الدراما السورية تكافح وسط الأزمات لتلحق بموسم رمضان

أ ف ب - الأمة برس
2022-02-25

 الممثل السوري دريد لحام والممثلة السورية علا سعيد يحضّران لتصوير مشهد ضمن مسلسل "على قيد الحب" في العاصمة السورية دمشق في الثالث من شباط/فبراير 2022(ا ف ب)

تسابق عدسة المخرج السوري الشاب باسم سلكا عقارب الساعة كي يستطيع إنهاء مسلسله في أوانه قبل حلول الموسم الرمضاني السنوي بعد نحو شهرين، وسط ظروف معيشية تنعكس صعوبات جمة على صناعة الدراما في بلاده التي مزّقتها إحدى عشر سنة من الحرب.

في منزل وسط دمشق، يُعطي المخرج إشارة بدء مشهد جديد من مسلسل "على قيد الحب"، بعد تحضير استمرّ نصف ساعة تقريباً. ثم يقول بينما يراقبُ من غرفة أخرى مجريات التصوير من خلال شاشة، لوكالة فرانس برس، "أغلب المشاكل التي نعاني منها هي نفسها التي يُعاني منها كلّ الناس، مثل نقص الكهرباء والمحروقات التي تشغّل المولدات".

يطلب سلكا من فريق العمل تفقّد المولد الكهربائي الكبير الذي وُضع قرب موقع التصوير، وقربه عبوات مازوت بلاستيكية يتم تعبئة محتواها في المولد تباعا، فيما لا تهدأ حركة الفنيين والممثلين لإنجاز المشاهد من دون تباطؤ.

ويضيف سلكا "ليست الصعوبات اللوجستية ما نواجهه فحسب، بل فقدنا الكثير من الأيدي الخبيرة والممثلين المحترفين الذين سافروا تدريجاً خلال سنين الحرب".

وهاجر عشرات الممثلين والفنانين العاملين في حقلي الدراما التلفزيونية والسينما سوريا منذ بدء النزاع عام 2011، وازدادت أعدادهم في سنوات لاحقة، إما هرباً من ملاحقة أمنية بالنسبة للممثلين المعارضين، وإما بحثاً عن ظروف معيشية أفضل في بلدان الجوار أو في أوروبا.

ورغم تراجع وتيرة المعارك في البلاد حيث تسبب النزاع بمقتل نحو نصف مليون شخص وهجّر الملايين ودمّر البنى التحتية، لا تزال تعاني من ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة، مع تواصل انخفاض قيمة العملة المحلية.

وباتت غالبية السوريين تحت خط الفقر، وتفاقمت أزمات الكهرباء والمحروقات في الأشهر الماضية، مع وصول ساعات التقنين إلى نحو عشرين ساعة يومياً في بعض المناطق، بعدما استنزفت سنوات الحرب قطاعي الطاقة والكهرباء مع خروج أبرز حقول النفط والغاز عن سيطرة الحكومة السورية من جهة، وتضرّر محطات التوليد في المعارك من جهة أخرى.

 - كبوة درامية 

في مشهد لاحق، يجتمع الممثل دريد لحام وصديقه أسامة الروماني إلى جانب نجوم آخرين مثل سلوم حداد وصباح الجزائري ونادين خوري ووفاء موصللي.

يجلس الجميع في غرفة، ويراجع كلّ منهم مشهده. وتقول الممثلة وفاء موصللي بعد تنهيدة عميقة "هذه أصعب مرحلة تمرّ على الدراما السورية منذ تأسيسها (..) خسرنا الكثير خلال الحرب، ونخسر الكثير الآن جراء تداعياتها".

قبل بدء مشهد جديد، تستأذن موصللي للحظة، وتتصل بمنزلها للتأكد من وضع جميع البطاريات على أجهزة الشحن عند عودة التيار الكهربائي. تقول إنها تشعر "بمشاعر متناقضة" حين تُعرض عليها نصوص درامية. وتسأل بحيرة "لا نعلم ماذا نقدّم للمُشاهد، هل نقدّم له الواقع التراجيدي؟ أم الكوميديا المضحكة؟ هل يستطيع المُشاهد أن يضحك أصلاً بعد كل هذه الظروف؟".

ويتفق الممثل جلال شموط مع زميلته وفاء موصللي بأن "كبوة الدراما السورية الحالية هي الأقسى". ويعزو ذلك إلى الوضع العام الذي أرخى بظلاله على "مفاصل الحياة والدراما في وقت واحد". ويقول "نحن جزء لا ينفصل عن التركيبة العامة، من الاقتصاد إلى المجتمع والسياسة وكلّ شيء".

ويضيف "المرحلة التي نمرّ بها هي الأصعب برأيي، لكن الكبوة الحالية مرتبطة تماماً بالوضع الاقتصادي".

وحققت الدراما السورية قفزات نوعية خلال السنوات التي سبقت الحرب مباشرة، وساهمت بانتشار اللهجة السورية في معظم الدول العربية، لا سيما بعد استخدامها أيضاً في دبلجة المسلسلات التركية منذ عقد ونصف عقد.

واحتلت المسلسلات السورية مساحة مركزية في مواسم رمضان المتعاقبة على مختلف القنوات العربية.

غير أن الحرب التي عصفت في البلاد أثّرت عليها سلبا كمّا ونوعاً، لا سيما بعد مقاطعة شركات إنتاج عربية لشركات الإنتاج السورية الرسمية، وهجرة العديد من الممثلين والفنيين.

- "استديو طبيعي" -

 

وخلال سنوات الحرب، عمد مخرجون ومنتجون الى تصوير أعمال فنية في بلدان مجاورة "أكثرَ أماناً ، وإن عاد بعضهم للتصوير داخل سوريا، إلا أن الخيارات الجغرافية المُتاحة باتت أقل.

وتقول كاتبة السيناريو ومديرة شركة "إيمار الشام" للإنتاج ديانا جبّور "تمتعت سوريا بميزات جغرافية كثيرة قبل الحرب، جعلت منها استديو طبيعياً كبيراً (..) لدينا الغابة والبحر والجبل والصحراء وأي بيئة يحتاجها أي عمل درامي".

وتضيف "فقدنا التنوع الجغرافي الذي كان متاحاً أمام الدراما السورية بسبب الدمار الذي أصاب الكثير من المناطق".

وتروي جبور حكايات عن ممثلين وفنانين أصيبوا خلال سنوات الحرب، وعن "الخوف الذي كان يرافق أي عملية تصوير في المناطق التي شهدت معارك واشتباكات". وتضيف "ما يُصيب الدراما السورية هو ذاته ما يصيب أي مواطن سوري".

في غرفة خلفية مزدحمة بالملابس ومساحيق التجميل، يجمع مصمم المكياج أحمد حيدر أدوات التجميل المبعثرة ويحرصُ على إعادة كلّ منها الى علبته الخاصة. ويُشرف على حلة جميع الممثلين قبل الدخول إلى مشاهدهم. ويقول حيدر "نضطرّ أحياناً لتعديل نوعية المكياج لصعوبة استيراد المواد التي نريدها".

ويؤكّد حيدر أن المواد الأولية لمساحيق التجميل ليست "رفاهية كمالية" في العمل الدرامي، مُضيفا "نضطرّ أحياناً لتأجيل التصوير ريثما تصل المواد المطلوبة (..). الكاميرات الحالية عالية الدقة ولا يُمكن التساهل في احترام عقل المشاهد".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي