إيكونوميست: جيش بوتين لن يحرف مسار المعركة في أوكرانيا بل سيزيد جرائم الحرب

2022-04-04

حققت الشركة أموالا كبيرة رغم أنها أرسلت مرتزقتها للقيام بمهام تهدف لخدمة مصالح بوتين الجيوسياسية (أ ف ب)

نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا بعنوان “جيش فلاديمير” قالت فيه إن مرتزقة روسيا “غلاظ القلوب” سيواجهون صعوبات لترك بصماتهم على أوكرانيا، لكنهم يواصلون دعم الرجال الأقوياء في أمكنة أخرى.

وقالت المجلة: “انظر فقط إلى أعلى صورة أربعة رجال بالزي العسكري لتجد أن المزاج مرح. أحدهم يبتسم وآخر ينفث سيجارة وهو ينظر مباشرة إلى عدسة الكاميرا. ولكن انظر إلى أقدامهم، سترى رأسا داميا على الأرض. وقبل قطع رأس ضحيتهم، قام الرجال بتصويره وصوروا أنفسهم وهم يضحكون ويسحقون يديه وقدميه بمطرقة. والمشهد هو سوريا عام 2017. أما الضحية، فقد قيل إنه هرب من الجيش السوري. ومن المحتمل أن قتلته من الروس. وتم تحديد هوية أحدهم على الأقل بأنه من المتعهدين الأمنيين التابعين لشركة فاغنر، وهي شركة مرتزقة على علاقة مع الاستخبارات العسكرية الروسية، وتنشط في أوكرانيا. وفاغنر هي الشركة الأشهر التي تقود علاقاتها مباشرة إلى بوتين”.

وظهرت الشركة أول مرة عام 2014 عندما حاولت روسيا فصل دونباس في الشرق عن أوكرانيا، ثم قدمت فاغنر لبوتين واحدا من أهم الأشياء: الإنكار. ويمكن لجنودها التحرك كمقاتلين انفصاليين أكثر من القوات الروسية. وتم نشر مرتزقة الشركة في عدد من الدول بما فيها سوريا وليبيا ومالي وجمهورية افريقيا الوسطى، وكذا انخرطوا في السودان وفنزويلا من أجل دعم الرجال الأقوياء الذين يفضلهم بوتين. وفي أوكرانيا اليوم، لن يتمكن بوتين الاعتماد على الإنكار ولا تقليل الخسائر بين جنوده الذين ستسأل أمهاتهم عن السبب الذي ضحى بهم بوتين من أجله هناك.

ونظرا لنشر روسيا حوالي 190 ألف جندي في أوكرانيا، فإن آلافاً من مرتزقة فاغنر لن يغيروا من الواقع على الأرض. لكنهم قد يتركون أثرا مخيفا على طريقة إدارة الحرب. وللخدمة في أوكرانيا، لجأ المجندون الروس لمن رفضوهم في الماضي نظرا لغياب الخدمة العسكرية أو أرضية مشبوهة.

وقال الصحافي إيليا روجدستفنسكي الذي تابع حركة المرتزقة: “إنهم يأخذون أي شخص… الجميع”. ويعتقد أن اسم الشركة جاء من الموسيقار المفصل لدى هتلر، فاغنر. وهي علامة مؤسسها  ديمتري أوتكين، المسؤول السابق في المخابرات العسكرية الروسية والذي قاتل في الشيشان وقاد لاحقا وحدة خاصة “سبيتسناز”.

وعلاقة فاغنر مع الجيش الروسي مستمرة. وتقع معسكرات تدريبها إلى جانب المخابرات العسكرية. ويتم نقل المرتزقة العاملين في ليبيا وسوريا ومناطق أخرى عبر الطيران العسكري الروسي. وفي ليبيا، زودهم الجيش الروسي بالإمدادات الضرورية. وكشفت وثيقة عثر عليها في ليبيا عن قائمة مشتريات تضم معدات عسكرية، بما فيها رادارات متقدمة ومئات من بنادق كلاشينكوف، وبعض هذه المعدات لم يكن بالإمكان الحصول عليها إلا من الجيش الروسي. وعادة ما يحصل المرتزقة في فاغنر على جوازات سفرهم من مكتب خاص مرتبط بوزارة الدفاع، وهو نفسه الذي أصدر جوازي سفر للعميلين اللذسن حاولا اغتيال العميل المزودج سيرغي سكريبال عام 2018 في بريطانيا. وفي عام 2020، اعتقلت بيلاروسيا 33 روسياً من شركة فاغنر على ما يبدو، وعبّر بوتين عن اهتمام شخصي بهم وأمّن الإفراج عنهم.

وقالت كيمبرلي مارتن، من كلية بيرنارد بجامعة كولومبيا: “ليسوا مستقلين أبدا”. وتقول المجلة إن المرتزقة مثل بقية الشركات في روسيا، فلا وجود لها بشكل رسمي؛ لأن القانون الروسي يحرم نشاطات المرتزقة. واعترف بوتين بوجود المرتزقة عام 2020 قائلا إن عملهم مقبول طالما تم خارج الحدود الروسية “لهم كل الحق للعمل والترويج لمصالحهم في أي مكان بالعالم”.

وهو ما يثير التساؤل حول عدم اهتمام السلطات الروسية بتحميل قوات فاغنر مسؤولية سلوكها، بما في ذلك سوريا. ومنذ إنشاء الشركة، عمل فيها حوالي 10 آلاف رجل معظمهم من أصحاب الخبرة العسكرية السابقة. ويفضل الناشطون في التجنيد، الأشخاصَ الذين لديهم خبرات عسكرية وبدون سوابق جنائية. ويحصل المرتزقة على رواتب جيدة جدا. فمن يعمل في أفريقيا يمكنه الحصول على 4.000 دولار في الشهر.

وحققت الشركة أموالا كبيرة رغم أنها أرسلت مرتزقتها للقيام بمهام تهدف لخدمة مصالح بوتين الجيوسياسية. وتدفع الدول التي يخدمون فيها رواتبهم كما في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى. وفي بعض الأحيان يتم شمل “حلاوة” في الصفقة من خلال منح الشركة السيطرة على مناجم الذهب والماس، وأحيانا الشركات المرتبطة بالداعم الأكبر لها وهو يفغيني بريغوجين.

وفي سوريا حصل بريغوجين على صفقة في حقول النفط، أما في مالي، فقد حصل على 10 ملايين دولار في الشهر. وبدا بريغوجين أحيانا على علاقة متوترة مع المسؤولين الروس، بمن فيهم وزير الدفاع سيرغي شويغو. وفي عام 2018 قتلت غارات جوية أمريكية 200 مرتزق هاجموا موقعا كرديا تدعمه أمريكا في دير الزور. ويقال إن الجيش الروسي فعل القليل لتجنب المذبحة، إلا أن الشركة تعافت من تلك النكسة، وهذا راجع إلى علاقة بريغوجين القوية مع الكرملين. وسُجن بريغوجين أثناء الفترة السوفييتية. وبعد إطلاق سراحه، فتح كشكا لبيع النقانق في سانت بطرسبرغ. ونوّع بعد هذه البداية المتواضعة مطاعمَه في المدينة التي جذبت النخبة.

وبعد وصول بوتين إلى السلطة عام 2000، بدأ بإحضار الضيوف المهمين إلى مطاعم بريغوجين. وتناول جورج دبليو بوش فطيرة كبد البط والكافيار الأسود والفطر في مطعم “نيو أيلاند” أحد مطاعم بريغوجين. وتبع ذلك عقود مع بريغوجين لتزويد الجيش بوجبات الطعام. ثم تم تكليفه بمهام أكثر خطورة بما فيها مجموعة المرتزقة التي أصبحت تعرف بفاغنر وعمليات تخريب على الإنترنت وتعرف باسم “وكالة بحث الإنترنت” والتي أدانها روبرت مولر في تقريره حول التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية عام 2016.

وتشير المجلة إلى أن الارباح التي حققتها الشركة تخفي وراءها سجلا فيه الفشل والنجاح. وخدمت الشركة طموحات بوتين في دونباس عام 2014. وفي سوريا لعب المرتزقة دورا مهما في استعادة  مدينة تدمر بشكل ساعد على بقاء بشار الأسد في السلطة. وفي عام 2019، تم الاستعانة بفاغنر لقتال الجهاديين في موزمبيق، إلا أن مقاتليها تراجعوا بعد خسارتهم سبعة عناصر.

وفي ليبيا قاتل حوالي ألف مرتزق روسي إلى جانب خليفة حفتر، الجنرال المتمرد. وفشلوا في الإطاحة بالحكومة في طرابلس، واتُهموا بارتكاب جرائم حرب بما في ذلك قتل المدنيين. وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، يدعم حوالي 2.000 مرتزق الرئيس فوستين أرشانح توديرا، لكنهم لم يستطيعوا القضاء على المتمردين الساعين للإطاحة به.

وفي الأشهر الستة الأخيرة، وصل حوالي 1.000 مرتزق من فاغنر إلى مالي. واتهمهم تقرير للأمم المتحدة بالمشاركة مع القوات المالية بسكب الكاز على 30 شخصا وحرقهم أحياء، في وقت استمر الجهاديون بالتقدم في تلك الدولة الأفريقية.

وظهرت التقارير عن وصول المرتزقة إلى أوكرانيا بعد  أيام من الغزو. وقال المسؤولون الأمنيون، إن المرتزقة أُرسلوا لاغتيال  الرئيس فولدومير زيلينسكي وغيره من المسؤولين البارزين. ومع ذلك، لا توجد تقارير تؤكد هذه المزاعم. ويرى المحللون أن استخدام المرتزقة في عملية حساسة غير محتمل.

ولم يظهر المرتزقة في المعارك إلى جانب الوحدات الروسية التي غزت أوكرانيا من بيلاروسيا وروسيا والقرم. وتم نقلهم بدلا من ذلك إلى مناطق في دونيستك ولوغانسك المحتلتين من أجل تقوية وحدات الانفصالييين. وقالت وزارة الدفاع البريطانية، إنها تتوقع نشر فاغنر حوالي 2000 من المرتزقة في شرق أوكرانيا. ويبدو أن الذين يتوجهون إلى أوكرانيا ليسوا من القوات الأساسية لفاغنر، ولكن من وحدة أعدت خصيصا لهذه الغرض.

وقال إيليا برانوف، الصحافي الروسي: “إنهم يستخدمون بنى فاغنر القديمة- القاعدة وقنوات التجنيد. لكن ليس هذا ما اعتدنا على تسميته فاغنر”. ولجأت روسيا إلى تجنيد رجال من مناطق أخرى مثل سوريا ممن قاتلوا في الماضي مع فاغنر. وزعم شويغو، وزير الدفاع الروسي، أن هناك 16 ألف متطوع من الشرق الأوسط.

وتشير المجلة إلى فيديو من جمهورية أفريقيا الوسطى يظهر مسلحين أفارقة عبّروا عن رغبتهم بالذهاب إلى أوكرانيا والقتال إلى جانب روسيا. ولا يوجد ما يشير إلى أن أحدا منهم سافر إلى هناك. ومعظهم لا يبدون مندفعين من أجل قضية. وربما تعرض بعضهم للضغوط من أجل الذهاب إلى للقتال، كما حدث عندما أرسلت روسيا السوريين لدعم خليفة حفتر في ليبيا.

وخلال عقد الحرب الأهلية، أظهر الجنود السوريون شهية لسرقة الأجهزة الكهربائية وبيع المخدرات أكثر من القتال. وتعتقد المخابرات الغربية، أن بعض مرتزقة فاغنر غادروا ليبيا وعدد أقل من جمهورية أفريقيا الوسطى. ولكن إعادة نشرهم تبدو محدودة في الوقت الحالي. وبالتأكيد أرسلت فاغنر مرتزقة إلى مالي بعد حرب أوكرانيا بحيث وصل العدد إلى ألف عنصر.

ويقول مسؤول فرنسي: “نعتقد أنه لن يكون هناك أثر على عمليات إعادة الانتشار في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى”. وحتى لو وصل مزيد من المرتزقة إلى أوكرانيا، فسجلّهم يشير إلى أن أثرهم لن يسهم كثيرا في زخم النزاع أكثر من زيادة جرائم الحرب.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي