معاريف: ما لم يقله بايدن.. أمريكا تقرر احتواء "إيران نووية"

2021-09-02

بايدن وبينيت

نفتالي بينيت رجل ذو قدرة تفكير واسعة، وآراء سياسية صحيحة، يتحدث الإنكليزية بطلاقة. أنا أقدره. إلى جانب ذلك، كانت التهليلة الإعلامية حول رحلته إلى واشنطن -في نظري- غريبة، وخلقت عدم ثقة في الصحافيين ممن أمسك ببعضهم وكأن في رغبتهم “ألا يعود بيبي”. عملياً، يخيل أن بعضاً من إعلامنا لا يقوم بمهامه كالعين الناقدة للحكم، بل يضخم “إنجازات هائلة” للرحلة. وكان أحد الصحافيين بالغ فقال إن بينيت عاد “بسلة مليئة”.

بداية، ينبغي الفهم بأن سفر الزعماء إلى الخارج لا يستهدف إجراء مفاوضات، في لقاءات لساعة، لتحقيق إنجازات حقيقية. فالرحلة لا تنتج تغييرات استراتيجية في الساحة السياسية والأمنية. والأمر المهم في لقاءات الزعماء هو أحياناً الحاجة الاستراتيجية المؤقتة لانعقادها. هذه اللقاءات القصيرة دلاء عميقة كثيرة الثقوب. والمحللون الذين يبحثون عن سبق صحافي ولا سيما أولئك الذين يريدون مساعدة الزعيم، يولون أهمية كبرى وساذجة للصغائر وللأقوال العابثة.

ما يقرر استراتيجية كل كيان سياسي هو خريطة المصالح. والعلاقات الشخصية لا تؤثر على استراتيجية الدولة. وإن إعطاء أهمية للعلاقات الشخصية ومسيرة الشخصنة للسياسة الدولية إنما هي سخافة إعلامية.

لم تجر بين بينيت وبايدن على ما يبدو مفاوضات على لباب مصالح الدولتين. هذا لن يحصل في اللقاءات الشخصية القصيرة ولا في اللقاءات الأوسع. المباحثات الحقيقية تجرى على المستوى المهني بين رجال المهنة. ولا يمكن في لقاء قصير بين الزعيمين تغيير مواقف أساسية.

هيا نحلل إعلان بايدن وبينيت المشترك، الذي يقول “لن يكون سلاح نووي لإيران”. ولنحلل أيضاً جملة “سينظر في وسائل أخرى إذا لم تنجح الدبلوماسية”. أسأل: كيف؟ كيف ستمنع الولايات المتحدة سلاحاً نووياً عن إيران؟ هل ستستخدم القوة العسكرية؟ هل ستدمر منظومة إيران الصواريخية التي لا تندرج في إطار الاتفاق النووي وتم تطويرها بشكل كبير؟ هل ستدمر أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي تواصل تخصيب اليورانيوم؟ أم ستقنع الولايات المتحدة إيران بقسم الكشافة بأن نصنع السلام وكل شيء يكون خيراً؟ يفهم النظام الإيراني بأن وجوده في الشكل السياسي الديني الحالي متعلق بالوصول إلى منظومة سلاح نووية. وبالتالي، مفهوم أن لا دافع لهم للتنازل، مثلما لا دافع للمحكوم بالإعدام بأن ينحف لأن كونه سميناً لا يسمح له بأن يجلس على الكرسي الكهربائي.

 

الولايات المتحدة في مسيرة خروج من الشرق الأوسط منذ نحو عقدين. وهذا لأنها لم تعد تحتاج إلى النفط الذي ينتج هنا، ولأن الوزن الاقتصادي للشرق الأوسط يقل جداً عن وزن جنوب شرق آسيا. لقد أخرجت أمريكا معظم قواتها من العراق وسوريا، ومؤخراً خرجت مكللة بالعار من أفغانستان. برأيي، قررت أمريكا احتواء إيران نووياً مثلما احتوت دولاً أخرى كباكستان والهند وكوريا الشمالية. إذا لم تطور إيران صواريخ عابرة للقارات، فلن تتدخل أمريكا. كما قررت أمريكا أيضاً احتواء الإرهاب في الشرق الأوسط، ولن تعرض جنوداً أمريكيين للخطر في مساعدة دول المنطقة. لقد عشقت أوروبا الساذجة وضعية الفرقة الموسيقية على لحن تايتنيك، وتتمسك بقواها الأخيرة في حواف السفينة. ولذا، ستحتوي كل شيء على أن يتمكن سكانها في هذه اللحظة من العيش بشكل معقول، ولا ينتظر أن يأتي منها الخلاص لحل النووي الإيراني.

إضافة إلى ذلك، ثبت في عشرات السنوات الأخيرة، بأن إيران قد تحتوي العقوبات، لا يمكنها للولايات المتحدة أن تحتوي الحروب. وعليه، فإن أمريكا ستحتوي إيران نووية.

إن إعلان بايدن بأن “لن يكون لإيران سلاح نووي” هو إعلان لا يساوي الميكروفون الذي سمع منه. قال هذا كثيرون قبل بينيت وبايدن. قال هذا بوش الابن، وأوباما، وترامب. وبينما يقول الزعماء المحترمون هذا، ها هي أجهزة الطرد المركزي تواصل تخصيب اليورانيوم، والصواريخ تواصل التطور. لا توجد قوة توقف إيران من أن تصبح قوة عظمى نووية. والإعلان الذي هو درة تاج بايدن وبينيت ليس سوى أقوال عابثة. وإذا اعتقدتم بأن أناساً فهيمين مثل بايدن وبينيت لا يفهمون هذا، فأنتم مخطئون.

 

بقلم: العميد احتياط عوديد تيرا

معاريف 2/9/2021







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي