"أنا وهي".. فانتازيا مصرية تستثمر في تناقضات المرأة والرجل

متابعات الأمة برس
2022-01-23

تفاهم عزز من قيمة العمل الفني (تواصل اجتماعي)القاهرة- إذا أردت أن تصنع عملا فنيا يجذب الجمهور فاستفد من التناقضات التقليدية بين الرجل والمرأة، وإذا أردت أن تضمن نسبة عالية من المشاهدة اعتمد على كوميديا الموقف. هي واحدة من الثيمات الفنية التي بدأت تنتشر على نطاق واسع في الدراما المصرية بما يتجاوز الحدود الطبيعية للمشكلات الحالية في المجتمع، وجرى الإسراف فيها بصورة أخذت مناحي متعددة تصل إلى حد تعمد التكلف والافتعال الفني.

حاول مسلسل “أنا وهي” الذي عرض قبل أيام على قناة “سي.بي.سي” المصرية في خمس عشرة حلقة عدم الوقوع في هذا الفخ، ونجح إلى حد كبير بفضل تلقائية البطل الفنان أحمد حاتم وخفة ظل الفنانة الشابة هنا الزاهد، ومعهما الفنان الكبير أشرف عبدالباقي في تجاوز عقبات عدة، وشكل هؤلاء أضلاع المثلث الذي وقع على عاتقه الجزء الأكبر في نجاح العمل الذي أخرجه سامح عبدالعزيز وتأليف مصطفى حمدي.

القاسم المشترك الفني

يتناول المسلسل مشكلة الأمراض النفسية والاكتئاب والتهيؤات التي تصيب البعض، والتي تأخذ شكل المبالغة في النظافة والقذارة، وهو التناقض الذي اعتمد عليه العمل في الحلقات الأولى، وتسبب في حدوث مفارقات عديدة، حيث انتابت حاتم فوبيا النظافة بينما عانت الزاهد من الإفراط في اللامبالاة التي وصلت أحيانا إلى حد الوقوع في القذارة، ولم يحرم هذا التباعد من أن يعبر كل شخص عن مواهبه في العمل.

لجأ حاتم والزاهد إلى طبيب الأمراض النفسية شيرين والذي جسده الفنان أشرف عبدالباقي، وتحول إلى القاسم المشترك الفني بينهما، خاصة أن مقر سكنه وعيادته يقع في الطابق نفسه الذي يعيشان فيه.

أسهم اختيار المكان في تسهيل المفارقات التي تجمع بين الجيران والمرضى والزوار، ومعهم العلاقة العاطفية التي نشبت بين الشاب والفتاة، حيث يعيش كلاهما بمفرده في منزله وبعيدا عن أسرته، لم يكن هناك ابتذال في هذه المسألة، حتى المشاهد التي حوت تلميحات جنسية جاءت في قالب كوميدي دون تأثير سلبي على العمل الدرامي.

ويبدو من عنوان المسلسل “أنا وهي” أنه يدور حول العلاقة بين الرجل والمرأة، ويستدعي إلى الذهن على الفور المسلسل الشهير الذي قدمه كل من الفنانين سعاد حسني وأحمد زكي بعنوان “هو وهي” كحلقات منفصلة متصلة عام 1985، وهو من إخراج يحيى العلمي وسيناريو وحوار لصلاح جاهين، ورغم التغير الواضح في المضمون وأدوار الشخصيات، إلا أن العنصر المشترك يكمن في مناقشة قضايا الرجل والمرأة.

الكيمياء الإنسانية
اعتمد “هو وهي” على معالجة قضية مستقلة في كل حلقة، في حين لجأ “أنا وهي” إلى معالجة قضية مركزية واحدة ومواصلة نسج التطورات حولها، وعندما كانت تتشعب لم تكن بعيدة عن المحور الرئيسي الذي يدور فيه العمل، وهو ما منحه سمة الديمومة وعدم الانقطاع، ووصل الأمر إلى تعلق الجمهور به ودعوة المخرج سامح عبدالعزيز إلى تقديم جزء ثان له لأن القصة تحتمل المزيد من الحلقات.

يعود ذلك إلى عدم الشعور بالملل، فقد نجح حاتم وهنا في تكوين “دويتو” أو ثنائي فني يلقى قبولا من الجمهور، حيث جمعتهما من قبل بعض الأعمال، أبرزها فيلمي “قصة حب” و”الغسالة”، وفي الدراما اشتركا معا في حكاية “لو كنت يوم أنساك” ضمن أحداث مسلسل “حلوة الدنيا سكر”، وأثبتت هذه الأعمال أن الكيمياء الإنسانية والشخصية بين حاتم والزاهد متقاربة، وهي التي لعبت الدور الكبير في نجاح جميع أعمالهما السابقة.

واعتقد البعض أن هذه الثنائية يمكن أن تغضب الفنان أحمد فهمي، زوج هنا الزاهد، غير أنه تقبل الأمر بمرح كلما سئل حوله وأثنى على العلاقة الفنية باعتبارها تخدم العمل في النهاية ولا تضره، ولم يمانع في تكرار التجارب بينهما (حاتم وهنا) بلا حساسية أو تحفظ من جانبه، بما أوقف سيلا من التلميحات أوحت بأن هذا الدويتو قد يتجاوز الحدود الفنية أو يُتخذ دليل على عدم استمرار علاقة فهمي مع الزاهد.

وتكثر هذه النوعية من الحكايات كلما تكرر العمل بين فنان وفنانة في مصر، وتأخذ أحيانا أبعادا أخرى، غير أن الصداقة التي تربط حاتم بالزاهد وزوجها فهمي كانت كفيلة بدحض الافتراءات وحصر العلاقة في الإطار الفني الذي ساعد كثيرا على تفوق هذا الثنائي في الأعمال التي اشتركا فيها معا، وينذر بأن كل عمل يمكن أن يتشاركا فيه مستقبلا سوف يحصد حظه من التفوق الفني.

وأثبت حاتم في “أنا وهي” أن حسه الكوميدي يرتفع تدريجيا، خاصة أن هذا العمل جاء بعد وقت قصير من عرض فيلمه “عروستي” الذي أعاد اكتشاف حاتم في هذا القالب، ونجحت الزاهد في أن تمثل الطيف الخفيف في الدراما المصرية، وأكدت في هذا المسلسل أنها قادرة على تحمل مسؤولية دور البطولة بشجاعة وبمفردها، ولديها من الموهبة ما يمكنها من تنويع أدوارها.

من النقيض إلى النقيض

أدى التفاهم بين حاتم وهنا إلى خروج “أنا وهي” بصورة جيدة، وتجاوز الملل الذي كاد يصيب الجمهور في بعض المشاهد من ضيق الأماكن التي جرى التصوير فيها وقلة مساحة الفراغات، فأماكن الإقامة الثلاثة المتقابلة لم تسعف المخرج أحيانا في تنويع زوايا التصوير، خاصة في سكن الطبيب النفسي عبدالباقي الذي كان يتردد عليه المرضى، ويقوم بتدريبهم على مهارات معينة وتأهيلهم للتعارف الشخصي، والتي اتخذت كمدخل للمزيد من التقارب بين حاتم والزاهد في المسلسل.

أراد العمل أن يقدم الكثير من النصائح والإرشادات العلمية من خلال الفانتازيا التي أجاد فيها طاقم المسلسل، والذي كشف عن عمق الموهبة التي يتمتع بها الفنان محمود البزاوي والفنانة المخضرمة عارفة عبدالرسول، ما منح المسلسل نكهة فنية أخرجته من إطار الاعتماد فقط على الشباب إلى الاستفادة من خبرة الكبار.

وانتقلت المشاهد بسلاسة من النقيض إلى النقيض كدليل على قوة تأثير الأشخاص عندما يدخلون في علاقات عاطفية، حيث ارتبط حاتم بالزاهد ودخلا قصة حب غير متوقعة، وهما على طرفي نقيض، كي يختلطا ويصلح كل منهما الجوانب السلبية في الآخر، لكن النتيجة جاءت أن الشاب الذكي الذي يعشق النظافة والنظام والجبان تحول إلى فوضوي ويمتلك جسارة كبيرة، بينما انتقلت الفتاة من الفوضوية إلى النظام.

وبدت الرسالة التي أراد المسلسل توصيلها، على كل شخص أن يتعامل بفطرته، ويحاول تغيير أوضاعه وإصلاحه لأجل نفسه أولا وليس لأجل الآخرين، وربما تكون رسالة مفيدة، لكنها تتجاهل الفروق الفردية بين الناس في عملية التأثير والتأثر، وأن قوة العاطفة سلاح ذو حدين وقد تكون إيجابية أو سلبية في النتائج المترتبة عليها.

ويظل الاستثمار الفني في تناقضات الرجل والمرأة عملة فنية متداولة في كثير من الأعمال الدرامية وما لم ينتبه العازفون عليها إلى خطورة ما يحمله التكرار من نفور وتقليل في جودة العمل سوف تقود إلى خسارة الرهانات المتزايدة عليها، فمن الشروط المهمة التي يجب توافرها لتفوق العمل التفاهم بين أبطاله والحرص على العمل الجماعي والتوازن في توزيع الأدوار على الشخصيات بما يناسب المؤهلات الفنية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي