مدن قديمة وحديثة.. أين ولماذا عاش البشر تحت الأرض؟

2021-08-23

ليلى علي: من سراديب الموتى القديمة، تلك الممرات تحت الأرض التي كان يدفن فيها الموتى أو يحفظ فيها رفاتهم وعظامهم، إلى قطارات الأنفاق الحديثة، سافر البشر دائما تحت الأرض لفترات وجيزة من الوقت، لكن هل عاشت مجتمعات بأكملها تحت الأرض؟

يجيب على هذا السؤال تارا سانتورا في مقاله على موقع "لايف ساينس" Live Science العلمي، يقول، نعم، ولكن من الناحية التاريخية كان ذلك فقط أثناء حالات الطوارئ وعندما لم يكن هناك خيار آخر، إلا أن ذلك بدأ يتغير في العقود الأخيرة.

يقول ويل هانت، مؤلف كتاب "تحت الأرض: تاريخ بشري للعوالم تحت أقدامنا" (Underground: A Human History of the Worlds Beneath Our Feet) "الشيء المهم الذي يجب أن تعرفه عن الأنفاق هو أننا لا ننتمي إلى هناك. بيولوجيا وفسيولوجيا، أجسامنا ليست مصممة للحياة تحت الأرض، ومع ذلك، هناك لحظات تراجعنا فيها إلى تحت الأرض".

لماذا عاش الناس تحت الأرض؟

يقول هانت لموقع لايف ساينس، عاش الناس عبر التاريخ بشكل مؤقت تحت سطح الأرض لأسباب مختلفة. فحينما لم تكن هناك مواد لبناء المنازل، حفروا منازل تحت الأرض.

وفي الأماكن ذات المناخ القاسي، ذهب الناس تحت الأرض في الصيف ليشعروا بالبرد وفي الشتاء للبقاء دافئين. كما لجأ الناس للعيش تحت الأرض لحماية أنفسهم من الأعداء والبقاء آمنين. على سبيل المثال، بنى القدماء مدن كابادوكيا الشهيرة تحت الأرض فيما يعرف الآن بتركيا، لحماية أنفسهم من كل من الحرب والطقس.

يقول هانت "لقد كانوا جغرافيا في مكان إستراتيجي للغاية… كانوا يتعرضون للهجوم باستمرار". لذا لجأ السكان إلى الأماكن تحت الأرض أثناء حالات الطوارئ، لكنهم لم يمكثوا هناك لفترة طويلة، ربما لأسابيع في كل مرة.

أكبر المدن تحت الأرض

واحدة من أكبر المدن تحت الأرض في كابادوكيا هي ديرينكويو، التي يعود تاريخها إلى حوالي القرن السابع أو الثامن ويمكن أن تؤوي حوالي 20 ألف شخص، وفقا لأطلس أوبسكورا Atlas Obscura.

كما اكتشف الجيوفيزيائيون مؤخرا، مدينة أخرى في المنطقة تمتد على مساحة 460 ألف متر مربع وقد يصل عمقها إلى 113 مترا، وذلك وفقا لما ذكرته ناشيونال جيوغرافيك National Geographic. وإذا كان هذا صحيحا، فإن تلك المدينة التي تم العثور عليها مؤخرا ستكون أكبر بحوالي الثلث من مدينة ديرينكويو.

يقول هانت إن مدن كابادوكيا الواقعة تحت الأرض تمثل "أعجوبة معمارية". فقد غاصت الآبار عميقا في المياه الجوفية. وكانت الثقوب المؤدية إلى السطح بمثابة أعمدة تهوية. إضافة إلى وجود طبقات حماية، بما في ذلك الأحجار الكبيرة الدائرية التي دحرجها هؤلاء القدماء أمام مداخل المدينة، تفصل من في الداخل عن الغزاة على السطح.

العيش تحت الأرض في العصر الحديث

لم تكن جميع المساكن الجوفية معقدة مثل تلك الموجودة في كابادوكيا. فقد عاش الناس أيضا في كهوف طبيعية وأخرى من صنع الإنسان. يمكن العثور على الكهوف المشيدة في أي مكان مناسب جيولوجيا، مثل التلال الحجرية المصنوعة من التوف، وهي صخرة بركانية ناعمة يسهل الحفر فيها.

يقول هانت من الشائع جدا أن تجد الناس يصنعون الكهوف في جميع أنحاء العالم، حتى في أستراليا الحديثة، في بلدة تسمى "كوبر بيدي"، يعيش حوالي نصف سكانها في "مخابئ"، أو حفر محفورة في جوانب التلال، وفقا لمجلة سميثسونيان Smithsonian Magazine.

على الجانب الآخر، نلاحظ أن العديد من الأشخاص المهمشين يجدون مأوى تحت الأرض في البنية التحتية المهجورة للمدن الحديثة. يقول هانت إن عدد هؤلاء المهمشين في نيويورك أقل مما كان عليه في الثمانينيات من القرن الـ20، ومع ذلك ربما يعيش أكثر من ألف شخص بدون مسكن في أنفاق تحت شوارع المدينة. كما يعيش العديد من المشردين في أنفاق تحت لاس فيغاس، وتعيش جاليات كبيرة من الأيتام تحت الشوارع في بوخارست برومانيا.

قد ينتقل المزيد من سكان المدن للعيش تحت الأرض

إقناع الناس بالتحرك تحت الأرض

مع توجه المزيد من الناس للعيش في المدن، قد ينتقل المزيد من سكان المدن للعيش تحت الأرض. وتستكشف دول مثل سنغافورة خيارات البناء الهابط المتجه إلى الأسفل داخل الأرض.

تقول أون هي لي، الأستاذة المساعدة في علم النفس بجامعة نوتنغهام في ماليزيا University of Nottingham’s Malaysia والتي تدرس سيكولوجية البقاء تحت الأرض، إن التكنولوجيا اللازمة للقيام بذلك موجودة بالفعل. التحدي هو إقناع الناس بالتحرك تحت الأرض.

تقول لي، في الواقع، أن الإقامة تحت الأرض لم تثبت بعد أنها تسبب آثارا نفسية سلبية، طالما أن الإضاءة وحجم الغرفة وارتفاع الأسقف والسمات المادية الأخرى للإعداد تتوافق مع ما هو فوق الأرض. على سبيل المثال، يمكن لتقنية مثل آبار الضوء Lightwells، التي تسمح لأشعة الشمس الطبيعية أن تضيء المساحات تحت الأرض باستخدام مواد مثل الطلاء العاكس، أن تقاوم الاكتئاب الناجم عن نقص ضوء الشمس.

تقول لي إن الناس قد يشعرون بالعزلة عن نظرائهم ظاهريا، وقد يشعرون بفقدان السيطرة، لكن هذه المشاعر يمكن التحكم فيها. ومع ذلك، لا يزال الناس يكرهون فكرة العيش تحت الأرض.

وتعتقد لي كذلك أن الناس في جميع أنحاء العالم سيبدؤون في التحرك قريبا تحت سطح الأرض، متأثرين ببعض الأماكن التي مهدت الطريق مثل ريسو RÉSO، وهي مدينة تحت الأرض في مونتريال بكندا يبلغ طولها أكثر من 32 كيلومترا، وتشمل مراكز التسوق والمكاتب والفنادق والمدارس.

وتقول إنه "من الناحية الواقعية، سنذهب تحت الأرض قريبا. ففي غضون 30 عاما على الأقل سيكون هناك المزيد من بيئات العمل والأماكن الممتعة تحت الأرض، إن الأمر قادم، وهو ليس مجرد فكرة".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي