
بعد أسابيع من عودته من روسيا بسبب العقوبات التي فرضها الغرب على موسكو جراء غزوها أوكرانيا، استبدل إمام علي سافاروف أدوات البناء الخاصة به بكاميرا لتصوير الفيديو وعاد إلى وظيفته القديمة كصحافي في دوشانبي عاصمة طاجيكستان.
لم يخطط بعد لخطواته التالية، لكن في الوقت الحالي يشعر سافاروف البالغ 24 عاما بالارتياح حين يستعيد المواطن الطاجيكي خروجه السريع من روسيا، بعد يومين فقط من بدء الحرب مع أوكرانيا في 24 شباط/فبراير.
وقال سافاروف خلال تصويره رياضيين بارالمبيين في دوشانبي من أجل منفذ إخباري "كنت أتحدث إلى المهاجرين الذين يعملون في روسيا منذ 30 عاما. أخبروني بأنه من المستحيل مقارنة روسيا اليوم بروسيا من قبل. الوضع سيّئ جدا. أصبح العمل صعبا جدا".
يواجه مئات الآلاف من مواطني الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى خيارات مماثلة: تقلص فرص العمل في روسيا مع أجور بالروبل الذي هبطت قيمته، مقابل العودة إلى الوطن حيث يملكون منازل عائلية لكن فرص العمل أقل حتى.
إلا أن الحال لم تكن كذلك.
وأدى النمو الاقتصادي المستمر لروسيا خلال أول ولايتين للرئيس فلاديمير بوتين، مدفوعا بارتفاع أسعار الطاقة، إلى فتح طريق أمام موجة من الهجرة من دول مثل طاجيكستان حيث عادة ما تعادل التحويلات الخارجية ما بين ربع وخمسي الناتج المحلي الإجمالي.
لكن الانتكاسات الاقتصادية المتتالية، خصوصا الضربة المزدوجة للعقوبات الغربية على الهجوم الأول للكرملين على أوكرانيا في العام 2014 وانهيار أسعار النفط، أدت إلى تضييق هوامش ربح العمال الاجانب الذين يرسلون الاموال إلى عائلاتهم في الوطن.
ومنذ دخول القوات الروسية أوكرانيا، انخفضت قيمة الروبل بحوالى الخُمس مع توقع محللين غربيين انكماشا اقتصاديا يتراوح بين 5 و10 في المئة هذا العام مع استمرار الركود في العام 2023.
وتوقع البنك الدولي في آذار/مارس أن تنخفض القيمة الفعلية للتحويلات المرسلة إلى طاجيكستان بنسبة 22 في المئة هذا العام، ملغيا توقعاته قبل الغزو التي كانت تتمثل بزيادة 2 في المئة.
وقال سافاروف لوكالة فرانس برس "نحتاج الى التوقف عن الذهاب الى روسيا بحثا عن عمل. نحن في حاجة الى ايجاد سبيل للعمل في أوروبا".
- انخفاض التحويلات -
تعتبر طاجيكستان التي تسكنها أغلبية مسلمة ويبلغ عدد سكانها 9,5 ملايين نسمة، الأفقر من بين 15 جمهورية استقلت عن الاتحاد السوفياتي في التسعينات.
ويبلغ متوسط الرواتب الشهرية حوالى 100 دولار.
ومن خلال كسب ما يصل إلى 700 دولار شهريا كعامل في مواقع بناء في موسكو وفي شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا قبل الغزو الحالي، كان سافاروف يرسل ثلث هذا المبلغ إلى زوجته وطفلهما.
لكنّ نساء تجمعن خارج أحد المصارف وسط دوشانبي في وقت سابق من الشهر الجاري، أخبرن وكالة فرانس برس بأن التحويلات النقدية التي يرسلها أزواجهن أو أبناؤهن من روسيا تتراجع.
وقالت نرجس محمدوفا (44 عاما) التي تتلقى تحويلات من ابنها الذي يعمل عامل توصيل في منطقة موسكو "لقد انخفضت بنسبة 10 إلى 20 في المئة".
وروت من جانبها زلفية أمينوفا (52 عاما) "يقول ابني إن الوضع هناك يزداد سوءا. في يوم يوجد عمل وفي اليوم التالي لا يوجد".
- "مصدر قلق كبير" -
وفق بيانات البنك الدولي، يعتمد اقتصاد قرغيزستان المجاورة بشكل أكبر على التحويلات من روسيا والتي شكلت 80 في المئة من إجمالي المبالغ التي تلقاها هذا البلد خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2021 مقارنة بنسبة 58 في المئة لطاجيكستان.
وتثير التوقعات الأولية للبنك الدولي التي تفيد أن قيمة التحويلات بالدولار قد تنخفض بمقدار الثلث في قرغيزستان هذا العام، قلق صناع السياسات في هذه الدولة الجبلية التي تعتمد على الاستيراد والتي يبلغ عدد سكانها أقل من سبعة ملايين نسمة.
عادت تشيناركان سيديكوفا، وهي عضو بارز في جمعية مغتربين قرغيزية في مدينة نوفوسيبيرسك الروسية في سيبيريا، إلى العاصمة القرغيزية بشكيك لرعاية أحد أفراد عائلتها.
وقالت لوكالة فرانس برس إن مواطنين من قرغيزستان ما زالوا في روسيا يتصلون بها بشكل متواصل لسؤالها عن سبل للعودة إلى الوطن والعثور على عمل.
وحذّرت هذه المرأة البالغة 51 عاما من أن العقوبات الغربية ستؤثر بشدة على قرغيزستان بسبب انتشار العمال القرغيزيين في قطاعات البيع بالتجزئة والضيافة في المدن الروسية الكبرى حيث أوقفت علامات تجارية شهيرة مثل مكدونالدز عملياتها.
وقالت سيديكوفا "هناك أكثر من مئة ألف شخص عاطل عن العمل هنا (في قرغيزستان). إذا عاد (المهاجرون)، أين سيعملون، كيف سيطعمون عائلاتهم؟ هذا مصدر قلق كبير".