لوموند: خطوط واشنطن الحمراء تعيق تحركاتها في مواجهة موسكو

2022-03-24

الرئيس الأمريكي جو بايدن (أ ف ب)

قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية، إن القوة العسكرية الأولى في العالم أصبحت حذرة، بل كثيرة الحساسية من فكرة العلميات  الخارجية.

تلك هي المفارقة الأمريكية التي أكدتها الحرب في أوكرانيا. صحيح أن الغزو الروسي قد عزز من توحيد صفوف الحلف الأطلسي، كما يفترض أن توضحه زيارة جو بايدن هذا الخميس إلى بروكسل. فقد زادت القوة البشرية الأمريكية في أوروبا من 80 ألف إلى 100 ألف جندي. لكن الناتو لا يتصور أي موقف غير دفاعي، بخلاف تزويد الأوكرانيين بالسلاح، لتجنب امتداد الصراع.

وأضافت “لوموند” أنه من دون أي مفاجأة أن ترفض إدارة بايدن أي اقتراح بالتراجع أو عدم الاكتراث، بحجة دورها الرائد في التعبئة الدولية لمعاقبة روسيا ومساعدة كييف. ومع ذلك، فإن مفارقة القوة المقيدة هذه، التي تغذيها المغامرات العسكرية الكارثية في أفغانستان والعراق، هي عامل مهم في استمرار الحرب في أوكرانيا.

وتابعت “لوموند” القول إن الولايات المتحدة تتساءل منذ فترة طويلة بشأن التوتر بين مصالحها الإستراتيجية ومهتما العالمية كزعيم للكتلة الغربية. في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1995، ألقى بيل كلينتون خطابا مهيبا في البيت الأبيض، يتردد صداه بقوة اليوم، لتبرير مشاركة بلاده العسكرية في تنفيذ اتفاقيات دايتون بين البوسنة والهرسك وكرواتيا وصربيا، والتي كان يفترض أن تضع حداً لحرب استمرت ثلاثة أعوام ونصف في قلب أوروبا، وتسببت في مقتل 100 ألف شخص. فلطالما رفضت الولايات المتحدة التدخل خوفًا من المستنقع. في ذلك اليوم من تشرين الثاني/ نوفمبر، حاول بيل كلينتون “توليفة معقدة” مفادها أن بلاده لا ينبغي لها أن تكون شرطيَ العالم، ووقف جميع الحروب في كل وقت، لكن يمكنها إيقاف بعضها. وفي سبتمبر/ أيلول 2013، تبنى باراك أوباما هذه الصيغة بالضبط، لتبرير رفضه معاقبة النظام السوري على استخدامه الأسلحة الكيماوية: “أمريكا ليست شرطي العالم”.

ومضت “لوموند” إلى التوضيح أن البيت الأبيض يجد نفسه تحت ضغوط متعددة ومتناقضة في بعض الأحيان تتعلق في كيفية إبراز القوة دون استخدامها. وإدراكا منه لهذا التحدي، فإن جو بايدن يستثمر، بحيث سيشارك هذا الخميس في القمة الاستثنائية لحلف شمال الأطلسي، وقمة زعماء مجموعة السبع وأخيراً قمة الاتحاد الأوروبي. وقد حذرت جين بساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، بشأن هذا اليوم الدبلوماسي غير العادي، قائلة: “كلوا حبوبكم، كلوا السبانخ”. وسيكون الاعتماد الأوروبي في مجال الطاقة على روسيا وتوسيع العقوبات الغربية في قلب المناقشات. ويوم الجمعة، سيتوجه جو بايدن إلى بولندا، حيث سيلتقي على وجه الخصوص بالجنود الأمريكيين المتمركزين هناك.

هذه الخطوات يفترض أن تعمل  على ترسيخ صورة جبهة عبر الأطلسي موحدة في مواجهة العدوان الروسي. وقد حذر مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان يوم الثلاثاء من أن “هذه الحرب لن تنتهي بسهولة أو بسرعة”. يتم تعبئة الحلفاء لمساعدة الملايين من المدنيين على الطرق وتزويد القوات الأوكرانية بالسلاح (1.2 مليار دولار في عام واحد من الجانب الأمريكي).

تقييد الذات

يبدو أن الولايات المتحدة مكتفية بهذا الأمر، ومتحولة إلى تقييد الذات، حيث لم يتوقف الأمريكيون عن التشديد على ما يرفضون القيام به: “شن حرب مباشرة ضد روسيا من خلال نشر القوات في أوكرانيا، أو فرض منطقة حظر طيران في سماء أوكرانيا، أو فرض خط أحمر على استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل القوات الروسية”.

يلخص أغلايا سنيتكوف، الأستاذ في يونيفرسيتي كوليدج لندن، إلى القول: “الأمريكيون يصدرون خطوطا حمراء لأنفسهم، وليس للروس”.

فعلى الرغم من أن بايدن يخصص الكثير من الوقت لهذه الأزمة، إلا أنها تمثل قضية جانبية للولايات المتحدة على عكس الأوروبيين، تقول “لوموند”، معتبرة أن استراتيجية الولايات المتحدة هي حصر الأزمة قدر الإمكان من وجهة نظر عسكرية وإنسانية فيما يتعلق بموجات الهجرة ، مع خلق جبهة دولية من حيث العقوبات التي تتراكم. وما يزال بإمكان الأوروبيين التركيز على عقود الطاقة، في وقت تنفد فيه الخيارات لدى الأمريكيين.

ما الذي يمكن أن لواشنطن أن تفعله بعد؟

اعتبرت “لوموند” أن المأزق مع بولندا بشأن طائرات ميغ -29 التي اقترحت وارسو نقلها إلى الأوكرانيين عبر الولايات المتحدة، أظهر الحسابات الأمريكية الحذرة. ولم يغير  الخطاب القوي عبر الفيديو عن بعد للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام الكونغرس، أي شيء. شدد  كورت فولكر، الممثل الخاص السابق للولايات المتحدة في أوكرانيا، قائلاً: “يجب أن نفعل المزيد فيما يتعلق بالدفاع الجوي. يجب أن نساعدهم في الحصول على طائرات Mig-29 وأن نوفر لهم المزيد من الطائرات بدون طيار المسلحة، بالإضافة إلى طائرات هجومية من نوع A-10. من مصلحة أمريكا إيقاف بوتين في أوكرانيا، وإلا فسيتعين القيام بذلك في مكان آخر في ظل ظروف أسوأ. بعد ذلك سيكون لدينا في أوكرانيا تمرد وأزمة هجرة رهيبة، وسيحاول بوتين زعزعة استقرار مولدوفا وجورجيا، ثم يطالب بنزع السلاح من دول البلطيق التي نحن ملتزمون بالدفاع عنها بموجب المعاهدة”.

القاسم المشترك الضعيف

تتابع “لوموند” أنه من المؤكد أن العقوبات الاقتصادية فاجأت روسيا بنطاقها وشدتها، لكنها لا تغير تصميم الكرملين في هذه المرحلة، خاصة وأن فعاليتها تعتمد على قدرة الغرب على منع التجاوزات وخفض عائدات الطاقة الروسية. علاوة على ذلك، فالغربيون لا يقدمون أي ضمانات لأولئك الذين لديهم آمال غير محتملة في ثورة القصر في موسكو.  يتابع كيرت فولكر قائلاً: “تعمل الوحدة عبر الأطلسي الحالية حول قاسم مشترك ضعيف. فكلما طال أمد الحرب، كلما طالب الرأي العام لدينا باتخاذ إجراء. نحن نشهد ذلك بالفعل في الولايات المتحدة، حيث تتزايد الدعوات بين الجمهوريين، ولكن أيضا بين الديمقراطيين للقيام بالمزيد. ومع ذلك، فإن بايدن ما يزال على الفرامل”.

على الصعيد الأمني ​-توضح ”لوموند”- يخشى البيت الأبيض من تصعيد يجبره على الدخول في الصراع. وحذر في 21 مارس/ آذار من خطر استخدام روسيا للأسلحة الكيماوية في أوكرانيا، فضلاً عن الهجمات الإلكترونية ضد البنى التحتية الأمريكية.  تم دعوة الموظفين الخاصين في القطاعات الحساسة إلى توخي المزيد من اليقظة.

أخيرا، هناك البعد النووي. فرغم الصعوبات التي شهدها على الأرض وخسائر غير مسبوقة منذ الحرب في أفغانستان (1979-1989) فإن لدى روسيا موارد، حيث تمثل قدراتها النووية ملاذاً محتملاً، بمجرد أن ينطلق النظام في اندفاع متهور وديكتاتوري بجنون العظمة لا يترك مجالاً واسعاً للتسوية.

على المستوى الدبلوماسي، فإن واشنطن على وشك القطيعة مع موسكو، وتقبل شكلاً من أشكال التعاقد من الباطن أو الاستعانة بمصادر خارجية في البحث عن حل تفاوضي. لا يستطيع فولوديمير زيلينسكي قبول اتفاق قائم على التنازل الأوكراني عن التضحيات التي قدمها شعبه. لكن كييف لا يمكنها إهمال أدنى باب دبلوماسي. فرنسا وإسرائيل وتركيا والفاتيكان وكذلك الصين: أي محاولة للوساطة مرحب بها. هذه هي الطريقة التي يجب أن نفهم بها الرسالة التي أرسلها وزير الخارجية دميترو كوليبا على تويتر في 21 مارس.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي