أول اجتماع بين بايدن وشي.. هل تنجح قمة الأجندة السرية في تخفيف التوتر بين أمريكا والصين؟

2021-11-15

الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين ينغ (أ ف ب)

اللقاء الأول الذي يجمع الرئيس الأمريكي بايدن ونظيره الصيني شي لن يكون وجهاً لوجه، بل قمة افتراضية تبدو أجندتها أقرب إلى الأسرار الحربية، فهل ينجح اللقاء المنتظر في تخفيف التوتر بين واشنطن وبكين؟

منذ دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض 20 يناير/كانون الثاني الماضي، لم يلتقِ نظيره الصيني شي جين بينغ حتى الآن، في ظل التوتر غير المسبوق في علاقات بكين وواشنطن ووصول العلاقة بين البلدين إلى مرحلة متقدمة من الحرب الباردة.

وفي هذا السياق، تأتي أهمية هذه القمة الأولى بينهما، حتى وإن كانت افتراضية وليست وجهاً لوجه، إذ يأمل كثير من المراقبين أن تكون بداية لتخفيف التوتر بين القوتين الأكبر على الساحة الدولية حالياً، وإن كانت التوقعات لا تبدو مؤشرة.

قمة افتراضية بأجندة سرية

ستجري القمة الافتراضية بين بايدن وشي صباح الثلاثاء 16 نوفمبر/تشرين الثاني بتوقيت الصين، مساء الإثنين 15 نوفمبر/تشرين الثاني بتوقيت الولايات المتحدة، بعد أشهر طويلة من التحضير لها، ورغم ذلك لم يفصح أي من الجانبين عن أجندة القمة.

وجاء تقرير لمجلة Politico الأمريكية حول اللقاء بعنوان "لا تسموها قمة.. توقعات منخفضة للقاء بايدن وشي"، رصد ما يمكن وصفه بالتعتيم الرسمي من البيت الأبيض والرئاسة الصينية حول أجندة الاجتماع الافتراضي.

وبينما يستعد الزعيمان للقائهما الأول خلال رئاسة بايدن، بدا أن الرسائل الصادرة عن بكين وواشنطن تسعى إلى التقليل من الطموحات بشأن اللقاء/القمة، بالإضافة إلى أن القرار الثنائي بالحفاظ على "سرية" الأجندة يبدو أنه يعكس نفس هدف تخفيض سقف الطموحات بحدوث انفراجة في العلاقات بين الجانبين.

وفي هذا السياق، قال مسؤول كبير في إدارة بايدن إن اللقاء "لا يتعلق بالبحث عن نتائج كبيرة أو اتفاقيات محددة، بل هدفه الأبرز هو وضع شروط منافسة فعالة"، بحسب المجلة الأمريكية.

وأصدرت جين ساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض بياناً الجمعة 12 نوفمبر/تشرين الثاني، أكدت فيه على موعد القمة، لكنها لم تعلق على الأجندة سوى بالتركيز على أن هدفها هو "البحث عن سبل إدارة المنافسة بين البلدين بصورة مسؤولة، إضافة إلى العمل معاً في المناطق والمجالات التي فيها تتلاقى مصالحنا".

من جانبها، أصدرت هوا تشونيانغ المتحدثة باسم الخارجية الصينية بياناً في اليوم التالي لبيان ساكي، جاء من سطر واحد يقول إن "الزعيمين سيتبادلان وجهات النظر بشأن العلاقات الصينية الأمريكية والقضايا ذات الاهتمام المشترك".

تايوان.. هل تكون نقطة الانفجار؟

لكن على الرغم من عدم الإفصاح الرسمي عن أجندة ذلك اللقاء الافتراضي بين الرئيسين الأمريكي والصيني، إلا أن المؤشرات جميعها تصب في اتجاه كون قضية تايوان ستكون الملف الأبرز على طاولة بايدن وشي.

فجميع افتتاحيات الصحف الصينية اليوم الإثنين، ركزت على قضية تايوان، إذ قالت افتتاحية صحيفة تشاينا ديلي الناطقة بالإنجليزية إنه من المرجح أن يوضح شي لبايدن أن بكين مصممة على "تحقيق إعادة التوحيد الوطني في المستقبل المنظور مهما كان الثمن".

بينما كانت افتتاحية صحيفة Global Times أكثر حدة؛ إذ جاءت بعنوان "قمع انفصال تايوان معاً جوهري لإدارة الصين والولايات المتحدة التنافس بينهما"، مؤكدة أن "قضية تايوان هي الخط الأحمر الأخير للصين".

الصحيفة حذرت في مقالها الافتتاحي "من أجل تقليل خطر حدوث تصادم استراتيجي بين الصين والولايات المتحدة يجب على الأخيرة أن تتراجع عن مسألة تايوان وأن تظهر ضبط النفس".

ومؤخراً أصبحت قضية تايوان وكيفية الدفاع عنها في وجه تحرك عسكري صيني، صار وشيكاً بحسب جميع المؤشرات، سؤالاً إجبارياً لا يبدو أن إدارة بايدن مستعدة لتقديم إجابة نموذجية أو حتى إجابة من أي نوع بشأنه، بحسب المنتقدين للإدارة.

كانت الصين وتايوان قد انفصلتا خلال حرب أهلية في الأربعينيات، وتعتبر تايوان نفسها دولة ذات سيادة وتحظى بدعم أمريكي وغربي، لكن بكين لا تزال تصر على أنه ستتم استعادة الجزيرة في وقت ما، وبالقوة إذا لزم الأمر. ولا يعترف بتايوان سوى عدد قليل من الدول، إذ تعترف معظم الدول بالحكومة الصينية في بكين بدلاً عن ذلك. ولا توجد علاقات رسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، ولكن لدى واشنطن قانون يلزمها بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها.

وبات واضحاً في الآونة الأخيرة، أن الصين قد تقدم على ضم تايوان بالقوة العسكرية في أي وقت وبطريقة مفاجئة، فعندما دعت وزارة التجارة الصينية قبل أيام قليلة المواطنين لتخزين الغذاء استعداداً للطوارئ، كان غزو تايوان، أو ضمها كما يقول الصينيون، هو التفسير الذي تصدر قائمة التكهنات داخل البلاد وخارجها.

وقبل بضعة أسابيع، أرسلت الصين "عدداً غير مسبوق" من طائراتها العسكرية إلى منطقة الدفاع الجوي التايوانية على مدى 5 أيام، مما طرح تساؤلات بشأن الغرض الرئيسي لبكين من وراء ذلك التصعيد العسكري وتوقيته، ورأى كثير من المحللين أن ذلك لم يكُن مجرد استعراض للقوة فقط، بل ربما كان "بروفة" للغزو الفعلي.

هذه المؤشرات وغيرها جعلت السؤال لم يعُد "هل" بل متى تقدم الصين على غزو تايوان؟، ومن ثم تنصبّ التحليلات على مدى قدرة تايوان على التصدي للغزو وكيف سيكون رد فعل واشنطن في تلك الحالة؟

والسبت الماضي، حذر وانغ يي عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن واشنطن من إرسال إشارات خاطئة إلى القوى المؤيدة للاستقلال في تايوان، بحسب بيان الخارجية الصينية عن الاتصال.

لكن البيان الصادر عن الخارجية الأمريكية قال إن الوزير بلينكن عبر عن قلقه من الضغط الصيني المتواصل ضد تايوان، وأضاف بحسب شبكة CNN أن "الوزير الأمريكي أكد على الموقف الثابت لبلاده في دعم السلام والاستقرار في خليج تايوان، معبراً عن الاستياء من الضغوط العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية التي تمارسها بكين ضد تايبيه".

هل الصدام حتمي إذاً؟

المسافة شاسعة بالطبع بين موقف بكين وواشنطن من قضية تايوان. فالصين ترى أن مسألة "الوحدة" محسومة وأن إعادة توحيد الجزيرة مع البر الرئيسي مسألة "داخلية" وستتم في نهاية المطاف سواء بالاتفاق- مع السلطات التايوانية- أو بالقوة العسكرية.

أما الولايات المتحدة فترى أن تايوان دولة مستقلة ومن حق شعبها أن يقرر بنفسه ما إذا كان يريد الوحدة مع الصين أم لا، وتتبع واشنطن سياسة "الغموض الاستراتيجي"، بمعنى أن موقفها في حالة تحرك الصين عسكرياً لضم تايوان غير محدد، وإن كان بايدن نفسه ومن قبله جورج بوش الابن قد أعلنا أن واشنطن "ملتزمة بالدفاع عن تايوان حال تعرضها لغزو صيني".

ويشير هذا التناقض في الموقفين إلى أن العلاقات بين البلدين ستظل متسمة بالتنافس وربما الصراع أيضاً، خصوصاً أن الرئيس الصيني شي يرى أن الفرصة سانحة الآن لإعادة توحيد تايوان مع البر الرئيسي بالقوة العسكرية إذا لزم الأمر، بعد أن باتت الصين أكثر من ند للولايات المتحدة الأمريكية على جميع الأصعدة.

ومنذ سنوات تقول الصين إنها أصبحت قلقة بشكل متزايد من أن حكومة تايوان تحرك الجزيرة نحو إعلان رسمي للاستقلال وتريد ردع رئيستها تساي إنغ ون عن اتخاذ أي خطوات في هذا الاتجاه. وكانت بكين قد زادت ضغوطها العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية منذ وصول تساي إلى السلطة في عام 2016، ويُعرف عنها رفضها مبدأ "الصين الواحدة".

وفي هذا السياق، قال ونستون لورد مساعد وزير الخارجية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ في إدارة بيل كلينتون، لمجلة بوليتيكو: "كلا الجانبين يدركان جيداً أن لديهما اختلافات حقيقية وأن المنافسة بينهما أمر واقع فعلاً، لكن من الحتمي الحفاظ عليها كمنافسة سلمية لها حدود حتى لا تنفجر الأمور وتصل إلى الحرب".

وبالتالي، وبعيداً عن ملف تايوان، تتعلق الآمال بقدرة الجانبين على العمل معاً في بعض المجالات، مثل التغير المناخي. وفي هذا الإطار جاء الاتفاق المفاجئ بينهما قبل أيام في مؤتمر المناخ بغلاسكو كإشارة إيجابية.

وهناك مجموعات عمل من الجانبين في مجالات عديدة، يلتقون معاً منذ تولي إدارة بايدن المسؤولية للبحث عن نقاط التقاء، خصوصاً في المجال الاقتصادي والتبادل التجاري، وقد ينتج عن لقاء بايدن وشي اتفاقات ما في هذا الإطار، بحسب أحد الدبلوماسيين الأمريكيين المطلعين على عمل تلك المجموعات.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي