أخطاء كارثية وقعت ..ميديا بارت: دفع روسيا لحرب لا تستطيع الانتصار فيها.. أخطاء بوتين الأربعة الفادحة

ميديابارت
2022-03-29

انفجار في محطة نووية في اوكرانيا (الصورة عن موقع المحطة)بعد شهر من هجوم الجيش الروسي على أوكرانيا، يبدو من خلال "ضباب الحرب" أن الرئيس فلاديمير بوتين قد فشل وأن إستراتيجيته كانت كارثية، كما يتضح يوما بعد يوم أنه لم يعد خطة بديلة، وأنه مثل معظم الدكتاتوريين لم يساوره الشك لحظة في قدراته، ولم يتخيل أن الواقع يمكن أن يقاوم إرادته، وأن التفوق العسكري الهائل الذي يتمتع به يمكن أن يخونه، ولذلك فهو الآن المسؤول الوحيد عن فشل المشروع.

بهذه المقدمة، افتتح رينيه باكمان بموقع ميديا بارت (Mediapart) الفرنسي مقاله، مستعرضا فيه قول مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية إن بوتين استند في تحليله الإستراتيجي إلى 4 نقاط رئيسية، وإلى تقييمات تبين أنها خاطئة، قبل أن يدفع بلاده لحرب لا يستطيع الانتصار فيها، وهو الآن يسعى إلى إيجاد مخرج من الأزمة.

وإذا صح ما يعتقد مدير الموساد السابق إفرايم هاليفي من أن "تهديد بوتين باللجوء إلى الأسلحة النووية يكشف عن محنته وإذلاله وغضبه من الضرر الهائل الذي لحق بهيبته في الداخل والخارج" فإننا -يقول الكاتب- نتفهم لماذا يقوم بعض مستشاريه ودبلوماسييه منذ عدة أيام باختبار الصيغ لطريقة مقبولة للخروج من الأزمة، ولماذا أعلن طاقمه يوم الجمعة أنه "سيركز الآن الجزء الأكبر من الجهود على الهدف الرئيسي: تحرير دونباس".

إنه الانسحاب الذي تحاول هيئة الأركان العامة جاهدة تقديمه كنوع من الانتصار من خلال تحديد أن "القدرات القتالية للقوات الأوكرانية قد تقلصت بشكل كبير" إضافة إلى تعزيز حصار ماريوبول، ومضاعفة الهجمات الصغيرة في منطقة كييف وضرب محيط "لفيف" وكأنه من الضروري إثبات أن الحرب مستمرة رغم كل شيء، ربما لتعزيز بعض المواقف في ضوء مفاوضات وقف النار المحتملة.

لكن واقع ساحة المعركة وتوازن القوى السياسي والدبلوماسي لا يرحم -كما يرى الكاتب- فعلى الرغم من الضربات الجوية والصاروخية والمدفعية الروسية الضخمة التي زرعت الدمار والموت والرعب، وحولت 10 ملايين أوكراني إلى لاجئين في الخارج، أو نازحين في الداخل، لم يتحقق أي من الأهداف التي رسمها بوتين لجيشه، وأطلق من أجلها 150 ألف جندي أو تزيد لمهاجمة "الدولة الشقيقة" السابقة.

فقد كان بوتين، من خلال دعوة قادة الجيش الأوكراني للتمرد على زعمائه والاستيلاء على السلطة، يريد الحصول خلال أيام أو ساعات على سيطرة كاملة على الدولة وعاصمتها، حتى إنه بدا مقتنعا بأن بإمكانه بعد ذلك إجبار رئيس الدولة والحكومة أو القادة الجدد، الذين يعينهم الجيش الروسي، على تعديل الدستور لإعلان حياد أوكرانيا، وقبول نزع سلاحها، والاعتراف بأن شبه جزيرة القرم أراض روسية، واستقلال الجمهوريات الانفصالية دونيتسك ولوهانسك.

قوات روسية داخل اوكرانيا (ا ف ب)

ورأى الكاتب أن الأوكرانيين باتحادهم وراء رئيسهم فولوديمير زيلينسكي، الذي أصبح أمير حرب وبطلا قوميا، أظهروا -بمساعدة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلف الناتو والأمم المتحدة- مقاومة بارعة وشجاعة، واكتشفوا خلال أيام قليلة نقاط ضعف آلة الحرب الروسية الهائلة واستغلوا ذلك بمهارة وكفاءة مدهشة، في حين بقيت قوات الغزو مشلولة بسبب الخدمات اللوجستية المعيبة وشبكة الاتصالات العتيقة، والتشتت الذي فرق جهودها على أكثر من 10 أهداف، تخلت عن معظمها.

خسائر غير مسبوقة
يرى الكاتب أنه من غير المحتمل أن يعترف بوتين بمسؤوليته عن هذه الكارثة الإستراتيجية التي أغرقت روسيا في عزلة دبلوماسية غير مسبوقة وألقت باقتصادها في أزمة تاريخية، لأنه ما زال يكرر أن "كل شيء يسير وفقا للخطة" مع أن كل شيء لا يسير وفقا للخطة، حسب المحلل العسكري الروسي بافيل لوزين الذي يقول "العكس تماما هو الذي يحدث" والدليل إقالة الجنرال يرشوف الذي كان من المفترض أن يستولي على خاركيف، وإلقاء القبض على رئيس جهاز المخابرات المسؤول عن تجنيد العملاء في أوكرانيا وعلى نائبه، حتى إن وزير الدفاع سيرغي شويغو القريب من بوتين بدا أنه يواجه صعوبات.

وتساءل الكاتب: كيف يمكن أن يشرع رئيس دولة -يتم تصويره في كثير من الأحيان على أنه صانع قرار يحسب أموره ويوازن بين جميع خياراته بحذر شديد- في مغامرة كارثية على نفسه وعلى بلده، مغامرة يسعى اليوم، دون أن يعترف بذلك، للخروج منها؟ ليأخذ الرد من شهادته وليام بيرنز (مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية) أمام لجنة المخابرات بمجلس النواب، وهو الخبير بعالم بوتين بعد أن شغل منصب سفير في روسيا من عام 2005 إلى 2008.

يرد بيرنز على هذا السؤال بدقة ويلقي ضوءا مقلقا، ليس فقط على شخصية الرئيس الروسي ولكن أيضًا على طبيعة وعمل السلطة، فهو يرى أن بوتين مصمم منذ سنوات على الهيمنة والسيطرة على أوكرانيا، وقد دخل الحرب مقتنعا أن بلاده في وضع مناسب، وأوكرانيا في نظره ضعيفة ويمكن ترهيبها بسهولة، والدول الأوروبية التي يمكن أن تساعدها لديها مخاوف أخرى، فألمانيا مشغولة بخلافة المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، وفرنسا منتصف الحملة الانتخابية، وبالتالي فإن الوقت المثالي.

تقييمات بوتين كانت خاطئة تماما في 4 نقاط أساسية:
أولا- اعتقد بوتين أن الجيش الروسي -الذي استفاد من تحديث جدي منذ حرب 2008 في جورجيا- أصبح أكثر حداثة واحترافية، إلا أن ذلك لم يكن صحيحا، بحيث يبدو أن موسكو لم تتخلص بعد من التراث السوفياتي، والمعلومات المتفائلة من الميدان ليست صحيحة دائما.

ثانيا- كان يرى أن الجيش الروسي سيحتل كييف في غضون 48 ساعة وأن أوكرانيا لن تقدم سوى مقاومة عسكرية ومدنية ضعيفة للغاية، وهو ما ثبت عكسه.

ثالثا- كان لديه قناعة بأن الرئيس الأوكراني سيهرب لينقذ نفسه، بل لم تتحقق خطته القائمة على إرسال كوماندوز من القوات الخاصة الشيشانية لاغتيال زيلينسكي بل أثبتت أنها كارثية، لأن أجهزة الاستخبارات الأوكرانية أثبتت فعاليتها الكبيرة، وتم إحباط عدة محاولات للهجوم على الرئيس وتم القبض على عدد من أعضاء الكوماندوز أو قتلهم.

رابعا- كان بوتين يرى، بالنظر إلى العقوبات المتواضعة التي فرضها الغرب بعد القتال في دونباس واحتلال شبه جزيرة القرم، أن الاحتياطيات المالية التي راكمها ستسمح له بمواجهة أزمة مماثلة، لأنه لم يكن يتوقع أن يأخذ الصراع بعدا جديدا بالكامل، كما أنه لم يتوقع تجميد مئات المليارات من احتياطيات النقد الأجنبي في الخارج وما سيلحقه ذلك بالاقتصاد الروسي من الضرر، ولم يعتقد بوتين أن الرئيس الأميركي وزعماء الاتحاد الأوروبي سيتفقون بسهولة على العمل معا في مواجهة موسكو، بل كان يظن أن بايدن سيتسامح مع غزو روسيا العسكري لجزء صغير من أوكرانيا.

 الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال خطاب تلفزيوني في 21 فبراير 2022 في موسكو (ا ف ب)

مجرد خدعة
أما الآن وقد جر بلاده إلى حرب لا تستطيع الانتصار فيها، ودمرها بسبب طموحاته الإمبريالية وتقديراتها المضللة، فماذا يستطيع بوتين أن يفعل؟ فهل سيستمر، محاولا ثني البلدان الصديقة لأوكرانيا عن زيادة مساعدتها عن طريق التهديد بالأسلحة النووية التكتيكية؟ -تتساءل الصحيفة- لترد بأن مسؤولي المخابرات الأميركية الذين رافقوا بيرنز أثناء جلسة الاستماع لا يبدو أنهم قلقون من هذه الفرضية، بل إن أحدهم أكد أن بوتين ليس مجنونا وأنه محاور عقلاني قاس، ولكنه ليس مضطربا نفسيا.

وعندما أعلن بوتين حالة تأهب قواته النووية، قال أفريل هينز (مدير المخابرات الوطنية المسؤول عن تنسيق نشاط الأجهزة العشرين للولايات المتحدة) إنهم لم يلاحظوا أي علامة على نشاط أو تعبئة للوحدات المعنية، مفسرا ذلك بأن إعلان بوتين مجرد خدعة مصممة لثني الغربيين عن زيادة مساعدتهم لأوكرانيا.

وفي إسرائيل، التي تمارس لعبة معقدة في مواجهة هذه الأزمة لما يريده الجيش من الحفاظ على "التنسيق التكتيكي" مع الروس في سماء سوريا، ويخشاه الدبلوماسيون من إغضاب الحليف الأميركي، يُعتقد أن بوتين يبحث عن طريق هروب يسمح له بعدم فقدان ماء الوجه، وهم بالتالي لا يستبعدون إمكانية العمل وسطاء، لكنهم أشاروا إلى أن الرئيس الروسي كان يضاعف الإشارات المتناقضة مؤخرا.

وخلص الكاتب إلى أنه قد يكون للدبلوماسية دور تلعبه في هذا الصراع، ولكن بشرط الابتعاد عن "القرارات المتهورة والأخطاء الإستراتيجية" وقبل كل شيء بشرط اقتراح حل مقبول لدى الطرفين قبل أن يتمكن بوتين من فرض مشروعه الخاص: دولة مقسمة على غرار كوريا التي شهدت بعد تقسيمها 3 سنوات حربا.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي