الروائية المصرية رشا عدلي: هناك خطوط حمراء للرواية التاريخية وإلا وقعنا في التزييف

2021-09-11

الروائية الشابة رشا عدلي صدر لها 8 روايات وترشحت روايتاها "شغف" و"آخر أيام الباشا" للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (مواقع التواصل)

أشرف الحساني

في السنوات القليلة الماضية، أصبحت الكاتبة والروائية رشا عدلي من الوجوه الأدبية التي ترسم للكتابة الروائية المصرية أفقا جديدا للتفكير والتخييل. بحيث إن أعمالها الرواية تكاد تكون ذات طابع تاريخي محض، حيث ترصد في قالبها الروائي سيرة مصر الحديثة وعلاقتها بذاكرة المكان ومعالمه وأناسه، إلا أن استخدامها للتاريخ يأتي ذريعة لإدانة الحاضر المتشظي والمنفلت من قبضة المنطق.

ومع دراستها لتاريخ الفن، فإن رشا عدلي أصبحت تمتلك عدة روائية وأدبية، تجعلها إلى جانب الأسماء التي عرفت عبر تاريخها بكتابة الرواية، بل أكثر من ذلك يعثر القارئ على اسمها بين المتوجين والمتوجات داخل جوائز عالمية هامة، بعد التتويج الذي حظيت به رواياتها عن طريق الترجمة إلى الإنجليزية وتكريسها عربيا كاسم نسوي جديد يقتحم عالم الرواية ويبدع فيها صناعة وتخييلا.

عن جماليات مشروعها الروائي وعلاقته بالذاكرة والمكان والترجمة، التقت "الجزيرة نت" الروائية المصرية رشا عدلي، وكان لها معها هذا الحوار الخاص:

قراءة التاريخ روائيا

في روايتك "على مشارف الليل"(2020) اشتغلت جماليا على العلاقة المتواشجة، بين الذاكرة والأدب من خلال تحويل التاريخ ليوميات أدبية تقرأ مصر الحديثة في ضوء التراث العثماني. كيف تأتى لك التفكير في هذه العلاقة الفكرية الأكثر منها جمالية وأدبية؟

عندما قررت كتابة سيرة الأميرة فاطمة نسل شاه أوغلو فكرت كيف يمكن أن أفعل ذلك في إطار أدبي تشويقي تتداخل فيه الذاكرة مع الأدب والرواية كجنس أدبي قابل للمرونة يمكن أن تتداخل فيها عدة أجناس أدبية، وقد وجدنا أن تتداخل الرواية العربية المعاصرة مع عدة أجناس أدبية وفنية.

وهو ما جعل نظرية الأجناس الأدبية من أبرز النظريات في الأدب العربي الحديث، إذ تتقارب عدة فنون إبداعية في نص واحد مشكلة نصا متكاملا، وفي اعتقادي أن هذا منح العمل قيمة وتشويقا أكثر، فالأميرة تحكي يومياتها التي تعود إلى مئة عام أو أقل قليلا.

وفي نفس الوقت هذه اليوميات تتقاطع مع الزمن الحاضر، فنجد الكثير من الأحداث متشابهة بالرغم من مرور الزمن واختلاف الأماكن والشخصيات، وتوظيف مذكرات الأميرة بهذا الشكل في العمل منحني مرونة أكثر لعرض أفكار وأحداث.

الذات والماضي

داخل الرواية تعيش الشخصيات في فضاءات متعددة، مما يعطي لها زخمها في الحياة وجاذبيتها، من خلال الإقامة في الحاضر عبر استعمال "الفلاش باك" (الاسترجاع) كخاصية جمالية تتيح للروائي إمكانية العودة للماضي. إلى أي حد يمكن اعتبار هذه العودة إلى الماضي ضرورة ملحة لفهم ذواتنا؟ أم أنها مجرد ترف جمالي تعمد إليه الروائية لفتح العمل الأدبي على تخوم التاريخ وقلقه؟

استعمل تقنية "الفلاش باك" في الكثير من أعمالي، وفي رواية "على مشارف الليل" اعتمدت عليها اعتمادا كبيرا للعودة لماضي الشخصية والبحث في أعماقها من خلال استعراض نقاط معينة في حياتها أثرت بشكل كبير في الشخصية.

هذا يمنح الكاتب المقدرة على رسم الشخصية بشكل أفضل، ومن ناحية اخرى يجعل القارئ أكثر فهما للشخصية وأكثر تفهما لمجريات العمل. لذلك أنا استعمل "الفلاش باك" كنوع من التعمق في شرح وفهم الذات أكثر من كونه ترفا جماليا.

نفس الأمر يتكرر مع روايتك "شغف" وأنت تستعيدين فيها زمن نابليون، لكن كيف يتسنى للقارئ بهذه الرواية التمييز بين خصوصية اللغة الأدبية وتقنيات السرد التاريخي؟

عند كتابة رواية تاريخية فأنت تمزج التاريخ الواقعي بالتخيلي وتقدم الحدث التاريخي في شكل أدبي. ولكن هناك خطوط حمراء لا يمكن اجتيازها لأن هذا سيندرج تحت باب تزييف التاريخ، وهذا ما أحاول دائما أن أحرص عليه في أعمالي أطوع النص بأقصى ما يمكنني وفي الوقت نفسه أحرص على عدم تزييفه.

لذلك دائما ما تحمس أعمالي القارئ للبحث حتى يستطيع أن يتحقق من الواقعي والمتخيل في النص، وفي الأخير عندما تحيل وقائع تاريخية جامدة إلي لغة ادبية فأنت تحررها من هذا الجمود وتقدمها للقارئ في إطار تشويقي جذاب يجعله يتماهى مع النص، وفي رأيي هذا مهم جدا في نجاح الرواية التاريخية.

هذه الرواية دخلت القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية 2020

سيرة روائية أم تاريخية؟

ألا تعتقدين أن استعراض معلومات تاريخية، وبورتريهات شخصية لبعض السلاطين والحكام، قد ينفر من قراءة رواية يتطلع فيها القارئ دوما صوب حكاية واقعية أو متخيلة قريبة من وجدانه وواقعه وذاكرته اليومية، مقارنة بسيرة نابليون أو غيره؟

في أعمالي لا أستعرض معلومات تاريخية وبورتريهات شخصية لسلاطين وحكام، من قرأ لي يعلم جيدا أني أكثر من اهتمامي بالقادة والحكام والمعارك الكبرى وأن أقدم شخصيات سقطت سهوا من التاريخ وألقي عليها الضوء وأقدمها للقراءة من خلال الحدث التاريخي الذي كانت جزءا مهما منه، ولكن بالرغم من ذلك لم يمنحها التاريخ والمؤرخون أي اهتمام، وهذا ما يسمي في التاريخ بمصطلح "التاريخ من أسفل".

لقد ألقيت الضوء في أعمالي على شخصيات مهمشة ولا يعرفها أحد مثل زينب البكري في رواية "شغف" وحسن البربري في "آخر أيام الباشا" وغيرهما. هذا بالإضافة إلى أنني عندما أتناول شخصية تاريخية مهمة ومعروفة، فأنا لا أقدمها للقارئ كما يعرفها هو بل أقدم الجانب الآخر المخفي من الشخصية، في رواية "شغف" مثلا لم يكن بونابرت هذا المحارب العظيم. لم يهمني أن أقدمه كذلك بل تعرف القارئ عليه كرجل مرهق، متعب، ضعيف، عاشق، كشفت عقده التي عانى منها منذ الطفولة وأثرت في شخصيته لحد كبير.

كذلك محمد على لم أقدمه كما عرفناه من خلال كتب التاريخ المدرسية وحفظنا عدة معلومات عنه عن ظهر قلب، منها أنه قاس وقاتل وظالم، وكان يحكم بالجلد والسوط. لكني قدمت شخصية أخرى وجعلت القارئ يتعرف عليه من خلالها.

تحولات النص الروائي

علاقة العرب بقراءة تاريخهم يطبعها التهميش والارتباك، لكن في السنوات الأخيرة بدت الرواية العربية ذات النفس التاريخي وكأنها تلفت لجان التحكيم داخل الجوائز، هل ترين أن ذلك مجرد موضة سرعان ما ستنتهي؟ أم أن الأمر له علاقة بتحولات يشهدها النص الروائي العربي؟

مؤخرا اتجه الكثير لكتابة الرواية التاريخية، وهناك من فعل ذلك على اعتبار أنها موجة سائدة، وهناك من فعل ذلك لأنه وجد ما يحتم عليه أن يفعل ذلك. وشتان بينهما طبعا، وذلك يظهر بوضوح في النص ويمكننا ملاحظة من كتب رواية تاريخية ليضيف شيئا للتاريخ وللأدب من خلالها، ومن كتب رواية تاريخية عبارة عن إعادة تدوير لأحداث تاريخية مكررة ومعروفة لا تقدم للقارئ أي جديد.

من التشكيل إلى الرواية

إلى جانب الرواية تكتبين دراسات في تاريخ الفن التشكيلي، ما أفق العلاقة التي تربط الرواية بالتشكيل، مع العلم أن استحضاره داخل الرواية العربية محتشم مقارنة بالشعر؟

كل أشكال الأبداع مرتبطة بعضها، والفن التشكيلي واحد من أهم الأشكال الإبداعية، وهناك لوحات عبارة عن نصوص أدبية من خلال تحليلها وتفسيرها ما يمكنك من قراءتها كنص رائع وجميل. وفي أعمالي دائما ما يتداخل الأدب بالتشكيل من خلال البحث وراء سر في لوحة.

مثلا رواية "آخر أيام الباشا" ما قادني لرسمها هو نفسه ما قاد بطل الرواية للبحث عن بورتريه معلق في متحف اللوفر لشخص يدعى حسن البربري. أعتقد أن تداخل الفن التشكيلي بالأدب، في الرواية العربية، قليل جدا أو يكاد يكون معدوما مقارنة بالغرب الذي ينتج نصوصا أدبية كثيرة جدا عن هذا المضمون، وتلقي هذه الروايات الكثير من الاهتمام والتقدير.

بهذا المعنى، هل يمكن القول إن دراسة تاريخ الفن أفادتك في كتابة الرواية وتكوين ذاكرة ثقافية قوية. كيف تم ذلك؟

نعم يمكنني الاعتراف أن دراسة وقراءة وتحليل اللوحات الفنية هو ما قادني لكتابة الرواية. لأنه لوحات كثيرة مهمة في تاريخ الفن وجد فيها نص متكامل بحبكة وعقدة وتسلسل زمني وفضاء مكاني وبداية ونهاية، وهي أيضا قابلة للتأويلات والرؤى المختلفة كلوحة "العشاء الأخير لدافنشي، "تفتيش ليلي" لرامبرانت "منظر" لديلفت لفريمير "بعد الظهر من يوم أحد" لجورج سورا، وغيرهم الكثير. وأعتقد أن دراستي وأبحاثي المتعددة عن هذه الأعمال كانت بمثابة تمرين أكسبني خبرة استطعت بها ممارسة الكتابة الروائية فيما بعد.

هذه الرواية صدرت عن الدار العربية للعلوم 2020

الرواية والترجمة

علاقة الكتابة بالترجمة، كيف تنظرين إليها، خاصة وأن روايات كثيرة لك ترجمت إلى الإنجليزية؟ وما الدور الذي لعبته هذه الترجمات على مستوى تلقي رواياتك داخل وعي الآخر وثقافته؟

علاقة مهمة دون شك، لأنها تفتح نوافذ على عوالم أدبية مختلفة وثقافات متنوعة. ومن يقرأ الأدب العالمي يفهم ذلك ويقدر قيمة ومعني أن أعماله تترجم للغات أخرى. عندما ترجمت روايتي "شغف" للغة الانجليزية سعدت جدا لأن العالم سيتعرف على من هي "زينب البكري" هذه الفتاة المصرية البسيطة التي لقبت في كتب التاريخ الفرنسي باسم "المصرية عشيقة نابليون" وكيف كانت ضحية المجتمع والسلطة ولاقت حتفها ظلما.

شعرت أني أعيد لهذه الفتاة حقها وأنصفها وأرفع الظلم عنها بكتابة حقيقة ما حدث لها، إن قراء كثرا حول العالم سوف يعرفون قصتها وخاصة أن الرواية في نسختها الإنجليزية مرشحة لعدد من الجوائز العالمية منها جائزة مهمة وهي جائزة دبلن الدولية للأدب.

في روايتك الأخيرة "قطار الليل إلى تل أبيب".. دعمت القضية الفلسطينية وكشفت حقائق مهمة عن قيام الكيان المحتل منذ بداية نشأته وقلما ما وجدنا كاتبة تفعل ذلك! والكتابة عن هذه القضية تحتاج شجاعة، فكيف فعلت ذلك؟

هناك نزاع دائم في الوسط الثقافي يدور حول من يدعم القضية ومن لا يدعمها، أجد الكثير من الكتاب لا يكتبون شيئا لا أقصد بذلك نصوصا أدبية كاملة ولكن مجرد كلمات على صفحاتهم على مواقع التواصل تدعم القضية الفلسطينية لأن هذا دورنا ككتاب عرب، وهو أقل شيء نستطيع تقديمه للدعم والتضامن مع هذه القضية المهمة.

وكما ذكرت، فالكتابة عنها تحتاج شجاعة وقدرة وموهبة أيضا، ولذلك نجد أن معظم الكاتبات لا يخضن هذه التجربة ربما هن متعاطفات ومتضامنات ولكن لا يمتلكن القدرة للتعبير عن ذلك.

وهناك عدد من الكاتبات كتبن عن القضية الفلسطينية، وكانت أشهرهن رضوى عاشور. كثير منا يسمع عبارة "الحركة الصهيونية" وخاصة الأجيال الجديدة، ولكن لا أحد يعلم تماما ما الذي تعنيه هذه الكلمة.

وفي "قطار الليل إلى تل أبيب" أكشف حقائق مهمة عن قيام الكيان الصهيوني، كيف تم تكوينه وتمويله والطرق والحيل المختلفة التي استعملها لتنفيذ مخططاته من خلال وثائق الجينزة، وهي وثائق مخفية في مقابر اليهود منذ آلاف من السنين.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي