أديس أبابا: تحالفت تسع جماعات عرقية في إثيوبيا لتكوين جبهة موحدة في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، من أجل الإطاحة بحكومة آبي أحمد. مما يثير التساؤلات حول السيناريوهات المحتملة التي قد تتكشّف، بينما تستمر التوترات الداخلية على خلفية الصراع الإقليمي بين إثيوبيا من ناحية ومصر والسودان من ناحيةٍ أخرى حول سد النهضة الإثيوبي الكبير. فكيف ستنعكس هذه الحرب الأهلية على قضية ومستقبل سد النهضة؟
الحرب الأهلية الإثيوبية وسيناريوهات النزاع حول سد النهضة
يعتقد مراقبو الشؤون السياسية الإفريقية أنّ استمرار التوترات والصراع في إثيوبيا يُشير إلى وجود عددٍ من السيناريوهات المحتملة للنزاع الإقليمي حول سد النهضة، ولمسار المفاوضات المتعثرة برعاية الاتحاد الإفريقي.
إذ قال هاني رسلان، خبر الشأن الإفريقي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لموقع Al-Monitor الأمريكي: "إذ ظلت إثيوبيا بدون سلطة مستقلة توافق عليها جميع القوميات، فسيكون من المستحيل أن يستمر مشروعٌ مثل سد النهضة، خاصةً لأنه مشروع يُقسّم الشعب الإثيوبي. وفي النهاية، تحتاج الحكومة إلى دعم جهودها لمواصلة بناء السد كمشروعٍ قومي".
وأردف رسلان أنّ المشهد السياسي في إثيوبيا معقد، مضيفاً: "هناك معضلةٌ سياسية كبيرة بين بقاء نظام آبي أحمد بسياسته المناهضة للفيدرالية، التي تعتمد على نقل السلطة إلى الوسط ضمن إطار دولةٍ موحدة وهيمنةٍ مركزية، وبين القوميات الأخرى التي بدأت تعي مصالحها وترفض انتزاع سلطاتها. كما أنه من غير المعقول أن يعود شعب التيغراي لحكم إثيوبيا، رغم الانتصارات التي حققوها على إدارة آبي أحمد. فضلاً عن أنّ إتمام مشروع بحجم سد النهضة يحتاج إلى اقتصادٍ قوي".
ويضيف الخبير: "بالتالي فقد بات من الصعب إتمام المشروع في الجدول الزمني المُعلن وسط انهيار الاقتصاد الإثيوبي، وسحب الاستثمارات، وتحوّل الأولوية المطلقة للنظام السياسي إلى الحفاظ على بقائه.. هناك أيضاً تساؤلات حول مستقبل منطقة بني شنقول التي بُنِيَ عليها السد، في ضوء النزاعات العرقية القائمة ومستقبل الدولة الإثيوبية الموحدة. وعلينا أن ننتظر لنرى إن كانت تلك المنطقة ستختار البقاء تحت هيكل الدولة، أم الاتحاد مع المناطق المجاورة".
"استمرار الحرب في إثيوبيا يعني نهاية مشروع سد النهضة"
في حين قال محمد عبد الواحد، خبير الأمن القومي والشؤون الإفريقية، للموقع الأمريكي: "من الصعب التنبؤ بما إذا كان مشروع سد النهضة سيكتمل أم لا في ضوء النزاعات العرقية القائمة بإثيوبيا. ومع ذلك لا يمكننا القول إنّ استمرار الحرب يعني نهاية المشروع، خاصةً أنّ جميع الجبهات السياسية في إثيوبيا تنظر لسد النهضة باعتباره مشروعاً قومياً. وربما يُؤدي الصراع القائم إلى تأجيل أعمال الإنشاء، خاصةً في ظل مشكلات التمويل وتوجيه الميزانية إلى العمليات العسكرية".
ويتوقع عبد الواحد أن تستمر التوترات في إثيوبيا لفترة. بسؤاله عن احتمالية العودة إلى المفاوضات في هذه الحالة، قال: "إنّ العودة للمفاوضات مع إثيوبيا لن تكون خطوةً مناسبة في ضوء مشكلاتها المحلية، وخاصةً مع انشغال المؤسسات الدولية والاتحاد الإفريقي بالتطورات على الأرض في إثيوبيا والسودان أكثر من مسألة سد النهضة".
حيث تعثّرت مفاوضات سد النهضة العام الماضي بعد أن بدأت إثيوبيا المرحلة الثانية من ملء خزانات السد، بدون موافقة مصر والسودان. وقد صعّد البلدان الأمر إلى مجلس الأمن، الذي أوصى في الـ15 من سبتمبر/أيلول بالعودة إلى المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق حول قواعد ملء وتشغيل السد. لكن كل محاولات كريستوف لوتوندولا، وزير خارجية الكونغو الديمقراطية ورئيس الدورة الحالية للاتحاد الإفريقي، من أجل استئناف المفاوضات بين الدول الثلاث قد باءت بالفشل.
ما موقف مصر من النزاع المستمر في إثيوبيا؟
لم تُعلّق القاهرة رسمياً على الوضع السياسي المتوتر في إثيوبيا، لكن بيان المتحدث باسم وزارة الخارجية مؤخراً أدان تصريحات نظيره الإثيوبي التي تطرّق خلالها إلى الشأن الداخلي المصري، ووصفها بـ"التجاوز السافر". كما أردف المتحدث المصري أنّ "مصر فضَّلت طوال الوقت الامتناع عن التطرّق بأي شكل إلى الوضع والتطورات الداخلية في إثيوبيا. والقاهرة تعتبر محاولات إثيوبيا للهجوم على الدولة المصرية مجرد استمرارٍ لنهجها في استخدام لهجة عدائية من أجل التغطية على الإخفاقات الإثيوبية المتتالية".
وأردف المتحدث المصري: "موقف مصر واضح في ما يتعلّق بالتطورات في إثيوبيا، وهي تقف على مسافةٍ من الأزمة حفظاً لسياسة حسن الجوار. كما تريد مصر أن تكون إثيوبيا آمنة ومستقرة، خاصةً بالنظر إلى اختلافات وجهات النظر بشكلٍ كبير حول سد النهضة، وهي الخلافات التي تؤمن مصر أنّه بالإمكان حلها عبر المفاوضات الجادة".
ماذا يقول الإثيوبيون أنفسهم حول مستقبل السد؟
فشلت إثيوبيا في إتمام المرحلة الثانية من ملء سد النهضة. لكن تصاعد التوترات لم يمنع وزيرة الاتصالات الإثيوبية حورية علي مهدي من التصريح في نوفمبر/تشرين الثاني بأنّ سد النهضة سيبدأ في توليد الكهرباء بقدرة 700 ميغاوات العام المقبل.
بينما قال أنور إبراهيم، الكاتب والصحفي الإثيوبي، للموقع الأمريكي: "رغم بلوغ الحرب مراحل متقدمة، لكن ليس هناك خلافٌ داخل إثيوبيا بين الساسة والعسكريين حول مدى أهمية سد النهضة كمشروعٍ قومي. إذ دعمت المشروع العديد من الحكومات منذ تدشين حجر الأساس في عهد ملس زيناوي، وحتى آبي أحمد الذي رفض التخلّي عن المشروع. وقد يُؤدي الصراع إلى تأخير عملية المفاوضات، أو تعطيل عملية البناء بشكلٍ مؤقت، لكنني أعتقد أنّ الحكومة الإثيوبية جاهزةٌ لاستئناف المفاوضات رغم التطورات المحلية".
وأردف إبراهيم أنّ تأخير سد النهضة لا يرجع فقط إلى التطورات الإثيوبية. حيث أوضح: "بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني، طلبت مصر تأجيل بناء السد حتى تُعيد ترتيب أوراقها المحلية، حسب ما أوضحه وفد دبلوماسي مصري معروف زار إثيوبيا عام 2011. وبعد ثورة عام 2019، حاول السودان أيضاً تأجيل المفاوضات. ولكن إثيوبيا تقولها الآن بوضوح: إنّ بناء السد لن يتوقف".