العمالة الأفريقية والعربية تواجه ظروفا صعبة في سوق شغل غير منظمة

وصمة الهجرة غير الشرعية تلاحق الأفارقة في ليبيا

متابعات الأمة برس
2022-01-14

محاولات الهجرة تنتهي في السجن (التواصل الاجتماعي)

طرابلس - في نشرات الأخبار، لا يرى الناس إلا الزوايا المقابلة للكاميرات، ولا يسمعون إلا ما أريد له أن يصل. ويبنون على ذلك وجهات نظر، قد تكون منقوصة. فلو سألت البعض عن مقصد كل المهاجرين الذي يدخلون ليبيا مثلا، ستتجه كل الإجابات “دون طول تفكير” نحو أوروبا. فهل هذا صحيح بالمجمل؟

القصة بدأت إبان الحظر الجوي والعقوبات الأممية التي فرضت على ليبيا في تسعينات القرن الماضي بسبب قضية لوكربي. عندها وجه معمر القذافي اللوم للعرب على ما وصفه بعدم وقوفهم إلى جانبه، وفضل توجيه أحلامه جنوبا نحو أفريقيا، حيث ساهم في تأسيس الاتحاد الأفريقي وتحالف دول الساحل والصحراء، وفتح البوابات الجنوبية. وبعد إغفال متعمد للحدود بداعي الوحدة، عجّت البلاد بأفارقة من مختلف الجنسيات، دخلوا بكل سهولة، ودون أي إجراءات.

الغرض الأساسي كان العمل في السوق الليبي الذي تنعشه دائما الصادرات النفطية، وتزيد فيه فرص العمل بسبب عزوف أغلب الليبيين عن الأعمال الشاقة.

ففي ليبيا يحفر أساسات المباني نيجري، ويؤسس قواعدها سوري، ويبني جدرانها مصري، ويلبنها غاني، ويجري شبكة المياه فيها بنغالي، والكهرباء سوداني، ويضع البلاط تونسي، وينقشها مغربي، ويدهنها جزائري، ثم يستعملها أو يسكنها ليبيون يلعنون الظروف.

بعد فك العقوبات، زاد انتعاش السوق، وطال ذلك العمالة الأفريقية والعربية، وعندما يمتلك المرء ما يكفي من المال ويكون على بعد سويعات من شواطئ الحلم الأوروبي، قد تخطر فكرة المغامرة شمالا. هذا ما بدأ واقعا، وساعده أيضا غض الطرف من النظام الليبي في أحيان كثيرة.

يقول جمال صاحب زورق صيد سابق “عام 2008 فوجئنا بقرار عسكري يأمر بطرد كل قوارب وجرافات الصيد من ميناء سيدي بلال بطرابلس، دون توفير بديل. وعندما اعترضنا، جمعنا أحد الضباط، وقال صراحة ‘أَفرغوا الميناء، وتوجهوا حيث شئتم، حتى إلى أوروبا'”.

ويضيف “بالتوازي، كان تجار الهجرة يعرضون مبالغ مجزية ثمنا للقوارب. لقد دُفع كثيرون إلى المساهمة في الهجرة”.

أغلب العمال يدخلون ليبيا بطرق غير قانونية، ودون أي تسجيل لدى المؤسسات المعنية، ولا توفر لهم الدولة أي خدمات (التواصل الاجتماعي)

مع نهاية نظام القذافي انهارت أساسات الدولة، وصارت مسرحا مفتوحا. زادت عصابات الهجرة نشاطا وانتشارا في دول المنشأ والعبور والمقصد. وعلى المهاجر فقط دفع المال، لتسير به العصابات عبر الصحراء الكبرى إلى ليبيا، ومنها إلى شواطئ إيطاليا.

ويبقى السؤال هل يتبع جميع الأفارقة ذات المسلك وينشدون نفس المقصد؟

يقول عبدالله، أحد العمال القادمين من النيجر، “جزء كبير ممن جاؤوا معي كان هدفهم العمل في ليبيا وإرسال الأموال لعائلاتهم في الوطن. نحن لم نأت بواسطة عصابات الهجرة، رغم أننا دخلنا بشكل غير قانوني”.

أغلب العمال يدخلون ليبيا بطرق غير قانونية، ودون أي تسجيل لدى المؤسسات المعنية، ولا توفر لهم الدولة أي خدمات
ويتابع “التحدي الأول كان عبور الصحراء والتضاريس الوعرة. هي رحلة قاسية نقطعها على مراحل مع أفارقة من دول أخرى، مكومين كالأغنام فوق سيارات صحراوية مكلفة ومخصصة للنقل من النيجر أو تشاد أو السودان إلى إحدى مدن الجنوب الليبي، حيث يختار العمال وجهتهم التي تكون في الغالب نحو المدن الساحلية الكبرى، أما المزارعون ورعاة المواشي فيذهبون إلى الأرياف”.

البعض لا يمر بنفس الطريق، كحال عامل البناء الشاب ياسر الذي جاء من السودان في رحلة طيران عبر مصر.

على مضض ترك ياسر حلم الهجرة، بعد أن أنفق 28 ألف دينار على أربع محاولات فاشلة أعادته مرغما ومفلسا إلى سكن مهترئ بأطراف طرابلس.

يقول ياسر “لقد شاهدت سجونا بحال أفضل، هذا أول ما خطر ببالي عندما دخلت السكن. رائحة الرطوبة والعفن، ممزوجة بصقيع الشتاء. والنافذة الصغيرة المرتفعة بالكاد تسمح ببعض الشمس والهواء. لا سخانات مياه، لا مرافق صحية، لا أرضيات عازلة للحرارة، لا أسرة. فقط قطعة بساط قديمة عليها بضع أسفنجات، وبطاطين قديمة، مع موقد كهربائي في طرف الغرفة عليه إبريق شاي قد يحمل بعض الدفء بعد عمل عضلي مرهق”.

ولدى سؤال بعض العمال كيف يبدأون يومهم؟ قالوا ببساطة البسطاء “ننطلق منذ الفجر إلى محطة العمال وننتظر الرزق اليومي، ثم نعود لتناول العشاء والنوم”.

“قانون العمل الليبي لا يسمح بوجود شركات لتوفير العمالة”. كما صرح مدير مكتب الإعلام بوزارة العمل والتأهيل عبدالقادر بوشناف. وعلى المقاول أو صاحب العمل أن يطلب العمال من إحدى محطاتهم المنتشرة. هي دائرة غير نظامية مكتملة، فأغلب العمال يدخلون بطرق غير قانونية، ودون أي تسجيل لدى المؤسسات المعنية، وبالتالي لا توفر لهم الدولة أي خدمات، وأغلبهم يفضل الإيجار الأرخص في منازل خربة أو غير مكتملة وبعيدة.

البعض فرض نفسه لكفاءته (التواصل الاجتماعي)

ويتمتع الأفارقة بالسلع المدعومة، وغير المسجّلين منهم لا يدفعون الضرائب. ويجري الكثير منهم توصيلات كهرباء غير نظامية، دون فواتير. وبحسب وزارة العمل، فإن هذا يرهق كاهل الدولة بالمصاريف، ويحرمها شهريا من مئات الملايين.

ووفق تصريح بوشناف، “لا توجد بالوزارة قاعدة بيانات للأفارقة في ليبيا، إلا أنها تسعى بالتعاون مع وزارتي الداخلية والحكم المحلي لحصر العمالة وضبطها وتنظيم سوق العمل. هذا بالإضافة إلى لجنة شكلت من أجل بحث إنشاء مدن عمّالية”.

الحدث الأبرز بالخصوص كان الاتفاق الذي أُبرم نهاية ديسمبر الماضي مع وزارة العمل المصرية، والذي نتجت عنه عملية ربط عبر منصة إلكترونية “وافد” ستتعاقد من خلالها الشركات في ليبيا مع العمالة المصرية، على أمل إنهاء عمليات التزوير والتحايل والتجارة بالبشر.

وبحسب بوشناف، “ستضم المنصة العمالة الأفريقية أيضا، وقد بدأ العمال المسجلون يتوافدون منذ مطلع العام، ولن يتم الاعتراف بغير المقيدين فيها، ضمانا لحقوق العمال والدولة، ولهذا لا مناص من التسجيل وتسوية الأوضاع”.

في الشارع يختلف الأمر، فلم يسمع الأفارقة الذين حاورتهم الوكالة بالمنصة، ولم يبدوا أي اهتمام بأمرها.

يقول ياسر “خضت في الماضي مغامرة الهجرة وفشلت، والآن أغامر بالعمل دون أوراق، وقد أجد نفسي غدا حبيس أحد مراكز الهجرة. لا بأس، فإعالة زوجتي وأولادي تستحق التضحية، ولن أهتم كثيرا إن لقبوني في نشرات الأخبار بالمهاجر غير الشرعي”.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي