الشاعر والروائي اليمني الأمريكي عبد الناصر مجلي في حوار مع صحيفة الثقافية اليمنية

خدمة شبكة الأمة يرس الإخبارية
2010-03-01

-         أجد نفسي في كل ما أكتبه..  والشاعر ليس مبشرا ولا نبيا

-         تنكرنا لثقافتنا فتنكرت لنا ولا يجب أن نلوم الآخرين

-         المثقف العربي متهم حتى يثبت العكس

-         المبدع الحقيقي ذلك الذي لا يخلط ما بين معطيات الشخصي وصيرورات العام إلا بما يلبي حاجة النص من عدمها

-         الثقافة الأمريكية ثقافة كونية حسب تركيبية المجتمع الامريكي المنتج والمصدر لها، وصحيفة الأمة توقفت لأسباب مالية فقط

الوحدة اليمنية معطى حضاري عظيم لا يمكن التخلي عنه أو السماح للسفهاء بالتطاول عليه أو التشكيك في ثباته وتماسكه وقوته

 

((أكتب لي أنا عبد الناصر مجلي الإنسان الذي هو رقم من جملة أرقام تبلغ ستة مليارات اسم وليهمني التاريخ بقدر اهتمامي بك أنت هنا أم في أي مكان أخر علي ظاهر هذا الكوكب ))..هكذا يرى نفسه القاص والروائي والشاعر الزميل عبد الناصر مجلي رئيس تحرير شبكة الأمة برس الاخبارية _ حينما جلست اليه خلت نفسي بأني سأتحدث الى شخص عادي..بينما حين دار النقاش أذهلت كثيرا وكبر في نظري كثيرا..فهو شاعر بحجم الشاعر الحقيق وقاص وروائي بحجم نتاجه الابداعي المتميز وحفي صقلته الحياة بامتياز فأظهرت لنا عملاقا بحجم ثائر لا يشق له غبار.. يرى الواقع من منظاره ويعتلي صدر الحقيقة في ظل واقع مؤلم لا يقبل بالحقيقة بتاتا ولكنه مناضل ومكافح بحجم وطن.. يطالب بغرس الثقافة الوطنية في قلوب أبنائنا وهو معه حق في ذلك..كلام كثير قاله لايمكن اختصاره في كلمة ولكن السطور القادمة هي التي ستلبي الفضول وإشارات تحمل علامات الاستفهام لا يمكن التعبير عنها بمجرد شخبطة قلم..سندعكم مع التفاصيل فهي التي ستحكي واقع الحال وتلبي فضول القارئ اللبيب:

حوار: أنور العامري _عبده درويش  

• من أين تبدأ جغرافية عبد الناصر مجلي الإبداعية والى أين تنتهي؟
• >> بدأت هذه الجغرافية منذ استماعي للمرة الأولى لقصص و«حزاوي» القريبات المُسنات فللوهلة الأولى دهشتني دهشة عصية على الوصف والتعبير أثناء ما كنت اسبح في تلك العوالم المستحيلة التحقق لمخلوقات وكائنات تحمل أسماء نعرفها ونسمع بها وان كنا لا نراها، تلك الدهشة الأولى لمفهوم أو معنى القص الشفهي الذي كنت استمع إليه بكل جوارحي إلى درجة إحساسي إنني جزء من تلك العوالم السحرية الفاتنة التي لازلت اطرب لسماعها حتى يومنا هذا عند جلوسي مع واحدة من أولئك القريبات اللواتي يملكن أسلوبا مبهراً في السرد المباشر، واعترف الآن بإن إصراري على تعلم القراءة والكتابة في تلك السن المبكرة جداً قرابة الثلاث أو الأربع سنوات من العمر، كان بسبب طموحي  في تحويل ما اسمعه إلى شيء ملموس ومرأى عبر سطور حتى وان كانت سطوراً لا تكاد تقرأ هذا باختصار شديد قدر الامكان أما إلى أين تنتهي هذه الجغرافية فلا أستطيع الإجابة لأنني لازلت اسبح ضد تياراتها العاتية أي ربما في منطقة الوسط منها.

محطات واضحة

• الذي يقرأ نتاجك القصصي والروائي والشعري سيجد مثقفاً متمكنا عنده حسن عاليً بالإنسان وأقداره ، ومرارة  وقوة شديدتين في كتابة سيرته لماذا؟
• >>  الإنسان الذي تتحدث عنه هو في المحصلة النهائية أنا وأنت والآخرين بمعنى أنني لا اقصد التركيز على القوة والمرارة بقدر ما هي في الأصل جزر ليست معزولة في سيرته الحياتية أيا كانت بل محطات واضحة للعيان بقوة موجهة في المقام الأول تراه منصباً علي الإنسان وليس على قدره، وعند الدخول إلى عالمه بشكل محايد وعاقل نكتشف حجم هذا الدمار الذي يصليه، وهو ليس دمارا ًحياتيا بالضرورة، انه دمار الحراك النفسي والعضلي والمعنوي له الذي به ومن خلاله عرف وبأن هنا أتابع المشهد بعيداً عن صناعته بل إعادة تدويره وإخراجه بالشكل الذي يستحق قدر الامكان.
• ماذا تعني بـ «قدر الامكان»؟
• >> اعني في الميقات الذي ارى انه قد حان وقت خروجه للقارئ ذلك الخروج الذي عندما يقرئ لاحقاً تجد اي كاتب او مبدع يتمنى في نفسه لو انه طبعاً عند قراءته يعيد كتابة الموضوع مرة ثانية وثالثة...الخ، خصوصاً ان هذا المبدع او ذاك متشرط لجهة قناعته الكاملة بما انجز لذلك تراه يواصل الكتابة بنفس قدري وهذا ما لن يتحقق له وان اراد ذلك.

التجربة الحياتية

• هل للتجربة الحياتية العامة والخاصة اي اعتبار عندك حينما تبدأ الكتابة؟
• >> اكيد لكن السؤال بأي قدر تكون للتجربة الحياتية سواء كانت خاصة او عامة في التدخل في شؤون هذه التجربة من عدمها وهنا لابد من الاشارة الى ان المبدع بصفته انساناً في المقام الاول هو ابن بيئته وظروفه القريبة منه ام البعيدة وفي اعتقادي ان المبدع الحقيقي هو ذلك الذي لا يخلط ما بين معطيات الشخصي وصيرورات العام الا بما يلبي حاجة النص من عدمها.
• في الحقيقة ان السبب في توجيه هذا السؤال لك هي تلك القراءات والكتابات والاشارات التي تناولت بها اعمالك القصصية منذ العام 1989م وحتى العام 2005م وايضاً روايتك الذائعة الصيت لـ( رجال الثلج ) في القرائتين لاحظت الصاق الشخصي اعني كـ«عبدالناصر مجلي» الكاتب والقاص والروائي وربما الشاعر بنسبة ما، مع «عبدالناصر مجلي» الانسان المغترب والمهاجر؟
• >> هذا سؤال عميق وذكي فعلاً فقد اصبت بالدهشة من تلك التوصيفات التي قاربت ما بين ابطالي في قصصي ورواية «رجال الثلج» على سبيل المثال وما بين شخصي وهذا ليس صحيحاً على الاطلاق ولو تمت مقارنة بيني وبين تلك الشخصيات ستجدها مختلفة عنيّ تماماً في نواحي كثيرة.
• المشكلة بصراحة تكمن في مسألة القراءة النقدية المسبقة للنصوص وطلباً للسلامة يتم التصريح بأن عبدالناصر مجلي يقوم بتدوين مذكراته الشخصية في قوالب قصصية وروائية ورؤى شعرية وهذا هو العجز بعينه ورأسه ورجله، فحتى تدرك مدى حجم وعمق الناقد الذي امامك عليك ان تخضعه لتجربة قرائية نقدية حقيقية وحينها ستدرك في حجمه ومدى عاديته من مغايرة الذهنية النقدية التي يشتغل بها. واظن وبكل هدوء اقولها بأن اغلب القراءات التي تطرقت الى «رجال الثلج» على سبيل المثال كانت قراءات مجزؤة ومتسرعة ولم تصل الى فهم بنية الرواية في جميع نواحيها كما ينبغي وكما يجب ولعل الشاعرة الدكتورة آمنة يوسف هي من استطاع الاقتراب بذكاء وقوة وابداع نقدي من تخوم رواية ( رجال الثلج )، اما البقية فلهم العذر نظراً لأنهم قاموا بالكتابة عنها من باب الواجب الشخصي ربما اكثر منها كتابة نقدية محترفة وحقيقية ولهم الشكر.

علاقة غرامية

• انت مبدع شامل كما وصفك الاستاذ الدكتور عبدالعزيز المقالح اين تجد نفسك عند الكتابة وفي اي نوع منها؟
• >> اجد نفسي في كل ما اكتبه ولي علاقة غرامية قوية وعارمة مع جميع كتاباتي القصصية والشعرية والروائية والنقدية وحتى الكتابة الصحفية فكل واحدة من هذه الاجناس لها مكانها الشخصي داخلي ولا تسود على الاخرين نظراً لأن كل واحدة منها لها فضاءها الخاص الذي لا ينافسها فيه احد ومن هنا اتت شمولية التمظهر والتصنع،و شمولية الحاجة الملحة للخروج عن رتابة العادية وحدودها الضيقة الى اماد واسعة ومفتوحة، شمولية ضرورة التحدي للذات والتغلب عليها، وعدم الوقوع في شرك التقوقع والاجترار.

الوقت مازال مبكرا


• لك تجربة شعرية قوية ومختلفة تماماً عن السائد في اليمن والخليج والوطن العربي وهنا اعود للاستشهاد بمقولة للدكتور المقالح عند تقديمه لديوانك الشعري (مروا خفافاً) الذي نشر في احد اعداد فصلية (غيمان) التي يشرف عليها، وقد لفت نظري قوله عنك انك تكتب الشعر ما بعد الاجد!! كيف نستطيع تفسير مقولة كهذه من شخصية نقدية وفكرية كبرى كشخصية المقالح.. اعني هل نحن بصدد تلمس مدرسة شعرية خاصة بك لم يسبقك اليها احد ام ماذا؟
• >> بصراحة من حيث القول بوجود مدرسة شعرية خاصة بالشاعر عبدالناصر مجلي اعتقد دون تواضع او تصنع بأن الوقت لا يزال مبكر على اطلاق مثل هذه التسميات او التوصيفات لكن بصراحة اقول بأن وصف الدكتور عبدالعزيز المقالح لتجربتي الشعرية قد اطربني لسبب بسيط وهو انني فعلاً منذ البدايات اسعى لكتابة ما يمثلني فعلاً، دون الاتكاء علي احد ليس ذلك التمثيل الفج وغير المثمر، ولكنه بظني تمثيل المغامرة والمغايرة وشق طريق ليست خاصة بي فحسب بل وجديدة وغير مطروقة على مستويات عدة.
• ما هذه المستويات؟
• >> كثيرة هي ولن اقول على مستوى الفكرة وحتى اللغة نفسها ولكن على المستوى الذهني في المقام الاول فالابداعات هي اولاً واخيراً ذهنية متقدة ومؤثثة جيداً لجهة التعامل مع اللغة ككائن حي، وعدم التبرؤ منه لصالح العادي والمنمق والمأكول، كائن له كامل اشتراطاته النفسية والوجدانية والانسانية بمعنى من المعاني وقبل هذا وذاك فهم ماهيته من نقطة السؤال وحتى نقطة الاجابة، فالشعر كائن متساءل ومهموم بكينونته الخاصة في العام وتفرعاته اللغوية...الخ.
• وتداخلي وتساوي هذا العام داخله نداً لند ووجهاً لوجه وارادة مستقلة لارادة مقابلة لذلك فكتابتي الشعرية اتت وتأتي متوائمة مع تضاريسها الخاصة وغير المكتشفة من قبل حتى في شخصياً ومن قبلي وكنت ولازلت كثيراً ما اتساءل عندما اعود لقراءة نصوص سابقة لي عن الكيفية التي تمت بها كتابة هذا النص او ذاك فلا استطيع الاجابة.. نظراً لانني اتساءل من خارج النص حتى وان كنت انا من كتبه هنا ادركت من خلال التجربة الطويلة في هذا المضمار بأنني لست لوحدي عند الكتابة فقد كان النص نفسه يشاركني كتابته بمعنى انني في اللحظة التي كنت فيها اكتبه واستكشف تضاريسه كان هو الآخر يكتبني بطريقته ويستكشف بدوره تضاريسي، فنخرج من التجربة متعادلين وفائزين كل منا بالآخر، لذلك ففي كل تجربة شعرية جديدة لي طالت ام قصرت، تعلمت بأنني سوف ابدأ من جديد اي وكأنني سأكتب للمرة الاولى التجربة الاولى وعليه فيمكنني القول رغم وعورة الطريق إلا انني لا اجدني إلا فيها ليس من باب التعود والاستسهال ولكن من باب التحدي واثبات ذاتيتي غير المقبولة، او مستسلمة كشاعر امام ذات الفعل الشعري نفسه الذي لا يقل تحد وضراوة عني، الشعر بمعنى آخر في تجربتي كوكب بعيد يجب استكشافه واقتحامه تالياً لاكون فيه ويكون فيني، بشروطنا نحن معاً ليس لنا شريك ثالث او معروف.
• اكاد اقول بانك ليست مبشراً شعرياً؟
• >> شاعر ليس مبشراً ولا نبياً ولا شيء آخر انه شاعر فحسب في حدود نطاقه وجغرافيته ورؤاه، امتدت ام انكمشت، اما القول بالشاعر بمدرسة وشاعر بمبشر وشاعر الثائر.....الخ، فهي مقولات لم تعد تنتمي لهذا العصر، رغم اهميتها وتقنيتها في زمن لم نعد ننتمي اليه، ولا نعرفه كما لا ينتمي الينا ولكنه يعرفنا لانه بهذه المعرفة تتضح صورته.. بينما العكس معنا صحيح تماماً.
• لمن تكتب اذن؟
• >> اكتب لي انا عبدالناصر مجلي الانسان الذي هو رقم من جملة ارقام تبلغ ستة مليارات اسم، وهنا لا يهمني التاريخ بقدر اهتمامي بك انت هنا ام في اي مكان آخر على ظهر هذا الكوكب، فكتاب التاريخ سرعان ما يقتلهم التاريخ نفسه بمدية النسيان القاتلة دون رحمة او شفقة، اما كتاب الناس فهم خالدون لا يموتون بينما التاريخ يموت وينسى هو وكتابه، فالتاريخ كان ويبقى فعلاً ماضوياً شاحباً ومحنطاً يعاني من العزلة والهجر بينما الانسان والناس خالدون يعملون بصفة الفعل المضارع المستمر ولذلك فكلما كان المبدع اياً كان اتجاهه الابداعي، قريباً من كونه الانساني الفسيح دون عراقيل يضعهما لنفسه وللآخر، كان اكثر حضوراً وتأثيراً واستماعاً وإنا لله وإنا إليه راجعون.
• عايشت لاكثر من عشر سنوات الثقافة الامريكية التي تهيمن على كل ثقافات العالم الآن، كيف رأيتها وتعاملت معها وهل هي في انحدار الآن؟
• >> الثقافة الامريكية مثلها مثل بقية الثقافات في عالمنا اليوم وهي ابنة بيئتها كالاخريات والفارق بينها وبين بقية الثقافات في اعتقادي يكمن في فتوتها وضراوتها المعرفية الهائلة وايضاً في انفتاحها على الثقافات الاخرى، كبرت هذه الثقافة ام صغرت، عرفت ام كانت مجهولة ومحصورة حتى بين دفتي كتاب او بصفة كتب، وهنا كان ممكن قوتها ومغايرتها وفاعليتها، فالثقافة الامريكية الجديدة ثقافة انسانية في المقام الاول تعبر عن الفضاء او المحيط الذي تعيش فيه لكنها عندما امتلكت الارادة السحرية الحقيقية وغير الاشتراطية نجحت في التحليق عالياً وبعيداً عن حتى اعرق الثافت الانسانية التي عرفتها البشرية عبر تاريخها الطويل، وما كانت هذه الثقافة لتهيمن لولا ديناميكيتها الخلاقة والمؤثرة على كافة الاصعدة ومختلف المجالات والاتجاهات...!!
• لكنها ثقافة اقصائية لا تقبل بالمشاركة؟
• >> لا هذا ليس صحيحاً بل على العكس تماماً فهي لا تستطيع ان تكون كذلك حتى لو ارادت نظراً لكونها ثقافة كونية بامتياز وذلك بسبب تركيبة المجتمع الامريكي نفسه المنتج والمصدر لهذه الثقافة هذا المجتمع الفسيفسائي بشرياً وحضارياً وعرقياً وتاريخياً وثقافياً الذي تشكلت نواته من مختلف اجناس الارض التي وفدت على العالم الجديد بكامل ادواتها المعرفية، مما نتج مع مرور السنين عن خلق مجتمع فريد من نوعه في جميع انحاء العالم، مجتمع بني على ثقافة القبول بالآخر اياً كان دون اختلاف او اصطدام...!!
• قد يكون هذا الكلام صحيحاً مع بقية الثقافات الاخرى لكنها وعند ذكر الثقافة العربية والاسلامية نراها مثمرة واستعلائية بل وحتى عدوانية؟
• >> صحيح بنسبة او بأخرى لكن الحقيقة غير ذلك فالعيب ليس على الثقافة الامريكية ولكن على ثقافتنا كعرب وكمسلمين ليس في جهة جذورها الحضارية الضاربة عميقاً في كبد التاريخ ما قبل الاسلام وبعده، ولكن العيب فينا نحن كحكومات ومؤسسات وحتى افراد الذين لم نقم بالتعريف الحقيقي بثقافتنا وحضارتنا امام المنتج الرئيسي للثقافة الامريكية الا وهو الانسان هذا الانسان الذي لا يرى بسبب قصورنا الفادح الذي يرقى الى مستوى الفضيحة إلا ما تقدمه اليه الثقافات المعادية لنا ولثقافتنا هذا من جهة، من جهة ثانية هذا العصاب المستشري في قلة قليلة من ابناء هذه الامة الذي يكشف للآخر عوراتنا وسلبياتنا التي لا تمت الى ثقافتنا الاسلامية والاجتماعية.......الخ بصلة بل على العكس من ذلك تماماً اظهرتنا كأمة حربية وعدوانية تعتمد ثقافتها على مبدأ الاحتراب والتصادم وهذا ليس صحيحاً على الاطلاق فنحن نملك ديناً عظيماً ليس له نظير في طول التاريخ وعرضه فكيف تحول هذا الدين الحق الى دين ارهاب» في غفلة منا.
• هنا اللوم يقع علينا وليس على الآخرين لأننا بكل بساطة تنكرنا لثقافتنا فتنكرن لنا ومن بعدها على الثقافات المعلومة والمجهولة وعلينا منذ الآن الاسراع في اعادة الاعتبار الى اسلامنا العظيم، وتراثنا وثقافتنا اذا اردنا فعلاً ان يكون لامتنا موطن قدم بين بقية الامم صحيح بأننا قد تأخرنا طويلاً عن هذا الامر الخطير والهام والمفروض لكن اعتقد ان الوصول متأخرين خيراً من ان لا نصل ابداً فبسبب التأخر في الوصول المنشود وبالشكل المشرف نجدنا محاصرين من كل حدب وصوب، ومتهمون بتهم ما انزل الله سبحانه بها من سلطان.
• اذن.. اين المبدع والمثقف العربي والمسلم من كل هذا؟
• >> هل تريد ان اخبرك اين هذا المبدع والمثقف العربي والمسلم الذي تبحث عنه.. حسناً سأجيبك فاستمع اولاً هذا الانسان اغلقت دونه كل الابواب اي انه محاصر من الداخل يعني محبوس ومخنوق فلا حرية ولا مواطنة متساوية ولا حقوق وهو متهم حتى يثبت العكس، هل تدري ما هو العكس انه الطاعة العمياء لهراوة السلطوي وعماه وقلة حيلته ومحدودية بصيرته فماذا نتج عن كل هذا الحصار عن مبدعنا ومثقفنا المسكين؟ سأخبرك اولاً انسداد الآفاق امامه، تهميشه وكأنه لا وجود له، محاربته في كل شيء وفي اغلب الاحيان دون اسباب مقنعة او معقولة، قتل ماضية وحاضرة ومستقبلة فماذا كانت النتيجة؟ مزيداً من السقوط الجماعي لهذه الامة الى اعماق لم تصلها ربما في اتعس فتراتها التاريخية.
• هل تقصد ان نكبة الامة اليوم تتمثل في شخص سياسي والسلطوي؟
• >> نعم هوما قلته بالضبط واطالب كإنسان عربي مسلم اولاً وكمثقف ومبدع ثانياً هذا الكائن المتصلب برفع يده عن عنق المبدع والمثقف فلو فطن وهولن بفطن بطبيعة الحال هذا السياسي والسلطوي المتحجر انه بحصاره لدور المدع والمثقف وتهميشه واقتصاءه والغاءه، انما يقوم بخنق رئات الامة لما اقدم على ذلك انا هنا اتحدث عن السلطوي اينما وحد في ارجاء العالم الاسلامي الكبير وبشكل عام وبصوت عال ومسموع.
• دعني اسألك عن الصورة التي كونتها عن المبدع اليمني ومشهده الثقافي؟
• >> المبدع اليماني مبدع جسور واصيل الابداع لو اتيحت له الفرصة التي يستحقها لحلق عالياً في جميع الفضاءات، لكنه مبدع في نفس الوقت مهمش مغلوب على امره ليس له من يرعاه او يهتم بعطاءه العملاق والمبهر كذلك الامر بالنسبة للمشهد الثقافي، تراه منكفئاً على ذاته وكأنه يعيش في كوكب بعيد، وذلك بسبب قلة حيلة المبدع نفسه الواقع تحت حصارات متعددة ومتشعبة تكاد لا تنتهي ومع ذلك وغم الجراح يظل هذا المبدع مصمماً على مواصلة الطريق الصعب والوعر احتراماً لانسانيته وحبه لوطنه وبلاده وشعبه، المبدع اليمني اليوم اشبهه بـ«سيزين» العصر الذي لم يصبه اليأس ولم يرفع راية الاستسلام بعد مهما كانت وحشية الظروف التي تحاصره من كل حدب وصوب.
• ماذا عن جماعة الغد، ظهرت بعد طول غياب ثم اختفت.. ماذا حدث؟
• >> اولاً جماعة الغد لم تختف ابداً بدليل ان اعضائها يتسيدون المشهد الابداعي في بلادنا هم ومجايليهم في المبدعين اما ظهورها كما تسميه فقد كان بمناسبة تكريم القاص والروائي اليمني الكبير الراحل زيد مطيع دماج رحمه الله، وقد كانت مناسبة بلغت من القوة انها استطاعت هز المشهد الثقافي هزاً قوياً واوشكت على ايقاظه من سباته، ولذلك وبسبب تلك الخضة المدوية فقد هجمت علينا الضغائن من كل اتجاه وطاردنا سموم القوالين والمتحذلقين من كل صوب واخيراً تم بناء جدار فولا ذي بين الجماعة وبرنامجها الثقافي الذي كنا نستعد للاستمرارية وبين الجهات التي من المفترض انها وجدت للدعم الثقافي وليس لمحاربته وها نحن الآن نحاول ان نحضر نافذة صغيرة في قلب هذا الجدار المأزوم الذي يحاصرنا.
• الى اين وصلتم؟
• >> لازلنا نحفر.
• المعروف عنك انك اسست وترأست تحرير صحيفة «الامة» الصادرة في الولايات المتحدة التي ذاع صيتها خصوصاً بعد حواركم الشهير مع فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية العام 2005 اثناء زيارته الرسمية لواشنطن.. اخبرنا عنها؟
• >> صحيح.. لكنها توقفت عن الصدور.
• رغم اهميتها؟
• >> نعم..رغم اهميتها.
• لماذا؟
• >> بكل بساطة لأسباب مالية فقط.
• الجانب المادي واحد من اهم الجوانب طغياناً على المثقف العربي الامر الذي اوصل المشهد الثقافي الى ما هو عليه الآن.. برأيك كيف يمكن الارتقاء بواقع هذا المثقف؟
• >> يكون عبر اعطائه حقوقه وابسط هذه الحقوق ايجاد مؤسسات تعني بشأنه الابداعي والثقافي من خلال طباعة مؤلفاته وابداعاته الادبية.
• برأيك اين يكمن دور المثقف في اعادة الروح الى الجسد في ظل الواقع المأزوم؟
• >> في الاصرار على المواصلة وايصال رسالته كاملة رغم الظروف التي يمر بها المثقف اجمالاً وليس امامه اية خيارات اخرى سوى المواصلة.
• هل تقصد ان الجانب السياسي والسلطوي اثر على عقلية المبدع والمثقف العربي بشكل خاص والمشهد الثقافي العربي بشكل عام؟
• >> السياسي اختطف المشهد الثقافي والمبدع والمثقف العربي بشكل عام واستخوذ عليه من خلا لتدخله في صغائر الامور وكبائرها مما جعل هذا المثقف يعيش حالة مأساوية من الحصار والرهبة الامر الذي انعكس سلباً علي المشهد المثقافي العربي برمته.
• هل تعتقد فعلاً ان السياسي هو من اختطف المشهد الثقافي؟
• >> المشكلة ان السياسي قد صنع عوائق وجدران فولاذية لا يمكن اختراقها إلا بزوارق او تغييرات.
• تغييرات في ماذا؟
• >> في رؤاها واستراتيجيتها التي يقود بها المجتمع كالقطيع نحو الهاوية.
• برأيك الى اي مدى اثر الغزو الثقافي؟
• >> الثقافة اجمالاً لها تأثيرات متعددة وهي سلاح ذو حدين.. والثقافة الحقيقية والمتينة الجذور والواثقة من ارثها الحضاري لا تخشى اي هجوم من اي ثقافة كانت.. ولذلك فيمكن القول ان الثقافة نوعين:
• اولها الثقافة الانسانية التي يمكن التواصل والتثاقف والتلاقح معها دون اي شعور بالخوف منها إلا انها تعتبر ثقافة جمعية مثلاً الثقافة الموسيقية في سقفها الاعلى تمثل قاسماً مشتركاً بين كل الثقافات كذلك ثقافة السينما وثقافات الشعوب بعاداتها وتقاليدها تكون في هذه الحالة بمثابة روافد جديدة تعيد للثقافة المحلية نظارتها وقوتها وشبابها لأنها بالاصل ثقافة موجبة لم تأت لتهدم ولكن لتشارك في بناء معمار ثقافي انساني متواصل ومتلاقي ومشارك ام الثقافة التي تخشى منها اي ثقافة اخرى وخصوصاً الثقافات المنطوية على نفسها او الثقافات المحدودة الافاق فإنها قد تتعرض لضربات موجعة وقوية وربما قاتلة نظراً لان الثقافة الغازية لا تقيم لها اي اعتبار ولا تعترف بها وبالتالي هي تأتي للقضاء عليها والحل محلها.. هذه ثقافة استعدائية تكمن عدوانيتها في كونها ثقافة هشة الاصل لا تمثل اي صفة حضارية ولذلك فالثقافة التي تسفه ثقافة الاخرين ومعتقداتهم وحضاراتهم هي لا تعتبر ثقافة بل اكاد اسميها بارجة جريئة اتت لتغزو ولتهدم وبالتالي هنا يجب مقاومتها والتصدي لها والحذر من خطورتها على مستقبل الثقافات الاصيلة وذلك يتأتى عبر ملء الفراغات في هذه الثقافة او تلك التي مهدت للثقافة العدوانية بملئها.
• كيف ذلك؟
• >> بالالتفات الى مفهوم الثقافة الوطنية وهنا اتحدث عن الثقافة العربية والاسلامية فعندما يصبح الاسلام ديناً ارهابياً وتتحول امة بأسرها وتاريخها وانجازاتها الحضارية والانسانية عبر التاريخ الى مجرد مجموعة بشرية ضخمة تؤمن بالارهاب وتسوق له في اعلام الثقافة الغازية. فحين اذ يجب ان ندرك بأنها لم تعد ثقافة غازية بل صارت ثقافة محتلة تعمل باصرار كلبي على تسفيه وتحطيم مقومات ثقافتنا وهذا الذي يحدث الآن للاسف الشديد والسؤال الآن يطرح نفسه بقوة ماذا صنعنا كدول ومجتمعات وشعوب عربية واسلامية لدحض هذه الاباطيل.
• ماذا يجب ان نصنع؟
• >> اولاً اطلاق سراح العقل العربي والمسلم من سجنه الذي طال امده وكاد يقارب الالف سنة وذلك لن يتأتى إلا من خلال الايمان بقيمة الحرية الكاملة بغير انتقاص لها.. تلك الحرية هي التي نجدها واضحة وماثلة امامنا كالعيان في مجمل موروثنا الديني والحضاري فالاسلام المتهم زوراً وباطلاً بالارهاب دين السلام والحرية والمساواة والحقوق و.....الخ.
• اي ثقافة دينية تقصد.. الحالية ام التي كانت سائدة في عهود الخلافات الاسلامية؟
• >> عندما نأتي للحدث عن الثقافة الدينية فإنما يعني ذلك اننا نتحدث عن الاسلام كدين وكحضارة وهنا اتحدث عن ثقافة الدين الاسلامي العظيم الحقيقية غير القابلة للتحور او للتبديل.. ذلك ان الاسلام دستور راقي وابدي الرؤى لكل ما ينفع الانسان في الارض وفي كل زمان ومكان واعني بأيدي ايدية المرونة التي لا تتناقض مع الاسلام كمعطى ومع مفهوم الحياة كممارسة دنيوية  لا تتقاطع ولا تصطدم مع فطرة الانسان السوية في العدل والحرية والسلام.....الخ.
• ظهرت مؤخراً جماعات دينية ثقافتها تتناقض مع ما اشرت اليه عن الثقافة الدينية السوية التي نعلمها جميعاً؟
• >> هنا يجب ان نفرق ما بين جماعة وما بين ثقافة.. فمفهوم الجماعة في الاسلام هو ما تم الاتفاق على الاجتماع عليه اي مفهوم الامة، فإذا ما اتت اي جماعة كانت وتحت اي مسمى كان تخرج عن اطار الجماعة الكلي اي الامة فهي تعتبر جماعة مارقة ولا تنتمي الى المفهوم العام للامة بل انها على النقيض من ذلك تماماً.. اما ثقافة هذه الجماعة الخارجة عن الاجماع المتعارف عليه فهي ثقافة مثلها مثل الثقافة الغازية، فإذا كانت الثقافة الغازية تأتي لتحتل الثقافة المحلية وتأخذ مكانها فالثقافة العصابية التي تمثل هذه الجماعة المارقة او تلك هي ثقافة عدوانية من الدرجة الاولى واشد خطراً وضرراً من الثقافة الغازية كونها ثقافة تستدعي انتمائها لثقافة الامة بينما هي بالاصل ثقافة غير منتمية وهجينة ووحشية لسبب بسيط انها لا تؤمن بمفهوم التحاور وبالتالي فإن كل ما لا يتفق مع هذه الثقافة من منظورها هو خصم وعدو بالضرورة وهذا منطق الجبر والقوة الذي لا يتفق باي حال من الاحوال مع منطق الوسطية والاعتدال اللذان يمثلهما الاسلام.
• اذاً برأيك كيف يمكن حماية ثقافتنا من هذا الاخطبوط القاتل؟
• >> باشاعة ثقافة العدل والتسامح والمساواة ومنطق الحقوق والواجبات والقضاء علي الفساد والمفسدين في الارض اضافة الى ذلك القبول بالرأي والرأي الآخر اي كان ذلك الرأي ما دام يصب في نهاية المطاف في مصلحة الامة بدون ضرر او اضرار.

 

عن صحيفة الثقافية اليمنية - الاحد- العدد521







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي