بمناسبة عرض سيرتها الذاتية «مش من زمان»

نضال الأشقر: لبنان ينازعُ والفنانون يحاولون البقاء على قيد الحياة

2021-12-31

حوار: الحسام محيي الدين

«مش من زمان» هو اسم العرض المسرحي المُغنّى، الذي تعيد تقديمه الفنانة اللبنانية نضال الأشقر، مُجسدة من خلاله شذرات من سيرتها الفنية، ورغم أهمية مثل هذا العمل على المستوى الفني، إلا أن هناك ملمحاً آخر هو دعم مسرح (المدينة) أحد أهم المعالم الثقافية في بيروت في ظل حالة الانهيار الاقتصادي الذي تشهده لبنان. عن هذا العرض وعن الحالة المسرحية في لبنان والوطن العربي كان معها هذا الحوار..

ما هو مضمون العروض الجديدة التي تقدمينها على خشبة مسرح المدينة في بيروت هذه الأيام، على الرغم من أشكال الحصار السياسي/الاقتصادي الذي تعيشه هذه المدينة؟

هذا السؤال منفصل عن الواقع اللبناني! عن أيّ مضمونٍ تتكلّم وعنْ أيّ واقعٍ وأيّ لبنان؟ لبنان ينازعُ للأسف، والفنانون يحاولون البقاء على قيد الحياة، والمسرحُ الموجود من وقتٍ إلى آخر هو مسرح شبابي رافض للواقع الأليم، يصرخ وجراحه مفتوحة، وأنا لا أقدّم كمخرجة أو ممثلة أيّ عرض، بل أضمنُ أيضاً للشّباب منصّة مسرح المدينة كي يعبّر عن نفسه. أما بالنسبة إلى أعمالي الخاصّة فإنّنا نقدّم الآن عرض «مش منْ زمان» لدعم المسرح الآن، وهي سيرة ذاتية مغنّاة كتبتُها وأخرجتها عام 2016 ونعيد عرضها الآن دعماً لمسرح المدينة، وهو بالشّكل عمل جديد ومضمون جديد يحكي سيرتي، وكيف أصبحتُ امرأةَ مسرح ولماذا. الفكرةُ جديدة ولم أسمع أو أشاهد مثلها منْ قبل في أيّ عرضٍ مسرحيّ لسيرة ذاتية تُغنّى عن فنانةٍ وهي على قيد الحياة. ومن آخر أعمالي أيضاً «الواوية» من إخراج ناجي صراطي، وهي مسرحية عن الأمّ الشُّجاعة مع أطفالها الثلاثة من الذكور، بغداد والقدس وبيروت، وتحاولُ أنْ تعيش زمن الحرب بكل أهوالها ومآسيها. هذه المسرحيّة قُدّمتْ منذ أربع سنوات تقريباً، وهي من أواخر ما قدمته على المسرح حينذاك، بالإضافة إلى ذلك يبقى التجمع الحالي في «مسرح المدينة» هو الأهم، إذ نحاول من خلاله أن نبقي المسرح على قيد الحياة، مع التأكيد أنه ليس هناك من تجمّعات في زمن كورونا، والجمهور يأتي إلى المسرح ضمن إجراءات وزارة الصحة، ونجلس جميعاً ونحن نضع الكمامات. نحن نلتقي في المسرح ولأجله، ولقاؤنا هو فعلُ إيمان بوجودنا على قيد الحياة. أهمّية مسيرتي الآن أن أدعم الشباب، وأن أستمر بالقول لا لهذا النظام الفاسد والمُفسد والجشع والقاتل، وأن نقف في وجهه كفنانين مبدعين. هذه هي الاستمرارية التي أريدها في عملي، ويجب أن نقف ضدّ كلّ من هم ضدّ لبنان وإنسانه ومسيرته الثقافية المختلفة. بيروت صامدة رغم كل شيء وهناك العشرات من الأعمال المسرحية والفنية التي تنبع من لبنان، دون إنتاج من الخارج. بيروت تعج بالمعارض والمسارح والمقاهي، ولا أحد يشبهها بعطائها، ولا أي مدينة أخرى. نحن هنا ثابتون في مدينتنا العريقة.

وهل ترين في المواهب الجديدة أنها تنبئ بمستقبل مضيء للمسرح اللبناني؟

هناك الكثير من المواهب في الشّباب اللبناني، وهُم كتّاب يرتجلون الواقع الأليم، أو فنانون يقدّمون ما يستطيعون كي يبقوا على قيد الحياة. هذا هو الفنان اللبناني الموهوب إلى آخر حدّ، وإبداعه ينبثق من واقعه، ومن حاجته إلى التعبير الحرّ وانطلاقاً من واقعٍ مأساوي تراجيدي، يكون عملاً مسرحياً. ونستمرّ. هذا هو المهم البقاء.

ألا تؤثر علاقة المسرح بالمدينة على تطوره وازدهاره في المناطق النائية، أو الريفية، ما يعني انعدام توافر نقلة مميزة ونوعية للمسرح؟

أنا على يقين أن التعابير الإنسانية الجميلة والموسيقى موجودة في كل قرية في لبنان والعالم العربي، وهي تعابير تنبع من العادات والتقاليد كالموَلِد النبوي وشعائر الفصح والميلاد، واحتفالات الزواج والأعياد المختلفة، التي تُقدَّم من خلالها. كل ذلك هو مِلْحُ المسرح، أضِف إلى ذلك الأغاني والموسيقى في القرى النائية مع آلات بدائية. إنه التراث الجميل بما هو حركة أدائية فطرية عند كل الشعوب. لكنّ المسرح في شكله الحالي هو مدنيٌّ بامتياز، وينشأ ويتطور في المدن أينما كانت. هناك في مدينة بيروت العشرات من التجمّعات، تعمل معاً منذ سنوات ويقدّمون الأعمال المتنوعة نصاً وعرضاً. سنة 2016 عندما احتفل مسرح المدينة بالعشرين سنة الأولى لتأسيسه، قدّمنا ثلاثين عملاً لبنانياً لكلّ مُخرجي المسرح في لبنان، وكنّا نقدّم عملَين في كلّ أمسية ويكون المسرح مكتظاً في كلّ عرض. بهذا المعنى نقدّم الآن في مسرح المدينة «الجار للجار» وهي تظاهرة فنية موسيقية غنائية مسرحية من تسعة أعمال في شهر واحد بين 11 كانون الأول/ديسمبر الحالي وتنتهي في 29 منه ضمناً، نُطلِقُ فيها مسرح المدينة من جديد، رغم أنّه وحتى الآن لم يقفل أبوابه يوماً واحداً، بل أحجمَ عن تقديم العروض فقط في أول أيام كورونا الخطرة.

ألا يزال المسرح العربي واللبناني قادراً على النهوض بالمجتمع إلى الأفضل في مشاكله وهمومه وقضاياه؟

المسرح اللبناني فريدٌ في عالمنا، لأنه ليس تحت سيطرة الدولة، لذلك ورغم الرقابة هناك التميّز في المواضيع الجريئة، التي تشبه واقعنا وتنطلق من آلامنا وتعبر عن آمالنا. الكثير من البلدان العربية الآن تنتج القليل عدا مصر بالتأكيد، ورغم الكثرة ليست هناك النوعية في الطرح السياسي والاجتماعي كما في لبنان، وكما في الستينيات في مصر، حتى المسرح التونسي الذي كان دائماً في الطليعة تقهقر بعض الشيء.

ولماذا لا نرى تعاونا بينك وبين المنظومات المسرحية العربية، التي تمتلك القدرة المادية من حولنا؟ خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعصف بلبنان وبعض الدول العربية الأخرى؟

عن أيّ تعاونٍ تتكلم مع المسرح العربي؟! أين هم الداعمون والسائلون عن المسرح اللبناني؟ هل علينا نحن أنْ نذهبَ إليهم أم العكس؟ وأين همْ مِنْ دَعْمِ المسرح اللبناني الجريء غير المُتكلّف وغير التقليدي، الذي يقاومُ مقاومةً ثقافية حقيقية شرسة للبقاء؟ وأين المسرح العربي؟ أين الهيئة العربية للمسرح في هذا الزمن الصعب، ولماذا لم تأت إلينا حاملةً الدعم المعنوي والمادي كي نستمر وسط هذه الأزمة الخانقة؟ هل اتصل أي أحد من هيئة المسرح بنا؟ لا أذكر أن أحداً يهمه الأمر. هل ينتظرون منا الاستجداء؟ الوحيد الذي اتّصل وسوف يأتي ويعرض في مسرح المدينة هو سليمان البسّام من الكويت، وهو الفنان الوحيد من العرب الذي تبرّع للمسرح، ويحاولُ تقديم عروضه، وهو فنان فريد في أعماله التي أصبحت عالميّة، وفي الشهر المقبل، إن شاء الله، يقدّم سليمان البسّام عمله الجديد هنا في بيروت. وللموضوعية فقد كان هناك تبرّع في الماضي من الشّارقة، لكنّه توقّف منذ سنوات ولا نعرف الأسباب. الأزمنة مليئة بالصعاب، إنه زمن الحصار المتعدّد الوجوه، ولا أحد تقدّم بأي مساعدة. أذكرُ عندما كان العراق يمرّ بحروب ضدّه، كنت أتّصل دائماً بالنقابة وأتّصِلُ بأصدقائنا في فلسطين المحتلّة وندعو الفرق إلى القدوم إلى مسرح المدينة، كي نظلّ على تواصل أخوي دائم. وعندما هجم العالم كلّه على سوريا كنا دائماً على اتّصال بفنانيها، وقد قَدِمَ الكثير منهم إلى لبنان لتقديم أعمالهم المسرحية أو التلفزيونية، ورغم كل شيء، ورغم كل الحالة الصعبة التي وصلنا إليها، يبقى المسرح اللبناني منتجاً وجديداً، دون أي دعم من أيّ أحد، متميزاً جداً بأنه لا يقدّمُ أعمالاً لا يؤمِنُ بها. نحن ماضون بالإنتاج، وهذا الشهر مثلاً هناك الكثير من الأعمال الموسيقية والغنائية والمسرحية .وفي كل الأحوال .. سوف نستمر.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي