المخاطر البيئية تؤرق العالم : البحوث العلمية تحل ألغاز التغير المناخي وتأثيره على الإنسان

2021-09-07

باريس - ما الذي قد يحصل إذا ما زادت كمية ثاني أكسيد الكربون في غلاف الأرض الجوي؟ للرد على هذا السؤال، اختبرت الأميركية يونيس فوت سنة 1856 بطريقة أقرب إلى المصادفة، قواعد التغير المناخي وقدمت مساهمتها في ما يحاول العلماء اليوم فعله لاستباق تبعات احترار المناخ العالمي.

فقد ملأت العالمة أسطوانات زجاجية بمخاليط غازية مختلفة، ولاحظت أن الأسطوانات التي تحتوي على ثاني أكسيد الكربون تحافظ على الحرارة أكثر من غيرها.

وخلصت في دراستها المنشورة في المجلة الأميركية للعلوم والفنون إلى أن “الغلاف الجوي المكون من هذا الغاز سيرفع درجة حرارة الأرض”.

ويتزامن بحثها مع تاريخ 1850 المستخدم حاليا كمرجع لحساب تبدل درجات الحرارة مقارنة بفترة ما قبل الثورة الصناعية، وهو ما يفعله خبراء المناخ في الأمم المتحدة المجتمعون حاليا ضمن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

وتندرج بحوث يونيس فوت التي أعيد اكتشافها أخيرا، في سياق أعمال باحثين فسروا ألغاز المناخ وتأثير الإنسان على تطوره.

وتوضح الناشطة المناخية أليس بل أن المعارف المتوافرة على صعيد المناخ ليست نتاج “شخصية مهيمنة في مجال علم تغير المناخ”، بل هي حصيلة تراكم للمعرفة.

وتلفت ماري هيلين بيبان، من هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية، إلى أن فكرة “تطوير البيئة لتحسين المناخ موجودة منذ زمن بعيد”، مضيفة “عندما غزا الرومان بلاد الغال، قطعوا الغابات ليتمكنوا من زراعة الحقول والكروم”.

أمطار غزيرة وفترات شح
منذ زمن كريستوفر كولومبوس حتى عصر التنوير، برر المستوطنون الأوروبيون المعاملة الوحشية للسكان الأصليين من خلال “النظرة إليهم على أنهم ‘دون البشر’ لأنهم لم يعرفوا كيف يديرون بيئتهم”.

في عام 1821، بعد أمطار غزيرة وموجات برد وفترات شح في فرنسا، أجريت دراسة لمعرفة ما إذا كانت إزالة الغابات قد لعبت دورا في هذا الوضع، من دون التوصل إلى نتيجة حاسمة.

أليس بل: المعارف المتوافرة على صعيد المناخ ليست نتاج شخصية مهيمنة في هذا المجال بل حصيلة تراكم للمعرفة

وبعد بضع سنوات، أدرك الفيزيائي الفرنسي جوزيف فورييه أن “الغلاف الجوي يلعب دورا في منع تشتت الحرارة على الفور في الفضاء”، وفق المؤرخ رولان جاكسون.

وبحدود العام 1860، سلك الفيزيائي الإيرلندي جون تيندال المسار الذي رسمته يونيس فوت وأثبت مبدأ مفعول الدفيئة، حين تحبس غازات الإشعاع من الأرض التي تسخنها أشعة الشمس.

وتطرقت رسالة نشرتها مجلة “نيتشر” العلمية في ديسمبر 1882 إلى أعماله، و”يمكننا أن نستنتج أن التلوث المتزايد في الغلاف الجوي سيكون له تأثير كبير على المناخ العالمي”، وفق هذه الرسالة الموقعة من قبل هـ.أ. فيليبس والتي أرست الصلة بين الانبعاثات المتأتية من الأنشطة البشرية وتغير المناخ.

وفي نهاية القرن التاسع عشر، حذر الكيميائي السويدي سفانته أرهينيوس، سلف الناشطة المناخية الشابة غريتا تونبرغ، من استهلاك الطاقة الأحفورية وتأثيرها على زيادة معدلات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، لكن في ذلك الوقت، كان العلماء مهتمين أكثر بالعصور الجليدية.

فيلم خيال علمي

في ثلاثينات القرن العشرين، اعتقد البعض أن احترارا مناخيا معتدلا قد يكون أمرا إيجابيا، ويقول روبي أندرو من مركز سيسيرو للبحث المناخي الدولي “لم تخطر ببالهم فكرة أن هذا لا يغير درجات الحرارة فحسب، بل أيضا جوانب أخرى من المناخ”.

وأوضح البرنامج التلفزيوني الأميركي سنة 1958 “ذي بل تلفون ساينس أور” أن ثاني أكسيد الكربون المنبعث من المصانع والسيارات يمكن أن يسخن الغلاف الجوي، وأن هذا الأمر يؤثر على “الحياة نفسها”.

لكنّ المخاوف من تبريد للمناخ بفعل حرب نووية محتملة وتلوث الهباء الجوي، شغلت أذهان الناس حتى الثمانينات.

وعام 1975 كان الباحث الأميركي والاس بروكر أول من استخدم هذه المصطلحات، التي باتت جزءا من القاموس العالمي، في مقال نشرته مجلة “ساينس” بعنوان “تغير المناخ: هل نحن على وشك احترار شديد؟”.

وبمرور الوقت أصبح علم المناخ أكثر تعقيدا، وكان عليه مواجهة ضغوط القطاعات الصناعية الرامية إلى تقليل خطورة الأثر الناجم عن استهلاك الوقود الأحفوري.

ويحذر العلماء من أنه مع تزايد وضوح آثار تغير المناخ، يجب على المجتمعات أن تتحرك.

ويقول المؤرخ سبنسر ويرت “يبدو الأمر كما لو أننا استيقظنا لنجد أنفسنا في فيلم خيال علمي، لكنه ليس خيالا علميا بل فيزياء”.

ومن المرتقب أن تشدد هيئة المناخ الأممية في توقعاتها الجديدة التي تنظر فيها راهنا 195 بلدا، لتصديقها على التهديد المتزايد الذي تشكّله بعض النقاط المناخية القاصمة، التي قد تودي بالنظام المناخي إلى تغير جذري لا رجعة عنه.

ومن بين هذه الفرضيات، تحوّل الغابات الوارفة إلى سافانا، وهو خطر يحدق بالأمازون في أسوأ السيناريوهات.

وتأتي تهديدات أخرى من التربة الصقيعية دائمة التجمّد والتي تغطي ربع اليابسة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. وهي تحتوي على نسبة كربون أعلى بمرتين من تلك الموجودة في الغلاف الجوي وتذوب بفعل الاحترار المناخي، ما يجعل منها قنبلة موقوتة.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي