المكانة الاجتماعية للطلاب تدفع المعلمين لمحاباتهم

2021-08-27

تونس: طالب عدد من أولياء الأمور في بداية العام الدراسي الحالي بأن تعوّض خانة “وظيفة الولي” الموجودة في جذاذة التعارف بين الطالب ومدرسه بخانة تحمل هواياته وميولاته العلمية والأدبية حتى يتم التعامل بين مختلف الطلبة على نفس القدر وحتى لا تتدخل المكانة الاجتماعية للآباء في عملية تقييم مستوى الأبناء.

ورحّب عدد كبير من الآباء والمتابعين للشأن التربوي في تونس بهذه الفكرة التي من شأنها أن تقضي على التمييز بين الطلاب، بما يعطي نفس الحظوظ في التعلم لكافة الطلبة مهما كانت مستوياتهم الاجتماعية، لكن ذلك لم يقض تماما على هذه الظاهرة .

وتتمثل المحاباة، وفق خبراء التربية في أن يعمد المدرس إلى إسناد أعداد مرتفعة لبعض طلابه لا تعكس مستوياتهم الحقيقية ولا تمثل المقابل الجزائي الحقيقي للمجهود المبذول، أو التساهل في التقييم وإسناد العدد، أي عدم تطبيق جدول المعايير بنفس الطريقة على كل الاختبارات التي يخضع لها الطلاب.

ويقول عبدالسار الخديمي مدرس للتعليم الثانوي إنه رغم أن للمحاباة ما يبرّرها، بالخصوص شخصية الطالب نفسه، إلا أنها مرفوضة من منطق تربوي يرفض أي نوع من التمييز سواء في إسناد الأعداد الجزائية أو في المعاملة اليومية. ويشير إلى أن الاهتمام يجب أن يكون على قدر المساواة بين الجميع ويجب أن يشمل خاصة الطلاب أصحاب الشخصيات الانطوائية والذين يخافون المبادرة ويرفضون العلاقات المباشرة ويفضلون ترك مسافة بينهم وبين أقرانهم من ناحية وبينهم وبين مدرسيهم من ناحية ثانية.

ويرى الخديمي أنه على المدرس لكي ينجح في مهمته التعليمية يجب أن يكون شديد الحرص على التعامل الموضوعي في الفصل، لكي لا يشعر المتعلمون بأي نوع من التفرقة أو التمييز. كما يتوجب على الأب أيضا أن يفهم طبيعة العملية التربوية ويساهم في إنجاحها دون البحث عما يعكر جوهر العلاقة التي تجمعه مع منظوره بالوسط المدرسي.

ويشير خبراء التربية إلى أن سلوك المدرس تجاه الطالب يترك آثارا نفسية ومعنوية كبيرة، كما يتحكم في اختياراته مستقبلا. ويعتقد الطالب أنه يكره مادة معينة في حين أن المدرس هو السبب في نفوره منها بسبب سلوكه وتمييزه بين الطلاب والعكس صحيح. وهو تماما ما حدث مع طالبة واجهت مثل هذه الحالة حيث كانت مدرسة مادة الفيزياء لا تحبها على الإطلاق وتحاول بمناسبة أو دونها أن تعاقبها إما بطردها من الصف أو إرسالها إلى المديرة لمعاقبتها، مبينة أنه أحيانا تكون مجموعة من الطالبات هن من قمن بالخطأ لكن كانت تعاقبها لوحدها.

وتضيف الطالبة أنها كانت تحب المواد العلمية ومتفوقة فيها، خصوصا مادة الرياضيات، وبعد أن اختارت أن تذهب للتخصص العلمي علمت من إحدى المدرسات أن ذات مدرسة الفيزياء ستقوم بتدريسها في صفوف العلمي، وهو ما جعلها تقرر تغيير تخصصها فورا إلى الأدبي بالرغم من أنه ليس رغبتها على الإطلاق، مبينة أنه بالرغم من محاولة أهلها وباقي المدرسات إقناعها للعدول عن رأيها، رفضت وكل ذلك من أجل مدرسة واحدة تسببت في تغيير مسار حياتها بالكامل.

  سلوك المدرس تجاه الطالب يترك لديه آثارا نفسية ومعنوية كبيرة، كما يتحكم في اختياراته وتوجهاته في المستقبل

وتقول اعتدال الردايدة مديرة إحدى المدارس الأردنية إن الأصل هو دائما بأن يعمل المدرس على كسب محبة الطلاب، مبيّنة أن طريقة التعامل مع الطالب تؤثر عليه، خصوصا أن تقبل الآخرين ومحبتهم له أمر يعنيه.

وتضيف أن الطالب قد يتأثر بالمدرس لدرجة قد تجعله يخرج من المدرسة أو يتسرب منها، أو يكره المادة التي يدرسها، وقد تخلق لديه مشاكل نفسية وأكاديمية ويشعر بأنه يعاني من نقص.

ولا بد من الالتفات إلى أن الطالب يرى المدرس دائما ذا أهمية وقيمة كبيرة، وفق الردايدة، وبالتالي فإن كره المدرس له يخلق لديه نوعا من لوم الذات وأنه من المؤكد طالب غير جيد وغير مقبول.

وتشير الردايدة إلى أن المعلم يجب أن يأخذ تدريبا مسبقا قبل ممارسة العملية التعليمية وأن يكون مرشدا قبل أن يكون مدرسا، ويفهم نفسيات الطلاب وحالاتهم الاجتماعية فقد تكون لدى الطالب ظروف يعاني منها ويبحث عمّن يحتويه ويعوضه هذا النقص.

وتؤكد الدكتورة روناهي المجدلاوي خبيرة المناهج الأردنية أن الدراسات تشير إلى أن المتعلم الذي يحب معلمه ويتأثر به سيتعلق بالمادة ويتفوق فيها، ويكون هناك أثر إيجابي كبير ينعكس على تحصيله لاحقا، بالإضافة إلى أن دور المعلم أساسي ورئيسي في تشكيل اتجاهات الطلاب. كما أن التوجهات الحديثة في مسألة المعلم هو أن يكون “مربّيا”، فالتربية تأتي قبل التعليم.

وتلفت المجدلاوي إلى أن تعميق العلاقة الإنسانية بين المدرس والطالب أمر مهم للغاية مع الحفاظ على الحدود بينهما، مبينة أن هناك الكثير من القصص الملهمة لدور المدرس في تغيير اتجاه الطلاب وبناء مستقبلهم.

ولا تقتصر ظاهرة المحاباة على مجتمع دون آخر. وتقول الكاتبة البريطانية تانيث كاري في إحدى الدراسات التي أجرتها جامعة برمنغهام، إن 14 ألف طالب من ستة بلدان سئلوا عن الإنصاف، فأجاب 42 في المئة في إنجلترا بأن المدرسين يعاملونهم بطريقة عادية، وهي أدنى نسبة بين البلدان الأخرى. ووجدت بحوث وزارة التعليم أن المحاباة تؤثر على درجات الطلاب. وفحص المشرفون 2000 مدرس قاموا بتصحيح مقالات الطلاب في عمر 11 عاما على مدار عام وتبيّن أن الثلثين منهم يعتقدون أن المشاعر الشخصية تجاه طلاب معيّنين تؤثر على تقييماتهم.

وأردفت كاري أنه مع اقتراب موسم الامتحانات لا تزال هذه المشكلة قائمة في الفصول الدراسية على الرغم من المخاطر التي تشكلها على الطفل.

وقالت ميريام تشاتشلمو المعالجة الأسرية “إذا تركت هذه السلبية دون مراجعة سيكون لها تأثير عميق حيث يصدق الأطفال ما يقوله الكبار عادة ويحتفظون بأي تسميات في قلوبهم.. إنهم بصدد بناء هوياتهم”.

وأضافت أن المدرّسين بشر مثل أي شخص أحيانا يشعرون بالدفء والقبول تجاه بعض الطلاب ولكن إذا لم يبذلوا أي جهد لإخفاء تلك المشاعر سيجعلون الأمور أسوأ فيفقد باقي الطلاب الحافز ما يجعلهم أقل حظا وبالتالي يمكن أن يؤدي ذلك إلى حلقة مفرغة من العداء يصعب كسرها.

ويوصي خبراء التربية الآباء في حال تعرض أبنائهم إلى التمييز أو المحاباة بسؤالهم عن الحادث الذي أزعجهم أو ما إذا كانت هناك أمثلة ملموسة بشأن المحاباة المنتظمة وعدم استدعاء الأحداث الخاصة بهم مع مدرّسيهم في ما يعاني منه أطفالهم، وإذا كانت هناك مشكلة فيجب الاقتراب منها واستطلاعها بطريقة لبقة.

وقال الخبراء مخاطبين الآباء “ابدأوا بافتراض أن المدرس يحاول بذل قصارى جهده ويمكن أن يقولوا له نعلم أنك تحاول تحفيز الطلاب ذوي المستوى الأقل ولكن لدى أطفالنا أدى الموضوع إلى نتيجة عكسية”.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي