بعد 50 عاما...تداعيات فضيحة تجارب توسكيجي تظهر في تدني تطعيمات كورونا بين سود أمريكا

د ب أ – الأمة برس
2022-05-14

صور لمخبرية (شركة جونسون)

توسكيجي - لا تزال تداعيات فضيحة تجارب توسكيجي للزهرى تلقي بظلالها بين الأمريكيين السود حتى الآن رغم مرور 50 عاما على الكشف عن هذه الفضيحة.

وتمثلت هذه التداعيات حاليا في تدني نسبة التطعيم ضد كورونا بين السود في العديد من الأماكن في الولايات المتحدة مقارنة بالشرائح السكانية الأخرى حيث ذكرت وسائل إعلام أمريكية أن السبب في ذلك يعود إلى انعدام الثقة بوجه عام في الحكومة والنظام الصحي بالإضافة إلى هذه التجارب القاسية التي جرى كشف النقاب عنها أوائل السبعينيات.

وكان أطباء حكوميون تركوا أشخاصا يتعرضون للموت بطريقة مروعة في أغلب الأحوال في هذه التجارب التي جرت في الفترة بين عامي 1932 حتى عام 1972 لدراسة تطورات مرض الزهرى غير المعالج بين الرجال السود.

وكتب مارتين توبين طبيب الرئة والعناية المركزة في دورية "المجلة الأمريكية لطب الجهاز التنفسي والعناية المركزة" أن " الدرس الحاسم من دراسة توسكيجي هو أن ضمير الباحث أهم كثيرا من كل اللوائح في العالم".

بدأت تجارب توسكيجي التابعة لهيئة الصحة العامة التي كانت تتبع وزارة الصحة الأمريكية والتي حل محلها اليوم مركز مكافحة الأمراض والسيطرة عليها، في محيط بلدة توسكيجي الصغيرة بولاية الاباما في عام 1932، وشملت التجارب 399 شخصا من الأمريكيين الأفارقة المصابين بمرض الزهرى وتم حرمان هؤلاء الأشخاص بشكل متعمد وبدون علمهم من وسيلة فعالة لعلاجهم من مرضهم، كما شملت التجارب 201 شخص غير مصابين كمجموعة مرجعية. وكان الهدف من الدراسة هو مراقبة تطور المرض وآثاره المتأخرة. وكان الباحثون يقومون بتشريح جثث المتوفين. غير أن القيمة العلمية للدراسة كانت صفرا لأن العواقب الوخيمة للزهرى كانت معروفة بالفعل منذ قرون.

وعانى العشرات من الأشخاص خلال الدراسة وتوفوا تأثرا بالمرض رغم أنه كان بالإمكان شفاؤهم بسهولة. ولم تنته هذه الدراسة إلا في عام 1972 بعدما أخبر الأخصائي الاجتماعي الشاب بيتر بوكستون وسائل الإعلام بهذه التجارب غير الإنسانية، وقامت وسائل الإعلام بنشر أخبار هذه التجارب على نطاق واسع. وكان بوكستون قد حاول عبثا على مدار سنوات إقناع السلطات بوقف هذه التجارب. وتسبب كشف النقاب عن التجارب في إصابة الرأي العام الأمريكي بالصدمة، وعلى إثر ذلك طبق الكونجرس الأمريكي لوائح لإجراء البحث الطبي. غير أنه لم تتم معاقبة المسؤولين عن هذه التجارب.

وأضاف توبين البروفيسور بجامعة لويولا في شيكاغو أن حقيقة أن نفس مجموعة الباحثين تعمدوا إصابة مئات الجواتيماليين بعدوى الزهرى والسيلان في الأربعينيات لتطوير طرق أفضل للوقاية من هذه العدوى، لم يتم الكشف عنها سوى في عام 2010، وأشار إلى أن الكثير من هؤلاء الذين شملتهم الإصابة عانوا عذابات رهيبة وتوفي الكثير منهم.

وقال توبين إنه عندما بدأت التجارب على الأمريكيين السود في توسكيجي، كان الزهرى واحدا من أكثر الأمراض المخيفة في العالم وذكر أن التقديرات كانت تشير إلى أن واحدا من كل عشرة أمريكيين كان مصابا بهذا المرض في أوائل القرن العشرين.

وأوضح توبين أنه رغم ظهور طرق للعلاج من المرض في العشرينيات، فإن الرجال الذين جرت عليهم التجارب في توسكيجي – وغالبهم من المزارعين الفقراء الذين كانوا يعيشون في ظروف حياتية تشبه الرقيق- حُرِمُوا من العلاج على مدار عقود. وقد انتقلت العدوى إلى النساء (زوجات المشاركين في التجارب) اللاتي ولدن بدورهن أطفالا مصابين أو ميتين. وكان الباحثون على دراية بهذه المعاناة التي لا توصف ومع ذلك أقدموا على إجراء التجارب.

وقال توبين الذي يعمل أيضا في المركز الطبي لشؤون المحاربين القدامى إنه يسأل نفسه كطبيب عمل في مجال البحث على المرضى على مدار أكثر من 45 عاما كيف استطاع الأطباء والباحثون إقناع أنفسهم بأن من المقبول أخلاقيا إجراء تجارب مزعجة على أشخاص جاهلين.

ورأى توبين أن " المسألة لا تتعلق بأطباء أمريكيين ولا تتعلق بمركز مكافحة الأمراض وحسب بل بالمجتمع الطبي ككل في جميع أنحاء العالم"، وقال إنه كانت هناك دراسات مريبة أخرى تلت هذه الواقعة ومن ذلك على سبيل المثال في علاج فيروس نقص المناعة المكتسبة (الايدز) حيث تم إعطاء نساء حوامل ضمن مجموعة مرجعية في أفريقيا علاجا وهميا بدلا من الدواء الفعال الذي يمنع انتقال العدوى إلى الجنين.

وقال توبين:" يجب على المرء دائما أن يكون حذرا" لافتا إلى أن من السذاجة الاعتقاد بأن مثل هذا الشيء المروع لا يمكن أن يتكرر " ولا ينبغي أن نكون بمثل هذه السذاجة". وأكد أن تكرار الدراسات غير الأخلاقية سيستمر، كما سيستمر تواجد المشاركين في التجارب، الذين لا يفكرون بل يطيعون التعليمات بشكل أعمى.

وأعرب توبين عن اعتقاده بالأهمية الشديدة للتدابير الاحتياطية والقواعد كتلك التي تم تطويرها في الولايات المتحدة بعد ظهور التقارير عن فضيحة تجارب توسكيجي لكنه رأى أن الشيء الأهم هو أن يفكر الباحث أو الطبيب نفسه في القضايا الأخلاقية وأن يتوافق معها " فالصمت قد يكون قاتلا".

كان ما يعرف بـ "دراسات التحدي البشري" التي جرت في بريطانيا في العام الماضي، أثارت ضجة كبيرة حيث تم إصابة متطوعين شباب بعدوى فيروس كورونا بشكل متعمد وبدون إعطائهم تطعيم وقائي مسبق. وقالت الحكومة البريطانية إن "برنامج التحدي البشري سيحسن ويسرع تطوير اللقاحات وطرق العلاج من كوفيد-19 ".

وأخذ المنتقدون على هذه الدراسات أن من غير المستعبد أن تسفر هذه التجارب عن حدوث أضرار بعيدة المدى لكوفيد- 19 حتى مع الشباب الأصحاء ورأوا أن الدراسات قامت على تعريض أشخاص للخطر بشكل متعمد رغم وجود بدائل أخرى، وقالوا إن عدد المصابين بكورونا وصل في بعض الأوقات في بريطانيا إلى آلاف الأشخاص يوميا، وإن تحليل بياناتهم جاء بالعديد من النتائج الجديدة دون الحاجة إلى إصابة أشخاص بالعدوى بصورة متعمدة.

تجدر الإشارة إلى أن توبين طبيب الرئة كان يعمل في نيسان/أبريل 2021 خبيرا لدى الادعاء العام الأمريكي في القضية الجنائية المرفوعة ضد ضابط الشرطة المتهم بقتل المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد في أيار/مايو 2020، وقد أعرب توبين عن قناعته بأن العنصرية الهيكلية لا تزال مشكلة في الولايات المتحدة بما في ذلك في القطاع الصحي الأمريكي أيضا.

كان تحليل منشور في دورية " المجلة الجمعية الملكية للطب" أثبت أن العنصرية والتمييز العرقي في القطاع الصحي يؤثران على مدى استعداد الأقليات العرقية لأخذ التطعيمات، وأشار التحليل إلى أن الكثير من الأشخاص من المجموعات التي رفضت أخذ التطعيم في بريطانيا، عانوا من تمييز عنصري ضدهم في الوسط الطبي منذ بدء الجائحة. وأوضح الباحثون بقيادة اليس بول من كلية لندن الجامعية أن التمييز العنصري في قطاع الرعاية الصحية يؤدي إلى تدني ثقة الضحايا في القطاع الصحي وذكروا أن نتيجة ذلك ازداد رفض تطعيم كورونا.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي