ترجّل المطرب السوري صباح فخري الثلاثاء عن صهوة الموشحات الأندلسية والقدود الحلبية، عن عمر ناهز 88 عاماً، بعد مسيرة فنية غنية، أطرب خلالها أجيالاً متعاقبة في سوريا والعالم العربي.
ورحل فخري، المولود عام 1933 في مدينة حلب، "بعد توقّف قلبه عن النبض" في دمشق، تاركاً وراءه عشرات المقطوعات الموسيقية والأغاني التي حفظتها الألسنة على مدار أكثر من نصف عقد من الزمن، مثل أغاني "يا طيرة طيري يا حمامة" و"يا مال الشام" و"قدّك المياس" و"قل للمليحة" وغيرها من الموشحات.
وقال نجله أنس فخري لوكالة فرانس برس "في قلوبنا حزن كبير. لا أعرف ماذا أقول، إنها خسارة كبيرة للفن السوري". وشدد على أن والده "عاش كأسطورة حية والأسطورة لا تموت، وسيبقى أسطورة حلب وسوريا".
ونعت نقابة الفنانين في دمشق "الفنان القدير"، مشيرة إلى أنها ستعلن لاحقاً عن تفاصيل الدفن والتشييع.
في حفلاته التي جال فيها عواصم ومدن العالم، امتلك فخري أسلوباً خاصاً في إشعال تفاعل الجمهور الحاضر، من خلال رقصته الخاصة على المسرح، حيث تميّز بحركة يديه ودورانه حول نفسه، في ما يُعرف برقصة "السنبلة" في محاكاة لرقصة الدراويش.
لم يكن صباح الدين أبو قوس، وهو الاسم الأصلي للفنان، يهدأ طوال ساعات من الغناء، ولا كان يتعب من الانتقال بخطى متسارعة على أطراف المسرح من جهة إلى أخرى، على وقع تصفيق الجمهور وتمايل الحاضرين طرباً.
وأوردت الكاتبة السورية شذا نصّار، في كتاب "صباح فخري، سيرة وتراث" أن مسيرة الراحل بدأت بتجويد القرآن والإنشاد ورفع الأذان في جوامع حلب، ومجالسته كبار المنشدين والمؤذنين.
وقدّم فخري القدود للمرة الأولى من خلال أثير إذاعة دمشق وغنّى "مالك يا حلوة مالك".
وقال في مقابلة أجرتها معه محطة "سي بي سي" المصرية عام ٢٠١٤ إن الاذاعة السورية كانت "العلامة المميزة" و"المحطة الأولى" في مسيرته، "ثم كان التلفزيون العربي السوري المحطة الثانية" وبعده "المحطات العربية في لبنان والاردن والعراق (...) وكل الدول العربية".
وتراجعت الحالة الصحية لفخري في العقد الأخير، وكان مقلاً بإطلالاته الإعلامية، واقتصرت في السنوات الأخيرة على حفلات محدودة، ظهر في بعضها برفقة نجله أنس، الذي أُتهم بأنه يستغل اسم والده بعد ظهوره في إحدى الحفلات وهو بحال صحية سيئة.
- عشر ساعات غناء -
وشكّل "ملك القدود الحلبية" حالة طرب دائمة للسوريين، وصوتاً لا يُفارق سهرات أُنسهم وجمعاتهم الليلية. ويكاد لا يخلو منزل سوري عموماً وحلبي على وجه الخصوص من أشرطة التسجيل القديمة التي كانت تجمع أغانيه وموشّحاته.
ورافق صوت صباح فخري السوريين الذين هاجروا البلاد خلال سنوات الحرب، واستقرّوا في أرجاء العالم، وافتتحوا مطاعم ومتاجر في مدن مختلفة، ويكاد يكون صوته "العلامة الفارقة والأبرز" إلى أن أصحاب هذا المطعم أو المتجر من أصل حلبي أو سوري.
وقال مدير المعهد العالي للموسيقى في سوريا عدنان فتح الله عقب رحيل فخري "لم ننسَ ولن ننسى ما أثريت به موسيقانا وما حفظت لنا من تراث لنا و لأجيال من بعدنا".
وحقق فخري الرقم القياسي في الغناء عندما غنى في العاصمة الفنزويلية مدة عشر ساعات من دون انقطاع العام 1968 على ما أوردت وكالة الأنباء السورية (سانا).
وشغل الفنان الراحل مناصب عدة إذ انتخب نقيباً للفنانين ونائباً لرئيس اتحاد الفنانين العرب ومديراً لمهرجان الأغنية السورية، بحسب نبذة أوردتها عنه "سانا". وقلد وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة العام 2007 "تقديراً لإنجازاته الكبيرة والمتميزة في خدمة الفن العربي السوري الأصيل".
وفور إعلان خبر وفاة فخري شارك فنانون ومطربون وروّاد مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا عبارات نعيه، وتغنّى البعض بكلمات من أغانيه مُطلقين عليه لقب "قلعة الطرب الأصيل".
وكتب الممثل والمخرج السوري أيمن زيدان على صفحته على فيسبوك "كم هو موجع رحيل الكبار، ها هو آخر العمالقة يترجل عن صهوة الابداع".
ووصفته الممثلة السورية أمل عرفة بـ "قلعة حلب، تاريخ لا يموت"، فيما وصفته المغنية اللبنانية عبير نعمة بـ"ملك القدود الحلبية".