
جمع جيمي فيلر ثروته الكبيرة من خلال شراء وبيع الخردة المعدنية في مدينة برمنغهام بولاية ألاباما. والآن، اقترب من الثمانين في العمر، وعلى الأغلب تقاعد عن العمل، وهو يمارس هوايته في تجميع السياراتالقديمة، وتذكارات الكازينو. كما اشترى قصراً مساحته 20 ألف قدم مربعة يقبع على التلال خارج المدينة، وقد تبرَّع بمليون دولار للمساعدة في بناء منشأة تدريب لفريق برمنغهام لكرة القدم في جامعة ألاباما. كل هذه التصرفات السخية، تسبَّبت في تحقيق شهرة واسعة له في مسقط رأسه، لكنَّه مع ذلك؛ يحظى بشهرة أكبر بين فئة معينة من متداولي الأسهم في وول ستريت.
يرجع السبب في ذلك إلى أنَّ فيلر يمتلك سجلاً حافلاً في شراء أسهم الشركات التي ينصح بها، ويستثمر فيها. ومن بين 496 عملية تدوال قام بها منذ عام 2014 في شركة "سيرفيس فيرست بنك شيرز" (ServisFirst Bancshares) التي يقع مقرها في ألاباما، ويعدُّ فيلر عضواً في مجلس إدارتها، بالإضافة إلى شركة "سينشري بانكورب" (Century Bancorp) من ماساتشوستس، التي يعد فيلر أكبر مساهم فيها، 372 عملية، أو ما يعادل 75%، حقَّقت له مكاسب بعد مرور 3 أشهر على تنفيذها. هذه المسيرة، تمثِّل ما يحلم به أفضل مَن انتقى الأسهم في العالم، لأنَّ تسجيل مثل هذه النسبة في القطاع المالي، أشبه بالوصول إلى المباراة النهائية للحدث الرئيسي لبطولة العالم في لعبة البوكر، لسنوات عدَّة متتالية.
ظهرت هذه الصورة في بلومبرغ بيزنس ويك، في 4 أكتوبر 2021، وقد كتب عليها: هل هو حظ، أم هو تداول بناء على معلومات داخلية؟ يبدو أن كبار الشخصيات وجدت الطريقة المثلى لعدم الخسارة أبداً، ولا أحد يهتم حقاً
ظهرت هذه الصورة في بلومبرغ بيزنس ويك، في 4 أكتوبر 2021، وقد كتب عليها: هل هو حظ، أم هو تداول بناء على معلومات داخلية؟ يبدو أن كبار الشخصيات وجدت الطريقة المثلى لعدم الخسارة أبداً، ولا أحد يهتم حقاً
يعدُّ فيلر أنجح من تداول، وذلك بناء على معلومات داخلية عن الشركات في الولايات المتحدة، وفقاً لشركة "تيب رانكس" (TipRanks)، وهي شركة بيانات تصنّف المديرين التنفيذيين وفقاً لمدى جودتهم في اختيار توقيت عقد الصفقات. ونتيجة لهذا التصنيف، في كل مرة يشتري فيها فيلر حصة في "سيرفس فيرست" أو "سينشري"، يتلقى 2699 مشتركاً في "تيب رانكس" إشعاراً بذلك. على أنَّ بعضاً منهم يحذون حذوه، ويشترون بعض الأسهم لأنفسهم، على اعتبار أنَّ أداء فيلر السابق سيستمر في التفوق.
في الولايات المتحدة، يُعرَّف المتداول بناء على معلومات داخلية، بأنَّه مسؤول تنفيذي كبير، أو عضو مجلس إدارة، أو أي مساهم يمتلك 10% أو أكثر من الشركة. ويوجد حوالي 82 ألف شخص من هؤلاء، وفي كل مرة يتداولون فيها، يُطلب منهم بموجب القانون تقديم إفصاح يُعرف باسم النموذج 4 في غضون يومين. ويمكن عرض هذه الإيداعات على موقع هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، ولكن تتم إضافة النتائج كل يوم، ومعظمها لا يقدِّم الكثير من التحليلات.
يقول يوري غروينباوم، الرئيس التنفيذي لشركة "تيب رانكس": "عليك أن تعرف أين تبحث". ويتلقّى المديرون عادةً نسبة من مخالصاتهم في خيارات الأسهم، مما يمنحهم الحق في شراء الأسهم بسعر محدد قبل تاريخ معين. لذلك، إذا كان المدير التنفيذي يستخدم ببساطة خيار أسهم بتاريخ صلاحية محدَّدة؛ فمن المحتمل ألا يكشف الإفصاح الكثير عن وجهة نظر المدير التنفيذي حول توقُّعات الشركة. وقد لا يكشف البيع عن الكثير من المعلومات أيضاً، لأنَّ هناك العديد من الأسباب التي قد يرغب المتداول من الداخل في الحصول على سيولة بسببها، كشراء قارب على سبيل المثال. لكن عندما يستخدم المتداولون من الداخل أموالهم الخاصة لشراء الأسهم في السوق المفتوحة، فهذا الأمر يلفت الاهتمام بشكل أكبر.
يستخدم موقع "تيب رانكس" خوارزمية لتصنيف كمٍّ هائل من ملفات إيداع هيئة الأوراق المالية والبورصات، وتنقيح ما يطلق عليه اسم المعاملات "العشوائية"، أو غير المطلعة - أي تلك التي لا يبدو أنَّ لها قيمة تنبؤية – وتخرج هذه الخوارزمية بقائمةٍ دوارة لأهم 25 متداولاً من الداخل. وبالإضافة إلى التركيز على معدل الربح، فإنَّ عوامل الخدمة تحدِّد مقدار ما يحقِّقه المتداولون من الداخل في كلِّ تداول، كنسبة مئوية. ومن يملكون سجل نجاحات طويلاً، مثل فيلر، يسجلون نتائج أفضل كذلك. ويقول غروينباوم: "قد يختار شخص ما "النقش" في لعبة تقليب العملة، خمس مرات متتالية وينجح، لكن أن يفعل ذلك 20 أو 50 مرة متتالية، فهذا أمر يكاد يكون مستحيلاً".
نجوم "تيب رانكس"
بالإضافة إلى فيلر؛ هناك من بين النجوم البارزة في "تيب رانكس" أيضاً ستيف ميهايلو، الرئيس التنفيذي لشركة خدمات الهاتف "كريكسيندو" (Crexendo Inc)، التي يمتلك حصة فيها تبلغ نحو 60 مليون دولار. وحقَّق ميهايلو أرباحاً بعد ثلاثة أشهر في 83% من تداولاته على مدار السنوات الخمس الماضية، حتى مع تأرجح أسهم "كريكسيندو". ويدرك أتباع ميهايلو البالغ عددهم 1985 متابعاً، أنَّه عندما يأخذ الرئيس التنفيذي قراراً بالشراء، فهذا يعني أنَّ هناك فرصة جيدة لارتفاع السهم على المدى القصير. ومن الأسماء البارزة أيضاً سنيهال باتيل، الرئيس التنفيذي لشركة الأدوية "غرينيتش لايف ساينسز" (Greenwich LifeSciences)، الذي أجرى 5 عمليات شراء فقط، لكنَّه حقَّق متوسط عوائد بنسبة 488% عليها، وذلك لأنَّ 4 من هذه التداولات سبقت الإعلان عن نتائج واعدة من تجربة دواء السرطان. ويصف فيلر نفسه بأنَّه مستثمر طويل الأجل في شركة "سينشري"، ولم ينضم أبداً إلى مجلس إدارتها، ويقول أيضاً، إنَّه لم يبع أبداً أي حصة في "سينشري"، أو "سيرفس فيرست". أما باتيل، فيؤكِّد أنَّه تمَّت الإشارة إلى نجاح تجربة "غرينيتش لايف ساينسز" على الموقع الإلكتروني للشركة، وفي نشرة الطرح العام الأولي قبل أن يقوم هو بالتداول. ورفض ميهايلو التعليق.
لا يقتصر التفوق المستمر في السوق على الذين يحتلون قمة الترتيب فحسب؛ فوفقاً لتحليل "تيب رانكس"، تفوَّقت عمليات الشراء التي قام بها المديرون التنفيذيون في الولايات المتحدة على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" على مدار الـ12 شهراً التي تلت ذلك، بمتوسط 5 نقاط مئوية، في الفترة بين عامي 2015 و2020. وقد تبدو الفجوة كبيرة للغاية لمن لا يملكون معرفة واسعة بقواعد التداول بناء على معلومات داخلية في الولايات المتحدة، التي تجعل من غير القانوني للمتداولين من الداخل المتاجرة باستخدام معلومات مادية -أو مؤثرة مالياً- غير متاحة للعلن. لكن برغم ذلك؛ فإنَّه في "وول ستريت"، لطالما كان اعتماد المتداولين من الداخل على المعلومات التي يعرفونها أمراً معروفاً للجميع.
في عام 1962، أصدر بيري ويسونغ، وهو مستثمر رياضي اشتهر بارتداء ربطات العنق (البيبيون) من فلوريدا، نشرة إخبارية تحدِّد الفرص بناءً على التداولات من الداخل. وبعدها بسنوات، أنشأ جورج موزيا، سمسار البورصة الشاب في فلوريدا، شركة استشارية لتقديم استشارات إلى جورج سوروس، وستانلي دروكنميلر، بالإضافة إلى مديري صناديق التحوُّط الآخرين، وغالباً ما كانت تلك الاستشارات تتمحور حول ألعاب التنس. ويتذكَّر الأمر بقوله: "اعتدنا تحديد أفضل الفرص المحتملة". وخلال 2008، نشرت مجموعة من المحللين الكميين من شركة "سيتي غروب" (Citigroup)، ورقة بحثية وجدت أنَّ المحفظة الاستثمارية التي تتبع خطى تداولات المتداولين من الداخل، يمكن أن تحقق عوائد مذهلة تبلغ نحو 23.5% سنوياً، وهذه النسبة تتفوَّق على جميع صناديق التحوُّط، ما عدا الأكثر ربحية منها.