"سقوطهم الصعب".. رحلة ثأر دموية في مطاردة الشبح الخطر

2021-11-28

طاهر علوان

قدمت السينما الأميركية العديد من أفلام الويسترن التي صارت نمطا سينمائيا راسخا، وتتكرر فيها الصراعات والملاحقات المشوقة وحكايات الانتقام وغيرها من القصص التي باتت راسخة في أذهان المشاهدين على مر عقود. لذا فإن تقديم فيلم في هذا النمط قد يعتبر مغامرة فنية إذ سيساءل عن الجديد الذي يمكنه طرحه.

في البدء ليس هنالك سوى الفلاة الخالية وليس سوى بيت منعزل يقطنه ثلاثة أشخاص، هم طفل ووالداه وها هما يصليّان قبيل تناول الطعام لكن القدر سيكون في انتظارهما، يطرق الباب، ثم يفتح فيظهر شخص مدجج بالسلاح، يردي الوالدين صريعين فيما يرسم علامة الصليب بموس حلاقة على جبين الطفل الذي عمره أقل من عشرة أعوام.

لن نعرف لماذا ولا كيف ولا عن الدوافع ولماذا بدأ مخرج هذا الفيلم “سقوطهم الصعب” بهذه الذروة المفاجئة وجعلنا بعدها معلّقين بحال من التساؤل عمّا يجري.

لكننا أمام عودة إلى كلاسيكيات أفلام الويسترن التي نشأت وشابت عليها أجيال في مختلف بلدان العالم، فالقصة دائما وغالبا تبدأ بشرارة ووراء كل رصاصة تنطلق هنالك دافع للانتقام.

علينا أن نتقبل تلك الأجواء وننتظر أن تشهد مواجهات بشكل ما وهي الأجواء التي انطلق المخرج منها، ففي خلال أقل من عشر دقائق سوف نقفز بالزمن قفزات سريعة، تتمثل أولا في أن ذلك الطفل الصغير سيصبح هو نات لوف (الممثل جوناثان ماجورز) الذي سوف ينفذ أول انتقام له بقتله أحد أتباع روفوس باك (الممثل إدريس ألبا) الذي شارك في جريمة قتل والدي نات.

المشاهد هنا مع الدقائق العشر الأولى التأسيسية بالغة الأهمية حيث يبرع المخرج جيمس صامويل في تكثيف الأسباب التي سوف تحرك الأحداث وتتصاعد بها، فهو يبدأ فيلمه بمشهد سوف نكتشف في ما بعد أنها عودة إلى الماضي، ثم ما يلبث أن ينتقل بنا إلى زمان آخر ومكان آخر يكون فيه نات قد صار رجل عصابات مطلوبا للعدالة ومحترفا فيما يلاحق غريمه روفوس قاتل والديه.

وفي واقع الأمر إن تلك البداية التمهيدية المؤثرة والمصنوعة بعناية طرحت أمام المشاهد العديد من الأسئلة التي سوف تحتاج إلى إجابات لاحقا ومن ذلك الكشف عن شبكة علاقات نات لوف وأين يذهب مختبئا بعد أن يقوم بأية غارة، فهو جزء من منظومة من الذين يتصدون لعصابات أخرى تسطو على البنوك ومنها ما يعرف بعصابة ذوي الأقنعة الزهرية وهؤلاء ما يلبثون أن يقعوا بين أيدي عصابة أخرى تستولي على ما سرقوه.

هذا النسيج السردي الذي سرعان ما يتسع لدينا بعد مرور دقائق معدودة من الفيلم، والذي يقدم تنوعا ملفتا ووجهات نظر مختلفة وهي التي تكاملت ساعة أن دخل نات لوف وأصدقاؤه إلى مركز المدينة ودخلوا ناديا ليليا تديره ماري (الممثلة زازي بيتز) التي ترتبط بعلاقة مع نات، ولهذا فإنها لن تتقبل اقتياده من طرف رجل الشرطة باس ريفز (الممثل ديلوري ليندو)، من هنا صرنا إزاء تطور درامي وحبكات فرعية فضلا عن دخول شخصية جديدة مختلفة على مسرح الأحداث.

على خلفية هذه الأحداث مجتمعة يمكن التوقف عند حقيقة أن هذا الفيلم يحاكي سير شخصيات حقيقية تمت إعادة كتابة جانب من سيرتها وعلاقاتها وهذه الشخصيات المتميزة فعليا بالإضافة إلى نات لوف كل من باس ريفز وستاغي كوتش ماري وجيم بيكوورث وشيروكي بيل وهؤلاء مجتمعين تم زجهم في هذه الدراما الفيلمية وتم استرجاع جوانب من سيرهم الذاتية ولو جزئيا أو كخلفية للأحداث التي في الواقع تقدم هنا ومن خلال هذه الشخصيات صورة نمطية لشكل المغامرات التي كانت تجري وقائعها في الغرب الأميركي.

في المقابل فإن ميزة هوامش السيرة الذاتية التي تم تقديمها من خلال بضع شخصيات هنا تبدو غير مكتملة بالقياس إلى الشخصيات الرئيسية، فمن يتم الاستفادة من سيرهم تم التأسيس عليها ولكن من زوايا متعددة وربما يكون من أهم العلامات في هذا الإطار هو المكان وأفعال الشخصيات التي تم البناء عليها وتطويرها تباعا واستثمار الشخصيات الثانوية من أجل بناء درامي متكامل يتحقق فيه الصراع بقوة بين الشخصيات.

ولنلحظ هنا أن الشخصيات التي أشرنا إليها على أن حياتها شكلت جانبا من السيرة الذاتية قد شكل انتقالها من الفضاءات المفتوحة والأرض القفراء إلى المدينة نقطة تحول، وذلك بدخولها طرفا في الصراع الذي يخوضه ثأريا نات وهو يطارد ذلك الشبح الخطير روفوس.

بالطبع سوف تحضر هنا أفلام سيرجيو ليوني وسام بيكنباه وجون فورد وهيوارد هوكس وكلينت إيستوود ودون سيغل وجون ستورجز وروبرت ألدريتش وغيرهم، وكأن تلك الثيمة قد حملت من خلال أفلام الويسترن عبر أجيال حتى لم يبق هنالك الكثير مما يمكن أن يقدمه مخرجوها.

الصراع بين الشخصيات محمل بأبعاد عاطفية عميقة وكذلك قدم شخصيات على درجة عالية من الإقناع والنفاذ إلى ذائقة المشاهدين

وعلى هذا يمكننا أن نتساءل حول نجاح هذا الفيلم في المضي مع تلك الموجات من الأفلام بالتوازي وأن يكون مكملا لها أو أنه سيكون ندا قويا وليس مجرد إضافة هامشية، وهو تساؤل يضع في الصميم هذا النوع من الأفلام في دائرة النقاش حول جدواها بالعودة بنا إلى زمن العصابات وقطاع الطرق والمطاردات على ظهر الخيل.

كان العرض الأول لهذا الفيلم من خلال الدورة الأخيرة لمهرجان لندن السينمائي الدولي، التي اختتمت في أكتوبر الماضي، وهناك تمت استضافة المخرج جيمس صامويل، وهو مخرج بريطاني من أصول أفريقية وعرف حتى الآن باهتمامه وتكريس مسيرته للغناء، فهو مغنّ ومنتج ومهندس صوت، وعرف بألبوماته الغنائية على نطاق واع تحت اسم “بوليت”، وهذا هو فيلمه الروائي الطويل الأول الذي رسخ من خلاله نفسه بوصفه مخرجا متميزا نجح في تقديم شكل ونوع مختلف من الدراما واستطاع أن يطرح نوعا من الصراع المحمل بأبعاد عاطفية عميقة وكذلك قدم شخصيات على درجة عالية من الإقناع والنفاذ إلى ذائقة المشاهدين.

وفي هذا الصدد كتب الناقد مات زيلر في موقع روجر ايبيرت متسائلا هل يمكننا الحديث عمّا يمكن أن نسميه متعة دموية: انتقام وقطع أنفاس على طريقة الويسترن ومن خلال شخصيات لا تُنسى أداها ممثلون لا يُنسون؟ كل مشهد تم رسمه وإخراجه والتخطيط له بعناية فائقة من أجل تحقيق درجة عالية من الجمال الحسي والقوة الحركية، كل ذلك وجدناه في هذا الفيلم.

ويضيف عن المخرج صامويل أنه لم يدرس فقط أعمال المخرجين السابقين لأفلام الويسترن الذين تمت محاكاتهم، ولكنه كان مستوعبا ما كان ممثلوه يفعلونه بالصورة والصوت، ويشعر بكل ذلك بالتأكيد بالطريقة التي تشعر بها الشخصية ذاتها.

ولعل من الجوانب الفنية التي تحدث عنها النقاد في هذا الباب هو كون الفيلم قد عرف في عروضه الجماهيرية من خلال منصة نتفليكس، ومعلوم أن مشاهدي هذه المنصة يشاهدون الأفلام إما من خلال شاشة التلفزيون أو شاشة الكومبيوتر أو جهاز آيباد، بينما تم البناء الصوري والصوتي لهذا الفيلم لغرض العرض في دار سينما وشاشة عريضة وتقنيات عرض رقمي متطورة، وواضح هو ميل المخرج لاستخدام الشاشة العريضة لتأطير اللقطات والمشاهد التي تستند إلى مساحات مكانية واسعة وكونها أيضا محملة بكم من المعلومات التي يجب عليك التركيز عليها في أثناء متابعة أحداث الفيلم.

وبحسب الناقد زيلر فقد كان المخرج حريصا على منح الشخصيات لحظات ثمينة بالاستماع إلى بعضهم البعض، إلقاء نظرة صامتة على بعضهم البعض، التفكير في خطواتهم التالية، وخلال ذلك وغالبا كان هنالك موت محدق وأعداء مدججون بالسلاح.

وإذا كنا في السياق الفيلمي أمام إشكالية أفلام الويسترن فإن القضية الأساسية هي قضية الصراع في هذا النوع من الدراما، وهو صراع يفضي إلى مستويات متفاوتة من العنف والجريمة ونزعة الانتقام، وهذه النقاط المحورية كانت هي الأساس في هذا الفيلم والتي من خلالها تم تقديم الأحداث والشخصيات.

من هنا إذا توقفنا على صعيد الدراما أمام شخصية نات والمجموعة التي تحيط به فإنها ما تلبث أن تتحول مجتمعة إلى أحد طرفي الصراع ونزعة الانتقام، أما الطرف الثاني فهو روفوس باك ومعه صديقته ترودي (الممثلة ريجينا كينغ) وهي التي التي سوف تقود ثلة من أتباعه لغرض أن يقتحموا قطارا ينقل السجناء والمجرمين وتتمكن من تحرير روفوس وسوف يكون تحريره منطلقا لمزيد من التصعيد الدرامي.

لنتوقف عند المشاهد التي مهّدت لإخراج روفوس من بين يدي سجّانيه، فالمنطلق هو المعلومة التي سوف يحصل عليها نات بأن روفوس على وشك الخروج من السجن وأن العصابات بدأت تستعد لخروجه وهو ما يدفعه إلى تدبر أمره بانتظار المواجهة الحاسمة، وكانت تلك حبكة فرعية ضرورية لغرض التصعيد الدرامي.

في المقابل استخدم المخرج عنصر الحركة في مشاهد متوازية ما بين فريق قطاع الطرق المتجهين نحو القطار وسط أرض قفراء ومن جهة أخرى هنالك القطار البخاري الذي يشق طريقا وسط الحقول، وكلاهما يسابقان الزمن قبل المواجهة الكبرى، وبسبب ولع وتخصص المخرج بالموسيقى فإنه لم يغفل أن يقدم مادة غنائية تتناسب مع مشاهد الحركة تلك وهي التفاتة عمقت من أهمية تلك المشاهد وجانبها التعبيري وخلال ذلك موقف السكون المفاجئ الممثل في وقوف ترودي على ظهر الحصان على خط سكة القطار لكي يضطر سائق القطار إلى الوقوف وهو ما سوف يقع فعلا.

ولعل بناء المشهد في ما تلا ذلك يكمن في الطريقة التي تم من خلالها تقديم شخصية روفوس، فبعد تهديد الحارس وإصابة عدد منهم يتم إخراجه من الزنزانة المقفلة في جوف القطار في مشهد يتم فيه انتقال روفوس من الظلمة إلى الضوء، ومن ثم يأمر بقتل جميع رجال الشرطة الذين كانوا على متن القطار.

وأما على صعيد التغيير المكاني في موازاة التصعيد الدرامي فسوف نلاحظ طريقة دخول روفوس إلى مدينة ريدوود هو وثمانية من أشرس المقربين منه، لكي يحتلوا تلك المدينة وتتحول إلى منطلق لهم سواء بالاستيلاء على مقر الولاية أو البحث عن الأموال المنهوبة وصولا إلى العملية المروعة التي تم ارتكابها بحق مأمور الشرطة وحاكم البلدة.

واقعيا نحن أمام عنف متدرج يبدأ مع شخصية نات وجماعته، ولكنه سوف يبلغ ذروته بما يقترب من التوحش وهو الذي يميز أفعال روفوس الانتقامية بالإضافة إلى مساعديه شيروكي وترودي الموغلين في الجريمة ونزعة الانتقام.

ولعل مشاهد المواجهة بالمسدسات والعنف المفرط هي التي ميزت هذا الفيلم وعززت جانب المتعة في مشاهدته فهي ليست مصنوعة بالشكل التقليدي بل على درجة من الإقناع على صعيد الحركة، وهو ما كرس له المخرج جهدا خاصا من أجل أن يظهره بالشكل الذي ظهر عليه خلال السياق الفيلمي المشحون بالحركة والعنف.

من هنا وجدنا أن فكرة الانتقام هي فعل عنيف متصاعد بامتداد المساحة الفيلمية ابتداء من خروج روفوس من سجن القطار ثم المواجهة الدامية بين المجموعتين أي مجموعة نات في مقابل مجموعة روفوس ودون أن يعلما في النهاية وبحسب مرويات روفوس أن ذلك الرجل الذي أجهز عليه في بداية أحداث الفيلم ليس إلا والده وأن نات هو شقيقه، ويالها من نهاية ميلودرامية وتحول مفاجئ في مسار الدراما لكنه لن يثني نات عن الإجهاز على روفوس وقتله.

كاتب عراقي مقيم في لندن







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي