب آباد، الواقعة في مقاطعة السند القاحلة في وسط باكستان، درجات حرارة بلغت 51 درجة مئوية نهاية الأسبوع الماضي، خلال آخر موجة حر كبيرة ضربت جنوب آسيا.

وقال نائب رئيس البلدية عبد الحفيظ سيال إن المدينة تقع على "الخط الأمامي للتغيّر المناخي. ... نوعية الحياة العامة هنا تتدهور".

يسكن يعقوب آباد والقرى المحيطة بها أكثر من مليون شخص يعيش معظمهم في فقر مدقع. ويجعل نقص المياه والكهرباء موجة الحر جحيماً.

أكد الأطباء أن سعيد وصل إلى المستشفى في حالة حرجة. لكن والدته، الساعية إلى تجنيبه مستقبلًا بائساً، قررت أن يعود إلى المدرسة الأسبوع المقبل. وقالت جمالي عن أطفالها "لا نريدهم أن يصبحوا عمّالاً"، بينما كان ابنها المستلقي يذرف الدموع بجانبها.

- "نار لاهبة" -
تَحدُث ضربة الشمس عندما يصبح الجسم شديد السخونة بحيث لا يستطيع تبريد نفسه، ويمكن أن تسبب الدوار والغثيان وتورم الأعضاء والإغماء وحتى الموت.

وأكد الممرض بشير أحمد، الذي عالج سعيد في مركز لعلاج ضربات الشمس افتُتح مؤخرًا في يعقوب آباد، أنّ عدد المرضى الذين يصلون في حالة حرجة يتزايد يومًا بعد يوم.

وقال "في السابق كان موسم الحر يبلغ ذروته في حزيران/يونيو وتموز/يوليو، لكنه يبدأ حالياً منذ أيار/مايو".

بالإضافة إلى أطفال المدارس، يعتبر العمال الذين ليس لديهم من خيار سوى العمل طوال اليوم تحت أشعة الشمس من بين الأكثر تأثراً، وكذلك موظفو مصانع الطوب، الذين يستخدمون أفراناً يمكن أن تصل درجة حرارتها إلى 1000 درجة مئوية وينبعث منها دخان أسود.

وقال رشيد رند الذي يعمل منذ طفولته في مصنع للطوب إن "الحرارة الشديدة تدفعنا أحيانًا إلى التقيؤ. لكن إذا لم أتمكن من العمل، فلن أتمكن من كسب لقمة العيش".

ينصب اهتمام سكان يعقوب آباد على سبل تجنب الحرارة القاتلة.

ووصف شفيع محمد الذي يعمل في محل للحدادة، الوضع بانه "نار من اللهب في كل مكان حولنا. أكثر ما نحتاج إليه هو الكهرباء والماء".

ولكن بسبب النقص في الكهرباء، تحصل القرى على ست ساعات من الكهرباء يومياً فقط، واثنتي عشرة ساعة ليعقوب آباد. ومياه الشرب شحيحة بسبب الجفاف وسوء إدارة الحكومة للموارد بالإضافة إلى التلوث.

أنجبت خيرون نيسا ابنها خلال موجة الحر. أمضت أيام حملها الأخيرة تتعرق تحت مروحة معلقة في السقف يتشاركها أفراد عائلتها الثلاثة عشر.

وقالت بشأن مولودها الذي بات إلى جانبها "بالطبع، أقلق كثيراً عليه من هذه الحرارة، لكنني أعلم أن الله سيساعدنا".

خارج منزلها المكون من ثلاث غرف، تنبعث رائحة القمامة المتعفنة والمياه الراكدة، وقد جف صنبور المياه الذي وضعته الحكومة.

لكن "مافيات المياه" سيطرت على الوضع، فهناك أفراد عديمو الضمير يسحبون مياه الشرب من خزانات المياه العامة وينقلونها في عبوات على عربات تجرها حمير.

- الاختيار بين الأكل والشرب -

رجل يحمّل ألواحاً من الثلج على متن عربة أمام مصنع في يعقوب آباد في باكستان التي تطالها موجة حر في 11 أيار/مايو 2022 (ا ف ب)

تضطر العائلات الأكثر فقرًا أحيانًا للاختيار بين الأكل أو الشرب إذ يبلغ ثمن 20 لتراً من المياه 20 روبية (25 سنت من اليورو).
في قرية على مشارف المدينة، تستيقظ النساء في الثالثة صباحًا وتعملن على سحب مياه الشرب طيلة النهار رغم حرارة الشمس الساطعة. لكن ذلك لا يكفي.

يقول عبد الستار، أحد رعاة الجواميس، "نفضل توفير مياه الشرب للماشية أولاً، لأنها مصدر رزقنا".

لا يحيد المزارعون عن هذا المبدأ، حتى حين يعاني الأطفال من أمراض جلدية وإسهال بسبب الحرارة الشديدة.

وأوضح عبد الستار أنه "خيار صعب، لكن كيف يأكل الأطفال إذا ماتت الماشية؟".

خلال الأشهر الأكثر حرّاً، غالبًا ما ينزح سكان المجتمعات الفقيرة حول يعقوب اباد نحو أماكن تتمتع بدرجات حرارة أكثر اعتدالاً ما يسمح لهم بالعمل في الهواء الطلق دون التعرّض لخطر الموت، وحيث يكون نقص المياه والكهرباء أقل حدة.

وغالبًا ما تشتد الحرارة لدرجة تدفعهم إلى نقل مخيمهم إلى كويتا على بعد 300 كلم، حيث تنخفض درجات الحرارة بنحو عشرين درجة مئوية.

يقطن شرف خاتون أحد هذه المخيمات مع حوالي 100 شخص، ويعيش هؤلاء من روبيات قليلة يكسبونها لقاء القيام بأعمال صغيرة.

هذا العام، تأخروا في المغادرة، لمواجهتهم صعوبات في جمع الأموال اللازمة للرحلة.

- ضربات شمس مزمنة -
ويشكو خاتون "من صداع وعدم انتظام في ضربات القلب ومشاكل في الجلد، لكن لا يمكن فعل شيء حيال ذلك"، على حد قوله.

من حوله، يرش أطفال على أنفسهم مياهاً مالحة تخرج من مضخة يدوية، بينما تلفّ النساء أوشحة مبللة حول رؤوسهن. في الليل، ينامون في العراء بحثًا عن أي نسمة هواء.

ترى البروفيسورة نوشين هـ. أنور، المتخصصة في التخطيط الحضري، أنه لم يعد بإمكان السلطات الاكتفاء بإجراءات الطوارئ في مواجهة موجات الحر، بل يجب عليها التفكير بخطط طويلة الأمد.

وتشدد على أنه "من المهم التعامل مع موجات الحرارة بجدية، فالتعرض المزمن والطويل للحرارة أمر خطير".

وتضيف "يتفاقم الوضع في أماكن مثل يعقوب آباد. تردّي البنى التحتية وصعوبة الحصول على المياه والكهرباء يمنع الناس من التكيف".

- حالات إغماء في المدرسة -

أشخاص يشربون مياه وزعها متطوعون في يعقوب آباد في باكستان في 11 أيار/مايو 2022 (ا ف ب)

يسير مئات الفتيان وبعض الفتيات على طول مجرى قناة جافة مليئة بالقمامة، في اتجاه مدرسة عامة لتقديم امتحانات نهاية العام.
يتجمعون حول مضخة يدوية لشرب أكواب من المياه، وقد أعياهم العطش حتى قبل أن يبدأوا يومهم.

وقال مدير المدرسة رشيد أحمد خلهورو "نحاول الحفاظ على معنويات الأطفال مرتفعة، لكن الحرارة تؤثر على صحتهم العقلية والبدنية".

وناشد الحكومة تقديم الإجازات المدرسية شهرًا واحدًا، بالنظر إلى موجات الحر المبكرة، فيما تبدأ عادةً في شهر حزيران/يونيو.

تم تجهيز بعض صفوف المدرسة بالمراوح، ولكن ليس كلها. عندما ينقطع التيار الكهربائي بعد ساعة من بدء الدراسة يختنق الجميع في الظلام. يضطر الأطفال أحيانًا للخروج إلى الممرات.

عندما يُغمى على طفل، وهو أمر شائع، يسعى المعلمون إلى إنعاشه قدر الإمكان بالماء البارد الذي يشترونه من متجر قريب، أو بالمراوح أو أقراص السكر.

يصف أولاد لوكالة فرانس برس معاناتهم من الصداع والإسهال اليومي، لكنهم يحضرون إلى الصف يومياً، مصمّمين على مواصلة الدراسة.

وقال علي رضا (15 عاماً) "نحن نختنق من الحر، نتعرّق كثيراً، وتتبلل ملابسنا".

وأكد خالهورو أن الطلاب عازمون على الخروج من الفقر وإيجاد وظائف تحررهم من الحرارة القاتلة.

وقال "هم مستعدون كما لو كانوا في ساحة معركة، ويعرفون أن عليهم تحقيق إنجاز ما".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي