توترات مدفونة .. الصين وروسيا تواجهان مشكلة في أسيا الوسطى

د ب أ- الأمة برس
2022-01-17

ربما تدفع الأحداث في كازاخستان بكين إلى إعادة تقييم مواطن الضعف في الجارة التي تتمتع بمساحات شاسعة (ا ف ب)

واشنطن: اعتبر محللون سياسيون قرار روسيا الأسبوع الماضي بدعم حكومة كازاخستان في سحق انتفاضة، ورد فعل الصين بالتزام الصمت تجاه الاحتجاجات، دليلا آخر على نوع من التوازن الجيوسياسي في إحدى المناطق الحيوية للدولتين، حيث تظل موسكو الضامن الرئيسي للأمن، وتكتفي الصين بممارسة نفوذها عبر الاستثمار.

ولكن الكاتبة الأمريكية كلارا فيريرا ماركيز ترى في تحليل لوكالة بلومبرج للأنباء إن الأمر ليس كذلك تماما، وتقول إن آثار الاحتجاجات التي شهدتها كازاخستان، بسبب زيادة أسعار الوقود، من شأنها أن تدفع إلى السطح توترات مدفونة بين الصديقين اللدودين، إزاء ما يحدث في الفناء الخلفي لكل منهما، على خلفية متغيرة تشكل بالفعل تهديدا لفكرة وجود هيكل مشترك غير رسمي للمصالح.

ومن المؤكد أن التحرك غير المسبوق لـ "منظمة معاهدة الأمن الجماعي"، التي تقودها روسيا، بإرسال قوات إلى كازاخستان استجابة لطلب الرئيس قاسم جومارت توكاييف، عزز دور موسكو كقوة حماية إقليمية، أو على الأقل، كحامية للنظم الاستبدادية الصديقة، بحسب وصف ماركيز. ولم تتخذ المنظمة التي تضم روسيا، وبيلاروس وأرمينيا وكازاخستان، وقرغيزستان وطاجيكستان، خطوة مماثلة خلال الصراع بين أرمينيا وأذربيجان في منطقة ناجورنو كاراباخ في عام 2020.

أما الصين، فلم يكن لها تدخل قوي مباشر، والتزمت الصمت في البداية، ثم أعلنت أن احتجاجات كازاخستان "شأن داخلي". وفي وقت لاحق، رددت الخطاب الرسمي، المشبوه، وأعلنت معارضتها "للثورات الملونة"، ودعمها للحرب ضد "قوى الشر الثلاث، التي يقصد بها التطرف والانفصالية والإرهاب.

وكان نهج تقسيم رد الفعل مفيدا، فقد سمح لبكين بتتبع مصالحها من وراء ستار، دون تدخل مباشر. وفي الوقت نفسه، استطاعت روسيا أن تقلل من أهمية الوجود المتنامي لقوة منافسة على حدودها الجنوبية. ويعمل الاتحاد الاقتصادي الروسي الأورو آسيوي، الذي يمثل جهود روسيا لتحقيق التكامل، جنبا إلى جنب مع مبادرة الحزام والطريق الصينية الواسعة النطاق. ورغم أن آسيا الوسطى مهمة بالنسبة لموسكو، فإنه ليست هناك دول تعتبر أساسية لإحساس بوتين بالهوية الوطنية مثل أوكرانيا وبيلاروس.

ولكن الفارق أقل كثيرا من الفارق الذي يصفه القول المأثور بـ" البندقية والمحفظة" ، وهو ما يعني "السلاح والمال" أو ما أظهرته الأيام القليلة الماضية ، كما أن التوازن أقل أمنا.

وبالنسبة لـ "المحفظة"، فإنه في حين زادت التجارة بين المنطقة والصين، وارتفع حجم الاستثمارات الصينية في مجالات الطاقة والتعدين والبنية بها على نحو هائل، تظل علاقات موسكو بالمنطقة قوية، حيث لا تزال الشركات الروسية تشكل قسما كبيرا من الأعمال التي يملكها أجانب في المنطقة، كما أن روسيا لا تزال تمثل قوة جذب هائلة للعمالة منها. وتمثل تحويلات العاملين بالخارج قرابة الثلث، وأكثر من الربع، بالنسبة لإجمالي الناتج المحلي لقرغيزستان وطاجيكستان، على الترتيب.

والأكثر أهمية بالنسبة لهذا التوازن، رغم ذلك، هو "البندقية"، فقد استخدمت الصين استئجار خطوط الأنابيب والمواد الهيدروكربونية (النفط والغاز والفحم)، كنهج رئيسي لتعزيز علاقاتها في المنطقة. كما أن لبكين طموحات عسكرية مهمة، ومخاوف أمنية، خاصة في جوار يشكل منطقة عازلة ضرورية بين أفغانستان وبين مناطق الصين الحدودية الغربية، حيث توجد أقليات لا تنتمي لقومية "الهان" ، وقد عانت من آلة القمع الصينية.

وتقول ماركيز إنه في ظل قيادة رئيس شجاع مثل شي جين بينج، تبنت الصين تفسيرا فضفاضا لعدم التدخل، وتجاوزت توصية الزعيم الراحل دينج شياو بينج، من أنه يتعين عليها إخفاء قوتها، وانتظار اللحظة المناسبة و"ألا تدعي الزعامة أبدا"، حيث سعت بكين إلى دور أكبر على الساحة الجيوسياسية، ووسعت نطاق نفوذها الأمني بالخارج، بما يشمل أسيا الوسطى.

كما عززت الصين علاقاتها الأمنية الإقليمية مع منظمة شنغهاي للتعاون، والتي تضم روسيا، وأيضا منذ عام 2016، مع "آلية التعاون والتنسيق الرباعي" لمكافحة الإرهاب، والتي تضم أيضا أفغانستان وباكستان و طاجيكستان. ولا يجعل أي من هذه الأمور روسيا تشعر بالراحة.

وعلاوة على ذلك، ربما تدفع الأحداث في كازاخستان بكين إلى إعادة تقييم مواطن الضعف في الجارة التي تتمتع بمساحات شاسعة، وتعد مصدرا مهما لليورانيوم والنفط والغاز والنحاس. ولم يكن من قبيل المصادقة اختيار الصين كازاخستان لإطلاق مشروعها الضخم، مبادرة الحزام والطريق، في عام 2013.

وأشارت ماركيز إلى ما أخطرها به تيمور اوماروف، من معهد كارنيجي في موسكو، من أن الصين لديها قوة محدودة للتدخل في السياسة الداخلية لكازاخستان. وفي هذا الإطار، ورغم ما تتمتع به الصين من علاقات مع النخبة (دون الشعوب التي تتسم بعدم الثقة) يظل لموسكو اليد العليا، حيث لا يزال بوتين يتمتع بقواسم مشتركة عديدة مع الشخصيات المحلية النافذة أكثر من الرئيس الصيني، مما يعطي الزعيم الروسي الثقة في التدخل ودعم طرف أو آخر. ولا تملك الصين إلا الترقب.

ولم يتضح بعد ماذا يمكن أن يحدث إذا ما تعرضت مصالح الصين واستثمارتها الضخمة لتهديد. وقد قام رئيس كازاخستان الحالي، توكاييف- والذي كبل سلفه نورسلطان نازاربييف، يده طويلا- بتغيير الحرس النخبوي في البلاد.

وقالت ماركيز إن الكسندر كولي، العالم السياسي بكلية برنارد، والمراقب لمنطقة أسيا الوسطى، أخبرها أن اعتقال كريم ماسيموف، رئيس الوزراء السابق، ورئيس لجنة الأمن الوطني في كازاخستان، حتى وقت قريب، بشبهة الخيانة، قد هز بكين، فماسيموف موال لنازاربييف، وفي نفس الوقت له إرث ينتمي لعرقية الإيغور في الصين، ويتحدث لغة الماندرين الصينية، وكان ينظر إليه على أنه أعلى ممثل للوبي الصيني في كازاخستان.

وتقول الكاتبة الأمريكية إنه لا شئ من هذا يشير إلى اندلاع صراع في المنطقة، أو حتى ما يصفه المحللون بأنه تدافع "اللعبة الكبرى"، فلا تزال الصين وروسيا نظامين استبداديين، لهما مصالح متشابهة، ليس أقلها الحفاظ على الاستقرار.

وفي ختام تقريرها تقول ماركيز، إن دولا مثل كازاخستان سوف تستمر في السعي وراء التوازن الدبلوماسي، ولكن القدرة الاقتصادية التي تتمتع بها روسيا لدعم الأنظمة، لا تتزايد. وفي ظل تغيرات مرتقبة. وربما لم تعد الصين تأمل في أن تظل على الهامش السياسي والأمني في المنطقة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي