“الفارس الأخضر” فيلم غامض وجميل بشكل مثير.. لن يدعك ترمش لأكثر من ساعتين

2021-10-25

يبدو البطل مرتبكا لدرجة تجعلك لا تعرف إن كان شجاعا أو ضعيفا أو وحشيا أو فاسدا يحب المرح مع محبوبته (مواقع التواصل)

محمد صلاح

"يا لها من تجربة مذهلة"، هكذا هتف بيتر برادشو الناقد السينمائي لصحيفة الغارديان البريطانية، معبرا عن إعجابه الشديد بفيلم "الفارس الأخضر" (The Green Knight) 2021، الذي عرضته دور السينما في 24 من الشهر الفائت، واصفا إياه بأنه "فيلم غامض وجميل بشكل مثير".

أبدع الكاتب والمخرج الأميركي ديفيد لوري في تقديم هذا الفيلم، الذي "تُشكّل التضحية والرغبة في الموت طمعا في المجد الأرضي مكونات أساسية لما فيه من رعب فظيع"، بوحي من قصيدة ملحمية ظهرت في القرن 14 بعنوان "السير غاوين والفارس الأخضر"، ولا تزال هوية مؤلفها لغزا حتى اليوم.

وفي هذا الفيلم تألق النجم البريطاني ديف باتيل وهو "يُحلّق عاليا في مهمة غير عادية، عبر مناظر طبيعية عُرضت بشكل مذهل، وجمع بين الإبهار البصري والوحشية الهائلة والعظمة التي لا يمكن تصورها"، حسب برادشو.

أما الناقد السينمائي بريان تاليريكو فيرى في الثلج الخفيف، والضباب، والمزيج من الرماد المتساقط في المشاهد الافتتاحية لهذا الفيلم الذي يتحدى التوقعات التقليدية لقصص الفرسان الأبطال؛ "ما يجعلك تكاد تشم الهواء، وتشعر بالبرودة، وتستعد لخوض تجربة مدتها 130 دقيقة من سحر الشاشة الكثيف. قد لا تشبه أي شيء آخر من المعروض على الساحة الفنية، في أحد أكثر الأفلام التي لا تُنسى".

مغامرة عميقة

هي مغامرة مظلمة عميقة، تمزج بين الرومانسية والفروسية والرعب، والضعف والقوة والبؤس والبسالة، عبر "دوامة من الذكورة والبطولة والدين، في أواخر العصور الوسطى"، حسب تاليريكو.

حيث تدور القصة في مملكة جبلية محاطة بجدران حجرية، حول السير غاوين (ديف باتيل)، ابن شقيق الملك آرثر (شون هاريس)، والملكة جينيفير (كيت ديكي)، وابن (ساريتا تشودري) المُتهمة بممارسة السحر.

بعد مشهد افتتاحي قصير مع عشيقته إيسيل (أليسيا فيكاندر) ووالدته، يذهب غاوين مع الملك والملكة إلى مأدبة عيد الميلاد، فيجد نفسه في مواجهة تحد من قبل شخص غريب، عندما انفتحت أبواب القاعة ودخل الفارس الأخضر (رالف إنيسون). مخلوق ضخم بفأس عملاقة لا يبدو أنه من هذه الأرض، في هيئة وحش هادئ للغاية برأس منحوت من جذع شجرة، ليعرض بهمسه الخرافي الكئيب صفقة. إنه يتحدى أي فارس من فرسان آرثر ليضرب عنقه، في مقابل الفوز بسلاحه المهيب؛ بشرط أن يعود هذا المخلوق الأسطوري بعد عام، ليعيد الضربة القاتلة التي تلقاها للفارس الذي ضربه.

يتقدم غاوين إلى الأمام، رغم تذكيره بأن هذه لعبة من تأليف آرثر، ويقطع رأس الفارس الأخضر، الذي يلتقط رأسه بكل بساطة، وينطلق ضاحكا، ويترك غاوين مع عام طويل.

المصير الحتمي

والآن يجب على غاوين أن يواجه مصيره، فهل تخلصه من الموت معجزة إلهية؟ أو سيؤدي تخليه عن ذاته إلى مصير غامض؟ أو أنه سيفشل في الهروب من العقاب بطريقة مُذلة؟

يذهب غاوين في رحلة غير عادية، ويصادف غرباء نواياهم شريرة، مثل الزبال الخبيث (باري كيوجان) الذي يخبره أنه موجود في الجحيم بالفعل. ونستمع إلى خطبة مثيرة من سيدة القلعة "إيسيل" حول معنى اللون الأخضر، لون الطبيعة، والنمو الذي لا يرحم، والعُشب الذي سيخرج من القبر، وتحويل مخاض الإنسان إلى مجرد طحلب.

كما نشاهد تلك العملية اللانهائية التي من شأنها أن تتلاعب بالأبطال ومساراتهم في المجد، حتى نصل إلى تسلسل مُبهر، يُخطف فيه غاوين، ويُقيد من قبل الزبال والمتواطئين معه، ويُترك ليموت، ويتحلل حتى عظامه، ثم يولد مرة أخرى في غمضة عين؛ ويُذهل برادشو.

أفضل تجسيد لتعقيد الشخصية

يقول تاليريكو "لقد نجح الفيلم في تكييف الرومانسية الخيالية التي تعود إلى العصر الفيكتوري، على شكل رحلة مذهلة تسترشد بالعين الشعرية لديفيد لوري بشكل لا يصدق، في أفضل أداء من ديف باتل، مع إحساس فني ينقل الجمهور إلى عالم آخر".

حيث تصبح رحلة غاوين أشبه بدوامة، ويشعر أكثر فأكثر كأنه في حلم، كما لو أنه لا يكاد يغادر تلك المأدبة مع الفارس الأخضر، حتى تبدأ مرة أخرى. ويكتسب الفيلم زخما من خلال الشعور التراكمي بالارتباك، فلا تصبح القصة مجرد رحلة جسدية، بقدر ما هي قصة عقلية وعاطفية، تنتظم في سلسلة من التحديات، قبل أن يواجه الشاب مصيره النهائي.

يقول الناقد السينمائي زان بروكس عن تعقيد شخصية غاوين إنه "يبدو مرتبكا لدرجة تجعلك لا تعرف إن كان بطلا شجاعا أو ضعيفا ووحشيا وفاسدا يحب المرح مع محبوبته، ذكيا مثل الذئب أو غبيا مثل الشمبانزي"؛ فهو يصف نفسه بأنه "أضعف الفرسان، وأكثرهم فقرا في الحكمة"، وقد سيق للذبح بقبوله التحدي الذي قدمه الفارس الأخضر، وقبل بشرط "تقطع رأسي، ثم سأقطع رأسك"، وهو يعلم أنه لا يستطيع الفوز بأفكاره التقليدية الجبانة.

إنسان ينضج

لكننا رغم ذلك سنشاهد شخصا ينضج كإنسان، "يرقص على حافة الأشياء، ويبدأ في الانخراط مع العالم"؛ حتى يصبح بطل قصته الغريبة، بطريقة معقدة، لا يفعلها الفرسان الآخرون.

طريقة أسهمت بنيتها الفضفاضة في جعل العناصر التقنية أكثر أهمية لنجاحها؛ فجلب لوري فريقه الرائع، وفي مقدمتهم الملحن دانيال هارت، والمصور السينمائي أندرو باليرمو، ليتناوب التصوير السينمائي بين الحلم وشيء ما مرتبط ارتباطا وثيقا بالطبيعة الأم، شيء يجعلنا نرغب في الجلوس في قاعة المأدبة، نستمع إلى القصة التي طلبها الملك آرثر، في ما يشبه "القصيدة العظيمة التي تعني شيئا فريدا لكل شخص يقرؤها"، حسب وصف تاليريكو.

ويجعل من فيلم الفارس الأخضر "قطعة أثرية رائعة من القرون الوسطى، مليئة بالأشباح والسحر والرؤوس المشتعلة والعمالقة المخيفين، وقصة ملحمية عن النبلاء الرومانسيين المعذبين، ورحلة موت مهيبة تتخللها لحظات من السحر الحقيقي"، وفقا للناقد أوين غليبرمان.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي