كشف المستور.. ماذا يعني قرار المحكمة برفع السرية عن دور ترامب في أحداث اقتحام الكونغرس؟

2021-11-10

أنصار ترامب لدى تعرّضهم للغاز المسيل خارج الكابيتول في واشنطن بتاريخ 6 كانون الثاني/يناير 2021 (أ.ف.ب)

واشنطن: سيظل دونالد ترامب رقماً صعباً على الساحة السياسية دون شك، فقد أعلن عن رغبته في العودة للبيت الأبيض رئيساً بعد ارتفاع شعبيته، لكن قرار رفع السرية عن وثائق تتعلق باقتحام الكونغرس قد يُنهي ذلك الطموح مبكراً.

كان ترامب، الذي يعاني من حصار كامل من جانب منصات التواصل الاجتماعي التي حظرت حساباته وأغلب وسائل الإعلام التقليدية، قد عاد بقوة إلى الساحة السياسية الأمريكية منذ الانسحاب من أفغانستان، والذي استغله الرئيس السابق لتوجيه انتقادات عنيفة لجو بايدن، الرئيس الحالي، وصلت إلى حد مطالبته بالاستقالة.

والأسبوع الماضي، أظهرت نتائج أكبر انتخابات تشهدها أمريكا بعد عام على رحيله، أن شعبية الرئيس السابق أكبر كثيراً مما اعتقد خصومه، وبدا أن انتخابات التجديد النصفي للكونغرس العام المقبل قد تعيد الأغلبية للجمهوريين.

ترامب يشير إلى الترشح مرة أخرى

بعد مرور العام الأول من رئاسة بايدن تعرض حزبه الديمقراطي إلى هزائم انتخابية لم تكن متوقعة، في أول اختبار انتخابي كبير في عدد من الولايات، فيما يعتبر استطلاعاً عملياً للرأي حول شعبية بايدن في مواجهة شعبية ترامب والجمهوريين.

وبالطبع لم يفوت ترامب الفرصة وأجرى مقابلة حصرية مع قناة FoxNews، قال خلالها إنه سيعلن رسمياً عن ترشيح نفسه للرئاسة في أعقاب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام المقبل.

وقال الرئيس السابق إنه يفكر في ذلك فعلاً، وإنه يعتقد أن "كثيراً من الناس سيكونون سعداء للغاية": "الحزب توفر على العديد من الأشخاص العظماء القادرين على الترشح للانتخابات، لكنهم سيتراجعون عن ذلك إذا ما قررت أنا الترشح للانتخابات المقبلة".

واستطرد ترامب، المعروف بتصريحاته النارية والصاخبة قائلاً: "لدينا كثير من العظماء والأشخاص الرائعين في هذا الحزب، لكنهم أخبروني بأنني إذا تقدمت فسيتراجعون"، ووصف موقفهم هذا بأنه "عظيم للغاية"، لأنه يعكس مدى "وفائهم وولائهم"، على حد تعبيره.

وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها ترامب مباشرة عن نيته في السعي للفوز بفترة رئاسية ثانية، منذ خسارته الانتخابات الماضية لصالح الرئيس جو بايدن، وهي الانتخابات التي لا يزال ترامب وأنصاره مصممين على أنها سُرقت منهم، رغم عدم وجود أدلة من أي نوع تؤكد تلك المزاعم.

وكانت تلك المزاعم بشأن تزوير الانتخابات سبباً مباشراً في اقتحام أنصار ترامب للكونغرس الأمريكي، يوم 6 يناير/كانون الثاني الماضي، بغرض منع جلسة التصديق على فوز بايدن، وهي الأحداث التي مثلت سابقة خطيرة في الديمقراطية الأمريكية، ووضعت البلاد في موقف مهين أمام العالم.

وعانى ترامب من تبعات تلك الأحداث، إذ حجبت منصات التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر وغيرهما حساباته الشخصية للأبد، وتوقفت شبكات التلفزيون ووسائل الإعلام التقليدية الأخرى عن استضافته، فيما يشبه الحصار الإعلامي المطلق.

مشاكل قانونية تلاحق الرئيس السابق

ولم يتوقف الأمر عند حصار الرئيس السابق إعلامياً، ولا حتى تعرضه لمحاولتي عزل خلال فترة رئاسته، بل أصبح ترامب يواجه سيلاً من الدعاوى القضائية تتعلق بأنشطة شركاته التجارية والتهرب من الضرائب وقضايا التحرش الجنسي.

وبعد نحو شهر واحد من مغادرته البيت الأبيض، أصدرت المحكمة العليا الأمريكية قراراً برفض الالتماس الذي تقدم به الرئيس السابق، طالباً فيه من المحكمة نقض قرار قضائي أصدرته محكمة فيدرالية يجبره على تسليم إقراراته الضريبية، وهو ما فتح الباب على مصراعيه أمام إعادة فتح تحقيق جنائي قد يؤدي إلى توجيه اتهام لترامب.

وفتح قرار المحكمة العليا الباب أمام المدعين في نيويورك للحصول على إقرارات ترامب الضريبية وسجلاته المالية الأخرى عن فترة تمتد لثماني سنوات، وذلك في إطار تحقيق جنائي يجريه النائب العام في مانهاتن ونيويورك كريس فانس، في اتهامات بحق ترامب، تشمل تهرباً ضريبياً واحتيالاً مالياً وبنكياً، والتي تعتبر أخطر التهديدات القانونية التي يواجهها الرئيس السابق وإن لم تكن الوحيدة، بحسب تقرير لمجلة Politico الأمريكية.

ورغم أن التحقيق الذي يقوده فانس وجلساتُه مغلقة، وتجري أمام هيئة محلفين، مستمر منذ سنوات، ولا يدلي فانس بتصريحات علنية توضح التقدّم الذي يتم إحرازه، ولا أحد يعلم متى يختتم التحقيق أو ما إذا كان سيتم إطلاق ملاحقات قضائية بموجبه، فإنه في حالة حدوث ذلك سيصبح ترامب أول رئيس أمريكي سابق تتم ملاحقته أمام القضاء بالفعل.

وكان تحقيق فانس قد بدأ بخصوص مبالغ مالية قيل إن ترامب دفعها عام 2016 قبل الانتخابات الرئاسية وقتها إلى امرأتين، كان ترامب على علاقة بهما سابقاً لشراء صمتهما وعدم مقاضاته، إلا أن التحقيق توسع ليشمل ادعاءات تتعلق بالاحتيال الضريبي أو الاحتيال في التأمين أو الاحتيال المصرفي.

لكن دور ترامب نفسه في التحريض على أحداث اقتحام الكونغرس، والتي راح ضحيتها عدد من رجال الشرطة والمقتحمين أيضاً، يظل واحداً من أخطر التهديدات في العودة للبيت الأبيض، ولكن ربما حريته الشخصية إذا ما تمت إدانته.

الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب (أ ف ب)

ماذا يعني قرار رفع السرية لترامب؟

رغم فشل الكونغرس في عزل ترامب على خلفية تحريض أنصاره وتشجيعهم على اقتحام الكونغرس، فإن لجنة التحقيق في الأحداث الدامية، والتي أقرها الكونغرس في يوليو/تموز الماضي، تسعى للوقوف على حقيقة الدور الذي لعبه الرئيس السابق في تلك الأحداث.

وقدمت اللجنة للبيت الأبيض طلبات للاطلاع على آلاف الوثائق الخاصة بفترة الانتخابات (3 نوفمبر/ تشرين الثاني) وصولاً إلى يوم اقتحام الكونغرس (6 يناير/كانون الثاني 2021)، لأن تلك الوثائق مشمولة بالسرية ولا بد من موافقة الرئيس قبل الاطلاع عليها.

ويبدو أن ترامب كان يعول على ألا يسمح بايدن بكشف السرية عن تلك الوثائق باستخدام "السلطة التنفيذية" التي يتمتع بها الرئيس، لكن عندما وصل الطلب برفع السرية إلى أرشيف البيت الأبيض، ومنه إلى مكتب بايدن، لم يرفض الرئيس طلب كشف السرية، وأعلن الأرشيف أنهم سيقدمون المستندات والوثائق المطلوبة إلى لجنة التحقيق في مجلس النواب، بحلول الجمعة 12 نوفمبر/تشرين الثاني.

فسارع ترامب، من خلال فريق الدفاع عنه، لتقديم التماس عاجل إلى المحكمة لرفض كشف السرية عن تلك الوثائق، تحت ذريعة "الامتياز الرئاسي"، لكن القاضية الفيدرالية سمحت للبيت الأبيض بأن يسلّم وثائق تتعلّق بالدور المحتمل لترامب في أحداث اقتحام الكونغرس.

القاضية تانيا تشاتكان قالت، في حيثيات الحكم الذي أصدرته، إنّ "المحكمة تعتبر أنّ المصلحة العامة تكمن في تأييد -وليس إعاقة- الإرادة المشتركة للسلطتين التشريعية والتنفيذية، بدرس الأحداث التي أدّت إلى 6 يناير/كانون الثاني، وتلك التي حصلت فيه، والنظر في إمكانية سنّ تشريع يمنع منعاً مطلقاً مثل هذه الأحداث من أن تحدث مجدداً"، بحسب تقرير لشبكة CNN وغيرها من وسائل الإعلام الأمريكية.

ويمثل الحكم ضربة عنيفة لجهود ترامب الرامية إلى منع رفع السرية عن أكثر من 700 صفحة من الوثائق، التي تشمل سجلات الهاتف ومحادثات الفيديو وجدول اللقاءات المرتبطة بأحداث اقتحام الكونغرس، إضافة إلى سجل الزائرين للبيت الأبيض ومَن التقاهم ترامب. كما تضم تلك الوثائق الملاحظات المكتوبة بخط يد رئيس موظفي البيت الأبيض وقتها.

فالحكم يعني أيضاً أن لجنة التحقيق في الأحداث يمكنها أن تستدعي للشهادة مسؤولين سابقين كانوا في دائرة ترامب المقربة، واستدعتهم اللجنة بالفعل لكنهم لم يردوا على طلبات الاستدعاء بعد.

"الرئيس ليس ملكاً.. وترامب ليس رئيساً"

القاضية ردت، في حيثيات الحكم، على دفوع الفريق القانوني الممثل لترامب، بالقول إن "الرؤساء ليسوا ملوكاً وترامب ليس رئيساً"، بمعنى أن الرئيس لا يتمتع بسلطات مطلقة، كما أن ترامب الآن ليس رئيساً من الأساس، بل هو مواطن عادي، وليس من حقه التحجج بالسلطات التنفيذية للرئيس لمنع كشف السرية عن تلك الوثائق.

ويهدد رفع السرية عن تلك الوثائق، التي ترصد كل مكالمة هاتفية وكل تعليق واجتماع عبر الفيديو ولقاء أجراه ترامب في الفترة التي تلت ظهور نتائج الانتخابات وحتى أحداث اقتحام الكونغرس، بكشف المستور عما قام به ترامب في تلك الفترة، بحسب كثير من المراقبين.

فقد كان ترامب، في تصريحاته العلنية وتغريداته عبر تويتر خلال تلك الفترة، يردد مزاعم سرقة الانتخابات، وكيف أنه الفائز، وسيظل في البيت الأبيض لفترة ثانية، فماذا عمّا لم يكن معلناً إذن؟ وهل حرض الرئيس السابق شخصيات جمهورية بعينها على اقتحام الكونغرس في ذلك اليوم بغرض منع التصديق على فوز بايدن؟

كان ترامب قد خطب في أنصاره قبل ساعات من اقتحام الكونغرس، داعياً إياهم للتوجه إلى مبنى الكابيتول والتعبير عن رفضهم "لتزييف إرادتهم"، ووجه رسالة مباشرة إلى مايك بنس، نائبه وقتها ورئيس جلسة التصديق على نتائج الانتخابات كي "يؤدي دوره".

الخلاصة هنا تشير إلى أن الكشف عن أسرار ترامب ودائرته المقربة خلال تلك الفترة ربما يكون بداية الطريق، ليس فقط لتحميله المسؤولية السياسية عن أحداث اقتحام الكونغرس، بل قد تصل الأمور إلى توجيه اتهامات جنائية له بالمسؤولية عن الدماء التي سالت، بحسب خبراء قانون أمريكيين.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي