
مقديشو: ما إن تُحل أزمة حتى تبرز أخرى أمام الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الصومال، لكن توقيت الأزمة الراهنة بين رئيس البلاد محمد عبد الله فرماجو ورئيس وزرائه محمد حسين روبلي ينذر بتعطيل العملية الانتخابية ويهدد الاستقرار النسبي للبلاد منذ سنوات.
ويرى خبراء، أن الاتهامات المتبادلة بين "فرماجو" و"روبلي" حول العملية الانتخابية تظهر وجود انقسام حاد في اللجان الانتخابية التي اختلطت بالعملية السياسية، في ظل دستور مؤقت لا يحدد الصلاحيات.
والأحد، أعلن "فرماجو" فشل "روبلي" في قيادة العملية الانتخابية، وهو اتهام رفضه الأخير، معتبرا إياه خطوة متعمدة لعرقلة مسار الانتخابات.
وقرر فرماجو، الإثنين، توقيف "روبلي" عن العمل، لحين انتهاء ما قال إنها تحقيقات في قضايا فساد.
"روبلي" رد باتهام "فرماجو" بمحاولة السيطرة على مكتب رئيس الحكومة بقوة السلاح، معتبرا ما حدث "محاولة من فرماجو للانقلاب على نظام الدولة والدستور".
وأثارت هذه التطورات دعوات داخلية وخارجية، بينها أمريكية وبريطانية، إلى ضبط النفس وحل الأزمة سليما.
وفي 27 ديسمبر/كانون الأول 2020، انتهت ولاية البرلمان، فيما انتهت ولاية فرماجو (4 سنوات) في 8 فبراير/شباط 2021، لكنه استمر في الرئاسة في ظل خلافات آنذاك بين حكومته وزعماء ولايات الصومال الفيدرالية الخمس بشأن تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
الدستور المؤقت
وقال المحلل السياسي الصومالي محمد عبده، إن "الساحة الصومالية تعودت على الخلافات السياسية، إلا أن الأزمة الجديدة بين فرماجو وروبلي مختلفة تماما عن سابقاتها، فتوقيتها يحمل في طياته تحديات كثيرة تطل على المشهد السياسي".
ورأى أن "جذور معظم الأزمات السياسية التي تكررت في البلاد هو الدستور المؤقت الذي لا يفصل بين الصلاحيات، ناهيك عن موسم الانتخابات الذي تتصاعد فيه الأزمات السياسية حول آليات إجراء الانتخابات".
ومنذ انتخاب أول حكومة انتقالية عام 2000، يخضع الصومال لدستور مؤقت، ولكي يصبح دائما يحتاج لمصادقة البرلمان واستفتاء شعبي، وهو مالم يحدث حتى الآن بسبب خلافات داخل البرلمان.
وتابع: "الدستور المؤقت يحتوى على بنود متضاربة بشأن صلاحيات المؤسسات العليا، ما يجعل حدوث أزمات سياسية بين قادة البلاد أمر في غاية السهولة، وهو ما يعكس هشاشة نظام الدولة التي تتعافى من مشكلات سياسية وأمنية تثقل كاهل الشعب منذ عقود".
ومع انهيار الحكومة المركزية عام 1991، شهد الصومال حربا أهلية لا يزال المواطن يعاني من تداعياتها المدمرة اقتصاديا وسياسيا.
واستطرد: "الخلافات السياسية بين قادة البلاد ليست جديدة وتكررت حتى في الحكومة السابقة، لكن الخلافات السابقة كانت مقتصرة على العملية السياسية ولا تطال مسار الانتخابات كما يحدث الآن، وهو ما يعَّقد الأوضاع السياسية والانتقال السلس للسلطة".
الاستمرار في السلطة
الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود (2012-2017) اتهم الرئيس الحالي فرماجو بخلق الأزمات السياسية لإطالة أمد الانتخابات كي يستمر في السلطة بطريقة غير قانونية.
واعتبر شيخ محمود (مرشح محتمل لانتخابات الرئاسة المقبلة)، خلال مؤتمر صحفي الأحد، أن ما يعلنه الرئيس المنتهية ولايته عن فشل رئيس الحكومة في مهمة الانتخابات "لا أساس له من الصحة".
وأردف أن "فرماجو" لا يريد إجراء انتخابات نزيهة، ويجب الحذر من دفع البلاد إلى العنف وعدم الاستقرار السياسي.
مستقبل الانتخابات
الأزمة الراهنة تلقي بظلال قاتمة على انتخابات جرى تأجيلها 5 مرات؛ جراء خلافات بين الحكومة ورؤساء الولايات الفيدرالية تارة و"فرماجو" و"روبلي" تارة أخرى حول إجراءات الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وقال محمد الأمين، عضو سابق في البرلمان، إن "الأزمة السياسية الراهنة ستؤثر سلبا على العملية الانتخابية التي تأجلت عن موعدها الأصلي لمدة عام"
ووفق الدستور المؤقت، كان مقررا إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قبل 8 فبراير 2020.
ورأى الأمين أن "الأزمة السياسية الحالية ليست بمنأى عن تداعيات التغييرات التي طالت اللجان الانتخابية، والتي ظهرت منتصف ديسمبر/كانون الأول الجاري بعد إقالة رئيس الحكومة لسبعة من أعضاء لجنة حل خلافات الانتخابات بتهمة خرق لوائح اللجنة".
وتابع: "إقالة هؤلاء الأعضاء جاءت بعد أيام من إعلان اللجنة صحة فوز مدير جهاز الاستخبارات بالإنابة، ياسين عبدالله، المقرب من فرماجو، بمقعد برلماني، رغم شكوك حول نزاهة انتخابه".
وأوضح أن "تغيير أعضاء في اللجان الانتخابية وسحب الثقة من رئيس لجنة الانتخابات الفيدرالية، محمد حسن عرو، من شأنه تعطيل عمل اللجان الانتخابية، مما يؤثر سلبا على مستقبل الانتخابات".
والسبت، أعلنت لجنة الانتخابات سحب الثقة من رئيسها؛ بتهة التقصير في أداء واجباته وعدم التشاور مع أعضاء اللجنة، وهو مارفضه الأخير، ملمحا إلى اللجنة تواجه تدخلات سياسية لم يوضحها.
وانتهت انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للرلمان) منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بينما تتواصل انتخابات مجلس الشعب (الغرفة الأولى) في بعض الولايات.
ومنذ انطلاق الانتخابات البرلمانية، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تتزايد شكاوى المرشحين من عدم تطبيق النزاهة والشفافية وإجراء الانتخابات بمخالفة القوانين المنظمة لها.
تهديد للاستقرار
أما المحلل السياسي الصومالي عبدي علي، فقال، إن "المؤتمر التشاوري الذي دعا إليه روبلي، والمتوقع أن يجرى تغييرات على بنود في اتفاقية 17سبتمبر/أيلول 2020 حول إجراء انتخابات في مركزين انتخابيين، كان من بين أسباب الخلافات بين فرماجو وروبلى".
وتابع أن "فرماجو حذر من مغبة أي مساعٍ لتغيير اتفاقية إجراء انتخابات، وذلك خلال كلمة له بمناسة ذكرى مرور 78 عاما على تأسيس الشرطة".
وأردف "علي" أنه "في خضم هذه الأزمة سيتوقف مسار الانتخابات، مما سيجر البلاد إلى دوامة أزمة سياسية وأمنية قد تعصف بالاستقرار النسبي الذي يشهده البلاد منذ سنوات".
تحول أمني
متفقا مع "علي"، حذر شريف روبو، خبير عسكري متقاعد، من أن "الأزمة الحالية قد تدفع البلاد إلى حالة أمنية غير مستقرة، نظرا لاختلاط المؤسسات العسكرية بالعملية السياسية".
وتابع "روبو" أن "هشاشة هيكلة الجيش وقوة انتمائه القبلي يهددان بأن يتحول الاستقرار النسبي في البلاد إلى حالة عدم استقرار، وهو ما يخلق حالة من الانفلات الأمني قد تستغله الجماعات الإرهابية".
ومنذ سنوات، تقاتل القوات الحكومية مسلحي حركة "الشباب" المتمردة المرتبطة بتنظيم "القاعدة".
وأردف: "من الحكمة الاستفادة من التاريخ، حيث سبق وأن شهدت البلاد مواجهات مسلحة بين قوتين حكوميتين نتيجة إقدام الرئيس (فرماجو) على تمديد ولايته لمدة عامين قبل أن يتم إلغاؤها من جانب البرلمان، وها هو السيناريو نفسه قد يتكرر".
وصباح الإثنين، شهدت العاصمة مقديشو تحركات لقوات مختلفة داخل المؤسسات العسكرية بعد أنباء عن سيطرة قوات الرئاسة على مكتب رئيس الوزراء.
فرص التسوية
وفي محاولة لتجنيب الصومال مزيدا من الخلافات والتشظي، توالت دعوات داخلية وخارجية إلى حوار بين قادة البلاد والابتعاد عن العنف وأي أعمال استفزازية قد تعصف باستقرار البلاد.
وقال أويس محمد، محلل في مركز الصومال للبحث والدراسات، للأناضول، إن "فرص حل الأزمة متوفرة في كل الأوقات، لكنها مرتبطة بمدى تقديم الجانبين تنازلات عن هذه القرارات التي تضر بالعملية السياسية".
ورأى أن "جهود تسوية الأزمة بدأت بالفعل، حيث دعا نائب رئيس الوزراء (مهدي خضر جوليد) إلى ضبط النفس، معلنا جاهزيته للتوسط في حل الأزمة".