هل أكل المصريون بعضهم بعضا فعلا ؟: بين الواقع والتهويل.. مسلسل رمضاني مصري يعرض الشدة المستنصرية

متابعات الأمة برس
2022-04-09

برشور المسلسل المصري "بيت الشدة" (موقع الشركة)القاهرة - عرضت الحلقات الأولى من المسلسل المصري "بيت الشدة"، حادثة تاريخية هامة، ستُبنى عليها قصة المسلسل وأحداثه بالكامل، وهي "الشدة المستنصرية"، والتي استوحي منها اسم العمل .

الحلقة الأولى من المسلسل الذي يعرض في رمضان هذا العام، ذكر لفظ "الشدة المستنصرية" التي ضربت مصر، خلال المشهد الذي جمع الثلاثي (الشيخ عبد القادر) "محسن منصور"، و(روماني) "مدحت تيخا"، و(المعلم مختار) "أحمد وفيق"، حيث تحدثوا عن القصة، ومرجعها التاريخي.

وبدأ (الشيخ عبدالقادر) حديثه الذي وجهه لـ(روماني)، قائلا: "البلد دي ياما مر عليها سنين عجاف وكوليرا وحروب وغزوات، ولكن محدش قدر عليها".

ورد (المعلم مختار) قائلا: "من ألف سنة وأكتر عدى على ناس المحروسة دي أصعب 7 سنين، وتحديدا عام 1065 ميلادي.. النيل مايته جفت، وده كان أيام الحاكم المستنصر بالله.. الزرع دبل، كيلة الدقيق كانت بتتباع بـ 10 جنيه.. الناس عاشت في كرب 7 سنين وفي عز الشدة، الناس أكلت كل حاجة (البهايم والمواشي حتى الكلاب والقطط، ونبشوا القبور).. مفيش حاجة كان دابب فيها الروح إلا وكلوها، ووصلت أنهم يرموا الخطاف من أعالي البيوت ويصطادوا بيه الناس اللي ماشية.. البيت ده كان معروف ببيت الشدة، وكل الناس كانت بتتخطف من قدامه".

وأخبر (المعلم مختار) صديقه (روماني)، بأن (فلك) "وفاء عامر" وأسرتها بالأحداث من أحفاد ونسل الناس دي، ودول ناس سواد وخراب على الدرب كله.


وأضاف (المعلم مختار): "بيت الشدة ده أيام الشدة المستنصرية كان أشهر بيت، وكان بيلقط أي حد يعدي من تحته بخطاف أو (هلب)، مفيش حد دخله إلا وخرج عضم في شوال".

بينما أضاف (الشيخ عبدالقادر): "مكنش حد يقدر يسكن في البيت ده غير نسل أهله الأصليين، ومكنش حد يجرؤ إنه يقرب ناحية البيت ده أو يدخله".

بهذا الحوار، خلص المشاهد إلى أن "بيت الشدة" (اسم المسلسل) وسكانه، هم نسل من كانوا يأكلون البشر في هذا البيت، خلال "الشدة المستنصرية"، التي أتت على الأخضر واليابس.

وعرض المسلسل، مشاهد درامية لأجزاء مما كان يحدث في شوارع مصر وقت المجاعة، مثل اختطاف الناس بالخطاطيف وأكل الميتة، وغيرها من المشاهد الصادمة.

ويعرف عن "الشدة المستنصرية"، أنها واحدة من أشهر المجاعات التي ضربت مصر، لمدة 7 سنوات كاملة في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري، وهي الفترة التي تنتمي إلى تاريخ الدولة الفاطمية.

وسميت تلك المجاعة بـ"الشدة المستنصرية" نسبة إلى "المستنصر بالله"، حاكم مصر في ذلك الوقت.

وتقول الروايات إن الدولة بدأت في الضعف والانهيار سريعا، وبدأت في الانهيار والوهن، فانتشر الجوع والفقر والسرقات على مسمع ومرأى من الجميع، وبلغ سعر رغيف الخبز الواحد 50 دينارًا.

حتى أن الخليفة "المستنصر بالله"، باع كل ما يمتلك، فباع 80 ألف ثوب، و20 ألف سيف، بالإضافة إلى الأحجار الكريمة والجواهر التي يملكها كي ينفق على أسرته ويضمن لها الطعام .

ومن أشهر الذين كتبوا عن "الشدة المستنصرية"، المؤرخ "أحمد بن علي المقريزي"، الشهير بـ"تقي الدين المقريزي" الذي ولد في القاهرة عام 1364 وعاش فيها ما يقرب من 80 سنة، وكتب عن أهوال الشدة المستنصرية في كتابه "اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء".

ويقول "المقريزي": "أكل الناس القطط والكلاب بل تزايد الحال فأكل الناس بعضهم بعضا، وكانت طوائف تجلس بأعلى بيوتها وعليهم سلب وحبال فيها كلاليب فإذا مر بهم أحد ألقوها عليه ونشلوه في أسرع وقت وشرحوا لحمه وأكلواه".

وذكر التاريخ أن الناس كانوا يجلسون فوق أسقف البيوت ويصنعون الخطاطيف والكلاليب لاصطياد المارة بالشوارع من فوق الأسطح، وإذا تمكنوا منهم سحبوا أجسادهم إلى داخل البيوت وذبحوهم وأكلوهم .

ومن الوقائع المثيرة التي ترويجها، أن أحد الوزراء تعرضت بغلته الوحيدة للسرقة حيث سرقها اللصوص بعد أن ضربوا حارسه، وأخذوا البغلة وذبحوها وطهوها وأكلوها، فأمر الوزير بالقبض على اللصوص، ثم أعدمهم على شجرة.

وفي صباح اليوم التالي لم يجدوا من اللصوص سوي العظام، لأن الناس أكلوهم من شدة الجوع.

ومن بين ما أورده "المقريزي" في كتابه عن تلك الفترة العصيبة: "أكل الناس الجيفة والميتات ووقفوا في الطرقات فقتلوا من ظفروا به، وبيعت البيضة من بيض الدجاج بعشرة قراريط، وبلغت رواية أن الماء بدينار، وبيع دار ثمنها 900 دينار بـ90 دينارا اشترى بها دقيق، وعم الغلاء والوباء وانقطعت الطرقات برا وبحرا، وتصحرت الأرض وهلك الحرث والنسل وخطف الخبز من على رؤوس الخبازين".

وحسب رواية المؤرخ نفسه: "جاع الخليفة نفسه حتى أنه باع ما على مقابر آبائه من رخام، وتصدقت عليه ابنة أحد علماء زمانه، وخرجت النساء جياعا يتظاهرن وقادت تلك المظاهرة أرملة الأمير جعفر بن هشام، وذلك بسبب شرائها قرصة بألف دينار".

ونقلت مجلة "تايم" الأمريكية عن "المقريزي"، تفاصيل تلك المظاهرة، ووصفتها بأنها أول مظاهرة نسائية في تاريخ مصر.

ورغم مرور نحو 300 عام بين وقت "الشدة المستنصرية"، وبين تأليف "المقريزي" لكتابه، فإن معظم كتب التاريخ تناقلت روايات هذا المؤرخ باعتبارها حقائق لا تقبل التشكيك.

كما أن تلك الروايات يتناقلها المصريون حين يتعرضون لمخاطر اقتصادية خصوصا ما يتعلق بمياه نهر النيل التي تمثل شريان الحياة الرئيسي.

الباحث في شؤون التاريخ والآثار "عماد حمدي"، يقر بوقوع "الشدة المستنصرية"، ولكنه يرى في حديثه مع "الجزيرة"، أن هناك مبالغات متدوالة عن تفاصيل تلك المجاعة الشهيرة.

ويضيف "حمدي"، أن ما يعرف بـ"الشدة المستنصرية"، حدثت بفعل انحسار مياه النيل، واستمرت 7 سنوات، ولكن القول إن المصريين أكلوا الجيفة وصنعوا خطاطيف واصطادوا بها بعضهم من الشوارع "مبالغات غير منطقية".

ويتابع: "لا نعرف من أين جاء المقريزي بهذه الروايات، رغم أنه يفصله عن تلك الفترة ما يقرب من 4 قرون".
ويعتبر الباحث أن من الأمور، التي تدل على أن رواية "المقريزي" مليئة بالمغالطات والمبالغات التاريخية، أن "بدر الدين الجمالي"، وهو وزير "المستنصر بالله"، حينما أتى به من الشام لكي يقضي على الاضطرابات التي شهدتها مصر بسبب المجاعة وبسبب الصراع بين رجال "المستنصر بالله"، استطاع أن يعيد الأمور إلى نصابها، وعاد الفلاحون للزراعة، بعدما أقام الجسور وطهر الترع.

ويتابع بالقول، إنه "لو كان المصريون قد أكلوا بغلة الخليفة، كما أكلوا بعضهم البعض كما يقول المقريزي، لكانوا قد أكلوا قوات بدر الجمالي، وأكلوا الخليفة نفسه، الذي يقول عنه المقريزي إنه لم يعد يمتلك شيئا وباع كل ما يملك، ولو صح ذلك فكيف استطاع أن يستقدم الجمالي، وأن ينفق على قواته".

وينتقد "حمدي" تعرض مسلسل "بيت الشدة" لهذا دون تدقيق تاريخي، ومترحما على الأيام التي كانت مصر تنتج فيها أعمالا تاريخية عظيمة، حيث كانت هناك لجان من أكبر أساتذة التاريخ لمراجعة تلك الأعمال، حسب قوله.

بدوره، يصف "محمد حمزة الحداد" عميد كلية الآثار الأسبق وأستاذ العمارة والفنون الإسلامية بجامعة القاهرة رواية "المقريزي"، عن "الشدة المستنصرية"، بأنه يغلب عليها المبالغة والتهويل.

وفي تصريحات صحفية، قال "الحداد"، إن الشدة وقعت بالفعل بفعل انخفاض منسوب نهر النيل، لكن التهويل والمبالغة وقعت بسبب الاعتماد على الروايات الشعبية، بالإضافة إلى تأريخ تلك الفترة بعدها بقرون وليس أيامها.

ويضيف "الحداد": "كما أن الشدة تم التغلب عليها بشكل محكم وسريع من خلال مجهودات الجمالي الذي استطاع أن يسيطر على الأمور ويقر الأمن ويبني أسوارا ضخمة ذات بوابات مهيبة"، على حد قوله.

ويتساءل الأكاديمي: "هل من المعقول دولة أهلها يأكلوا بعضهم البعض ويرتضون على أنفسهم أكل الحمير والقطط سيستطيعون أن ينهضوا مثل تلك النهضة؟"، واصفا "المقريزي" بأنه معروف بالمبالغة، حيث كان يكتب أي رواية تُقال أمامه.

ويشار إلى أن الآثار الباقية من عهد "المستنصر بالله"، سواء قبل أو بعد الشدة في منتهى الروعة، مثل النسيج والتحف والعملات الذهبية.

ويضيف: "يصعب أن يكون رجل وصل به الحال وببلاده إلى المرويات المتداولة عن الشدة المستنصرية أن تنتج هذا النتاج الحضاري الضخم، نعم قد تمر بشدة، ولكن ليس لدرجة أن يأكل أهلها بعضهم البعض أو يأكلوا الحيوانات".

وبعيدا عن انحسار النيل ودوره في الشدة، يتحدث الشاعر وأستاذ العلوم السياسية "تميم البرغوثي" عن الأسباب السياسية التي أدت في النهاية إلى وقوع الشدة، ويقول إن أكثر المؤرخين لا يرجعون السبب في "الشدة المستنصرية" إلى انخفاض النيل، بل معظمهم يرجع السبب إلى حرب العصابات التي دارت بين الأمراء الطامعين في الوزارة، وفي مقدمتهم الأمير "الحسن بن الحسين الحمداني" الذي دخل في صراع مع الخليفة "المستنصر بالله".

وفي حلقة من برنامجه "مع تميم"، يقول "البرغوثي": "حينما عُزل المستنصر الحسن بن الحسين الحمداني الملقب بذي المجدين من ولاية الشام، جاء إلى مصر وجند البدو وحاصر القاهرة قاطعا عنها مدد المؤن والطعام القادم من الدلتا والصعيد، وصادف ذلك مع انخفاض النيل فجاع الناس ووقعت الشدة".

ويكمل "البرغوثي": "ولرفع الغلاء عن الناس اضطر المستنصر لتولية ذي المجدين الوزارة، وما إن تنفس الناس الصعداء بعد فك الحصار عن القاهرة، قتل ذي المجدين على يد أصحابه غدرا".

الغريب في الأمر، كما يرى "البرغوثي"، هو سكوت المصريين عما جرى لهم، وأن "المستنصر بالله" أكمل حكمه، ولم يخلعه أحد.

ومسلسل "بيت الشدة"، يخوض بطولته النجوم: "وفاء عامر"، و"إيهاب فهمي"، و"مها أحمد"، و"محسن منصور"، و"أحمد التهامي"، و"مدحت تيخا"، و"محمد مهران"، و"عبير منير"، و"صبري عبدالمنعم"، و"لبنى ونس"، و"منى العمدة".

وينتمى المسلسل إلى نوعية الأعمال التي تدور أحداثها وقصتها في إطار من الرعب والتشويق، ويناقش فكرة وجود السحر والشعوذة، داخل أحداث العمل، ولكن بشكل واقعي وحقيقي وليس خياليا، ويحمل العمل رسالة مهمة للجمهور، وهي عدم السير وراء الدجالين.

والمسلسل من إنتاج شركة "إكسيليفون" للإنتاج الفني، ومدير تصوير "عزمي الرحماني"، ومن تأليف "ناجي عبدالله"، ومن إخراج "وسام المدني".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي