الشاعر زين العابدين الضبيبي: هاجس الحرب صار المادة الرئيسية للكتابة

2021-08-15

اليمنيون يعيشون عزلة ثقافية بسبب الصراعات (لوحة للفنان ردفان المحمدي)

صالح البيضاني*

يصف الكثير من المتابعين الواقع الثقافي اليمني اليوم بأنه دار إلى الخلف خلال سنوات من الحرب متخذا خطا عكسيا باتجاه القرون الوسطى، وذلك على الرغم ممّا يتمتع به اليمن من مشهد ثقافي ثريّ وغني بالتجارب. ورغم استقطاب البلاد لأهم المثقفين والأدباء والمبدعين من شتى أنحاء العالم في وقت سابق، إلا أن كل ذلك تغيّر.

“العرب” كان لها هذا الحوار مع الشاعر اليمني زين العابدين الضبيبي حول الواقع الثقافي في اليمن اليوم.

عدن – يصف الشاعر اليمني زين العابدين الضبيبي واقع المشهد الثقافي اليمني اليوم بأنه في حالة احتضار “تسوء حالته فلا هو يستطيع الحياة ولا الموت”.

ويقول الضبيبي ، إن المشهد الثقافي في اليمن “قوي على الصعيد الفردي ثري بالأسماء والمواهب، لكنه فقير مؤسسيا في ظل غياب تام لأي أثر للمؤسسات الثقافية الرسمية والحكومية والأهلية”، مضيفا أن “هذا الواقع انعكاس مماثل لواقع المشهد السياسي الذي جعل البلاد تعيش حالة من الضياع بين الحرب واللاحرب ويتحمل فيها المواطن مسؤولية نفسه في ظل عطالة وبطالة المؤسسة الرسمية”.

كلفة مادية ونفسية

في حديث عن ظلال الحرب الثقيلة التي ألقت آثرها على كاهل المبدع اليمني، يؤكد الضبيبي أن وضع الكاتب والمبدع اليمني يسوء ويتفاقم نتيجة الحرب وحالة الفوضى والخراب التي باتت هاجسا يوميا في حياة الناس مع تراجع فرص الحياة.

ويتابع “المبدع هو واحد من الناس وأكثرهم حساسية لمعاناتهم وإحساسا بوضع البلد. فيصبح مخيّرا بين الانحياز للقيم والمبادئ التي يؤمن بها ويدفع الثمن مضاعفا أو ينخرط في صف هذا الطرف أو ذاك ويتخلى عن مهمته الأخلاقية في التعبير عن وجع الناس.

ويمكن تصنيف الأغلبية في الجزء الأول وهم الأكثر معاناة لظروف الحياة والأكثر عرضة للخطر في حال كتبوا بتجرد وأدانوا هذا الطرف أو ذاك أو الجميع. بحسب سعة صدر الطرف الذي يقيمون في مناطق سيطرته”.

وحول الأثر الذي خلفته الحرب في اليمن على زين العابدين الضبيبي كشاعر وهل ظهرت ظلال هذه الحرب على قصائده، يقول “دون شك تأثرت وتوقف عملي في الصحافة والأنشطة الثقافية ولم أعد أستطيع النشر في بعض المجلات الأدبية التي كان النشر فيها يعود علي بمردود مالي جيد.

خوفا من أن أصنف سياسيا. إضافة إلى أن هاجس الحرب صار هو المادة الرئيسية التي تستأثر بنصيب الأسد مما أكتب ويكتب الجميع”.

ويتابع الشاعر “لك أن تتخيل كيف تستهلكك الحرب نفسيا وماديا ومعنويا، وكم من الحسرة التي تشعر بها وأنت تشاهد عمرك يضيع في ظل الحرب وأنت معزول عن العالم ومحروم من النشاط الثقافي في بلدك ومن المشاركة في الفعاليات الثقافية الخارجية بسبب صعوبة السفر، إضافة إلى ما يمكن أن ينالك من أذى نتيجة لمواقفك الرافضة للحرب ولممارسات وأفكار الأطراف المتحاربة.

وهي في مجملها أفكار بالية وتتنافى مع العقل والمنطق والحاضر والمستقبل والتاريخ والقيم السياسية وحتى الإنسانية قبل ذلك”.

وأصدر الضبيبي ديوانين شعريين، الأول بعنوان “قطرة في مخيلة البحر” والآخر تحت عنوان “توق إلى شجر البعيد” وهو العمل الفائز بجائزة الدكتور عبدالعزيز المقالح للإبداع الأدبي في العام 2018.

ويحدّث عن جديده الإبداعي، فيقول “لدي الكثير، على سبيل المثال كتاب يصنف في إطار أدب الرحلات وثلاثة دواوين شعرية لم أتمكن من طباعتها بسبب الحرب. ولا أملك الصفاء الذهني والاستقرار المادي حتى أتفرغ لصفها وإخراجها وإرسالها لدور نشر خارجية”.

حياة بديلة

الشاعر اليمني يعتقد أن المواقع الاجتماعية مثلت متنفسا للأدباء والكتاب اليمنيين خفّف قليلا من وطأة العزلة الثقافية

يعتقد الضبيبي أن مواقع التواصل الاجتماعي مثلت متنفسا للأدباء والكتاب اليمنيين خفّف قليلا من وطأة العزلة الثقافية، وعن تجربته وتجارب أقرانه في الإطلال عبر منصات التواصل الاجتماعي، يقول “دون شك كانت مواقع التواصل الاجتماعي هي المتنفس الأهم وربما الوحيد للكثير منا بعد أن توقف بشكل شبه تام النشاط الثقافي والفعاليات والمهرجانات وحتى المقالات الثقافية.

ولذلك ستلاحظ أن الأدباء اليمنيين هم الأكثر نشرا وتواجدا في وسائل التواصل الاجتماعي وأنا واحد منهم. ولولا هذه النوافذ التي تجمعنا بالناس لكان الإحباط قد نال منا وربما توقف الكثير عن الكتابة واتجه لأعمال أخرى”.

وفي رده على سؤال حول إمكانية اقتحامه عالم الكتابة الروائية، أسوة بغيره من الشعراء اليمنيين والعرب، يجيب “أزعم أنني قارئ جيد للرواية وربما هي أكثر ما يستأثر بوقتي، وذلك لأنني أجد فيها العالم الجميل الذي أفتقده، حيث أعيش قصص وحيوات أبطالها بعد أن صار واقعنا قصة مأساوية واحدة”.

ويتابع “الرواية عالم كبير كتابته تحتاج إلى استقرار نفسي ومادي وتفرغ لا أملكه، ما يعنني أنني لا أفكر باقتحام هذا العالم حاليا، لكن ربما في المستقبل لو وجدت أنني قادر على اقتحام هذا العالم والإضافة فيه وكتابة ما يستحق وما يمكن أن يكون إضافة نوعية. ولأنني حاليا أجد أن الشعر هو الوسيلة الأنسب التي أعبر بها عن مشاعري وهواجسي”.

ويختتم الضبيبي حديثه بالقول “أتمنى أن يعود الأمن والأمان إلى بلدي وأن يعمّ السلام وأن يعيش شعبي الحياة الكريمة التي يستحقها أسوة ببقية الشعوب الأخرى، وأن نعود إلى زمن الدولة، دولة النظام والقانون التي يتساوى فيها الجميع ويختار فيها الشعب من يمثله عبر صناديق الاقتراع، لا بقوة السلاح والغلبة التي ثبت فشلهما ودفع الجميع تكلفة جسيمة من الدماء والخراب في طريقهم لمحاولة التفرد بالسلطة”.

 

  • صحافي يمني

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي