سان فرانسيسكو - تعكف مؤسسة "ماكس بلانك" البحثية في ألمانيا على تنفيذ برنامج علمي لتتبع حركة الحيوانات في شتى بقاع الأرض من خلال كمبيوتر في الفضاء. ويطلق على هذا البرنامج اسم "منظومة التعاون الدولي لأبحاث الحيوان عبر الفضاء" ويشتهر باسم "إيكاروس".
ويهدف هذا البرنامج إلى تتبع سلوكيات ومسارات الهجرة للطيور والخفافيش والسلاحف البحرية والدببة والفهود والنمور وغيرها من الكائنات الحية. ويعتمد على مجموعة من وحدات الاستشعار التي تثبت في أجسام الحيوانات وتستخدم لبث إشارات لاسلكية إلى هوائيات خاصة ببرنامج إيكاروس مثبتة في المحطة الفضائية الدولية.
ويتمثل الهدف النهائي من هذا البرنامج في ابتكار ما يطلق عليه اسم "انترنت الحيوان" بحيث يستطيع الباحثون من خلاله التعرف على التغيرات التي تطرأ على الأنظمة البيئية وقت حدوثها ومدى تأثيرها على الحيوانات. ويتم استقاء هذه المعلومات من خلال حصر البيانات التي تصدر من وحدات الاستشعار جنبا إلى جنب مع ما يتوافر من معلومات بشأن سلوكيات الحيوان في البيئات الطبيعية والفصول المختلفة.
وعلى سبيل المثال، يمكن من خلال المنظومة الجديدة تتبع نسق تغيير الأراضي الرطبة والمستنقعات في منطقة ما عن طريق متابعة حركة الطيور البحرية في نفس المنطقة، أو تتبع حركة ذوبان الجليد عن طريق هجرات الأوز البري، أو متابعة موجة تفشي مرض معين عن طريق مسارات حركة الخفافيش في أفريقيا. ويستطيع الباحثون أيضا من خلال نفس المنظومة متابعة نشاط ثوران بركان في موقع معين عن طريق مراقبة السلوكيات غير المعتادة للحيوانات في المنطقة المحيطة بالبركان.
ونقل الموقع الإلكتروني "بوبيولار ساينس" المتخصص في العلوم عن الباحث مارتن ويكيلسكي المتخصص في سلوكيات الحيوان بمؤسسة ماكس بلانك قوله: "إننا نستخدم الحيوانات وحواسها المختلفة، وبخاصة الحواس التفاعلية، كأداة لفهم مجريات الأحداث".
وشرح الفريق البحثي أبعاد المنظومة الجديدة في الدورية العلمية "ترندز أن يكولوجي أند أيفوليوشن"، حيث أوضحوا طبيعة البيانات التي يمكن الحصول عليها من خلال هذه المنظومة وسبل الاستفادة منها، وكذك الخطوات المستقبلية لتطوير هذه الفكرة.
وفي إطار الاستعدادات الميدانية لتفعيل البرنامج، قام فريق من الباحثين والمتطوعين بتثبيت وحدات استشعار دقيقة الحجم على أجسام مجموعة متنوعة من فصائل الحيوانات والطيور. وتحتوي وحدات الاستشعار على أجهزة تتبع تعمل عبر منظومة تحديد المواقع العالمية (جي.بي.إس). ولا يزيد وزن هذه الوحدات عن عدة جرامات وتعمل ببطاريات ليثيوم ويمكنها قياس اتجاهات الحركة والسرعة ودرجات الحرارة والرطوبة والضغط الجوي في البيئة المحيطة بالحيوان. ويمكن شحن هذه البطاريات بواسطة خلية شمسية مغلفة بإطار من البلاستيك ومثبتة أعلى الجهاز. ويحتوي الجهاز أيضا على هوائيين، أحدهما لبث الإرسال اللاسلكي والثاني للاتصال بمنظومة تحديد المواقع.
وتقوم وحدات الاستشعار ببث البيانات التي تخزنها في كل مرة تكون فيها داخل نطاق الارسال إلى المحطة الفضائية الدولية. وفي العادة لا يزيد حجم حزمة البيانات المرسلة عن 220 بايت، ولا يستغرق إرسالها أكثر من ثلاث إلى خمس ثواني. ويقوم جهاز كمبيوتر في المحطة الفضائية الدولية بجمع هذه البيانات ومعالجتها ثم إرسالها إلى مركز مراقبة أرضى والذي يقوم بدوره بتحويلها إلى فريق الباحثين العاملين في مشروع إيكاروس لدى معهد سلوكيات الحيوان التابع لمؤسسة ماكس بلانك والذي يتم تمويله بواسطة وكالة علوم الفضاء والطيران الأمريكية (ناسا) والمؤسسة الوطنية للعلوم.
وقد تم تجهيز وحدات الاستشعار بنظام اتصالات يعمل على مسارين بحيث يمكن إعادة برمجة هذه الأجهزة عن بعد، وهو ما يجعل آلية جمع البيانات أكثر كفاءة، نظرا لأن الكمبيوتر في المحطة الفضائية الدولية لا يكتفي بتلقي المعلومات التي تصدر عن أجهزة الاستشعار، بل يمكنه أيضا إبلاغها بطبيعة البيانات المطلوب جمعها في كل مرحلة من مراحل البحث.
ومن مزايا منظومة إيكاروس أنها تحتوي على ذراع علمي لمخاطبة عامة الناس، من خلال تطبيق إلكتروني مجاني لتتبع حركة الحيوان، ويستطيع مستخدم هذا التطبيق توثيق الملاحظات الخاصة بسلوكيات الحيوانات وتحميل الصور التي يطلع عليها الباحثون من خلال قاعدة بيانات يطلق عليها اسم "موف بنك".
وفي الوقت الحالي، يجمع مركز ماكس بلانك ييل التبرعات لشراء المزيد من وحدات الاستشعار، التي تبلغ تكلفة الواحدة منها نحو 300 دولار. ويتمثل الهدف طويل المدى للمشروع في بناء شبكة تتبع تضم زهاء 100 ألف حيوان من 500 فصيلة مختلفة من الثدييات والطيور والزواحف بحيث يمكنها بث البيانات كل نصف ساعة.
ويعمل فريق إيكاروس حاليا على ابتكار حلول تقنية بشأن الاتصال الفضائي بالمنظومة بالتعاون مع وكالة ناسا وغيرها من الهيئات المعنية بأبحاث الفضاء، ومن المقرر في المستقبل دمج منظومة إيكاروس مع مشروع "جريس واحد" للأبحاث البيئية بالتعاون مع ناسا ومؤسسة هيلموتز البحثية وجمعية ماكس بلانك التي سيتم اطلاقها مطلع 2027.
ويقول ويكيلسكي: "نستطيع الآن أن نبدأ بجيل جديد تماما من الأجهزة الإلكترونية، ويمكننا الاستفادة من تجاربنا لجعل المنظومة الجديدة تعمل بشكل أفضل كثيرا".