لوموند: العمى السياسي تجاه طموحات بوتين.. فرنسا تعايشت مع مرتزقة فاغنر في ليبيا

2022-04-11

دا أن ماكرون، الذي يحوم حول مشروع "الهندسة الأمنية" في أوروبا مع بوتين، ليست لديه أي رغبة في إثارة نزاع مع موسكو في ليبيا (أ ف ب)

استدعى الغزو الروسي لأوكرانيا في العديد من العواصم الأوروبية، إعادة التفكير في مدى العمى الذي أصاب القادة الأوروبيين فيما يتعلق بطموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رغم أنها كانت مكشوفة، مما يشجع على العودة إلى تلك الفترة الغريبة، بين عامي 2018 و2020، عندما كان الجنود الفرنسيون والمرتزقة الروس يتعاونون لخدمة نفس الطرف.

بهذه المقدمة افتتحت صحيفة لوموند (Le Monde) الفرنسية عمود الرأي الذي يكتبه أستاذ العلوم السياسية جان بيير فيليو، حيث أثار ما قامت به المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من رهان على اندماج روسيا من خلال التجارة، وهو ما أصبح موضع تساؤل لأنه زاد من ضعف ألمانيا بدلا من دمج حميد لموسكو، وبما اقترحه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من "هندسة الأمن والثقة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا"، على بوتين عندما رحب به في فرنسا.

وأوضح الكاتب أن المنتقدين في فرنسا لا يزالون متسامحين جدا مع هذا الاقتراح، الذي أتبعه ماكرون بعد فترة وجيزة، بوصم كل من يجرؤ على التعبير عن شكه في رغبة الرئيس في تقارب إستراتيجي مع موسكو من رجالات "الدولة العميقة"، علما أن هذا التقارب لم يكن في أوروبا، بل في شمال أفريقيا، حيث حدثت واحدة من أكثر الحلقات إثارة للقلق من هذا المسلسل.

متحدون من أجل حفتر

أدت الحرب الأولى في ليبيا، من فبراير/شباط إلى أكتوبر/تشرين الأول 2011، إلى الإطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي والقضاء عليه بعد 4 عقود من السلطة المطلقة، ولم تكد تنقشع حتى اندلعت الحرب الأهلية الثانية عام 2014، بمبادرة من أحد عناصر جيش القذافي وهو اللواء السابق خليفة حفتر، الذي كان يحلم في ليبيا، بإعادة إنتاج ما قام به المشير عبد الفتاح السيسي الذي "انتخب" للتو بنسبة 97% رئيسا لمصر، على حد تعبير الكاتب.

وكان أول ما قام به حفتر في طبرق شرقي البلاد، هو إدانة كل معارضيه ووصفهم بأنهم "إرهابيون"، بما في ذلك حكومة الوحدة الوطنية برئاسة فايز السراج، التي رفض الانضمام إليها، رغم أن الأمم المتحدة اعترفت بها بمجرد تنصيبها في طرابلس.

وقد حظي حفتر -كما يقول الكاتب- بدعم علني من مصر والإمارات اللتين انتهكتا الحظر الدولي لمواصلة تسليحه، وبدعم أكثر تكتما من روسيا وفرنسا، حيث يسعى الكرملين بشكل ما للانتقام من حملة حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 2011 في ليبيا، في حين رأت فرنسا برئاسة فرانسوا هولاند، في التعاون مع حفتر ضربا من "مكافحة الإرهاب" في جميع أنحاء منطقة الساحل.

وبعد شهرين من دخوله الإليزيه، جمع ماكرون بين السراج وحفتر باسم المصالحة بين طرابلس وطبرق، حتى وإن كان من غير الطبيعي وضع الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، وسلطة الأمر الواقع لزعيم متمرد على نفس المستوى، ولكن الرئيس الفرنسي كان يبحث عن مخرج من المأزق وهو ما لم يحدث -كما يقول الكاتب- بل إن تحيز باريس لحفتر تفاقم بسبب القرب الشديد بين ماكرون ومحمد بن زايد، الرجل القوي في الإمارات.

وفي هذا السياق لم يبد قصر الإليزيه أي قلق بشأن العلاقات الوثيقة المتزايدة بين حفتر وموسكو، حتى عندما قرر الكرملين في أكتوبر/تشرين الأول 2018، إرسال ألف من مرتزقة فاغنر إلى ليبيا، لمساعدة قوات حفتر في احتلال البلاد بأكملها والإطاحة بحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس.

مع وضد الأمم المتحدة

في هذه الأشهر الحاسمة، لم يكن يساور صناع القرار الفرنسيين أي شك في أهداف مجموعة فاغنر التي تتولى، إلى جانب مسؤولياتها الحربية، أنظمة التنصت لحفتر، ولكن باريس في الوقت نفسه، تحذر من أهداف مجموعة فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث يتزايد تأثيرها المعادي للفرنسيين، وكأن ما يصلح في أفريقيا جنوب الصحراء لا ينطبق على الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط ​​-كما يقول الكاتب- وهكذا يبقى المرتزقة الروس في هذه البقعة العمياء للسياسة الفرنسية في ليبيا.

والحقيقة -كما يقول الكاتب- هي أنه لم يحصل أبدا أي تعاون بين "مستشاري" حفتر الفرنسيين والقوات شبه العسكرية التي أرسلها الكرملين، ولكن تعايشهما في نفس المعسكر لا يمكن إنكاره، وقد افتضح التعاون الذي لا يزال جاريا بين باريس وحفتر بعد الهجوم على طرابلس في أبريل/نيسان 2019، الذي رفض الإليزيه إدانته، وبعد اكتشاف قوات حكومة طرابلس 4 صواريخ جافلين مضادة للدبابات من مخزون باعته الولايات المتحدة لفرنسا.

وبدا أن ماكرون، الذي يحوم حول مشروع "الهندسة الأمنية" في أوروبا مع بوتين، ليست لديه أي رغبة في إثارة نزاع مع موسكو في ليبيا، بل يفضل التنديد بطريقة شديدة الضراوة بتدخل تركيا، وباتفاقية الدفاع الموقعة بين أنقرة وطرابلس في يناير/كانون الثاني 2020 التي كانت حاسمة في هزيمة مجموعة فاغنر التي أعيد الناجون منها بجسر جوي إلى روسيا، لتنتهي حلقة غريبة من التعايش بين الجيش الفرنسي وهذه المجموعة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي