"الإنس والنمس".. فيلم يخلط الواقع بالخرافة دون تجديد

2021-08-13

الإثارة والحركة تفقدان محمد هنيدي سماته الكوميدية الناجحة بعد فترة من التأجيل والانتظار تم طرح الفيلم المصري “الإنس والنمس” في دور العرض من دون أن يحقّق الجاذبية التي توقعها الكثيرون ممّن تشوقوا له من كثرة ما سمعوا وقرأوا عنه، لأن بطل الفيلم الفنان الكوميدي محمد هنيدي قام بالتجريب في مساحة بدت غير مألوفة بالنسبة إليه، تعتمد على الإثارة والحركة والفانتازيا، وهو ما جعله يخفق في تحقيق هدفه لأن جميع العوامل التي تخدم هذا النمط يفتقر إليها.

القاهرة - يتّسم الممثل المصري محمد هنيدي بخفة الظل والقدرة الفائقة على الإضحاك وإلقاء النكات وكوميديا الموقف بشكل عام، وهي التي مكنته من أن يتبوأ الصفوف الأولى من قبل، لكن بدا هذا الجانب مبتذلا وخافتا في آخر أفلامه “عنتر ابن ابن ابن شداد” الذي قدّمه منذ حوالي أربعة أعوام، والذي سقط سقوطا مدويا في دور العرض.

ولذلك لجأ إلى المخرج الشهير شريف عرفة لتأليف وإخراج قصة تتضمن الإثارة والحركة والكوميديا، فقدّما معا في فيلمهما الجديد “الإنس والنمس” فكرة تجمع بين الواقع والخيال للدرجة التي تاهت معها بعض الخيوط وبدت متداخلة لحد الترهل الذي قوّض فرص الفيلم في التفوّق كثيرا على منافسيه الذين يستغلون اشتياق الجمهور إلى السينما.

قبيلة النمس

حكايات مكررة

استعان شريف عرفة بالفنانة منة شلبي مع محمد هنيدي لتكوين دويتو اعتقد أنه سيضمن روشتة نجاح مريحة للفيلم، مع مجموعة من المساعدين مثل عمرو عبدالجليل وبيومي وفؤاد وصابرين ومحمود حافظ وعارفة عبدالرسول، وهم يمثلون رموزا للجيل الحالي في السينما والدراما المصرية مع آخرين، ولا يكاد يخلو عمل من أحدهم أو أكثر، وتحوّل بعضهم إلى تميمة حظ، مثل بيومي فؤاد الذي يبدو كمن يتلقى “أوردرات” التمثيل وهو في الشارع ويذهب إلى الأستوديو للتصوير مباشرة.

وتعدّ فكرة الإنس والجن والعفاريت قديمة ومستهكلة وقدّمتها السينما المصرية مع الفنان الراحل إسماعيل ياسين منذ ستة عقود أو أكثر، وتوحي بأن العنوان مقتبس من فيلم عادل إمام ويسرا “الإنس والجن”.

"الإنس والنمس" قدّم كوكتيلا من القصص المتشابكة بلا رابط فني قوي، فتاهت الحكاية في افتعال الضحكات المجانية

والجديد هنا أن شريف عرفة حاول اختيار نوع معين من الجن ونسج عليه قصة لا يصدّقها عقل طفل، ليس هذا هو المهم، فالمهم أن يكون الخيال محبوكا بصورة فنية جيدة وجذابة ولا يعتمد على نمطية ممللة.

وظهرت بعض الشخصيات في الفيلم بلا مقدّمات أو حيثيات فنية وجاءت محشورة بلا مبرّر منطقي، مثل شخصية الفنان شريف دسوقي الذي يقوم بدور والد هنيدي وتزوّج من جنية وهرب منها ونصح ابنه بعدم تكرار مأساته، ومع أنه إنسي إلاّ أن حركاته أوحت بأنه ينتمي إلى قبيلة النمس المنحدرة من الجن، ربما أراد المخرج توصيل رسالة من وراء ذلك، لاسيما أنه ظل مختفيا عن أسرته لمدة عشرين عاما ولا أحد يعرف مصيره.

لا أحد يعلم بالضبط أنواع الجن وخصال كل منها، لأن هذا المجال غامض ويصعب تحديد الفواصل فيه، ومن ثم فاختيار نوع “النمس” من الجن الذي تنتمي إليه منة شلبي وعائلتها لم يكن مفهوما، وحتى قصة اللقاء بينها وهنيدي في حادث طريق بدت مختلطة وعصية على الفهم، بعد أن تحوّلت إلى قصة عاطفية وتكلّلت بالزواج.

بدأ الفيلم بشكل كوميدي كما هو معتاد في غالبية أفلام هنيدي عندما اصطحب معه موظفة حكومية في الرقابة للاطلاع على ما يجري في “بيت الرعب” الذي يشرف عليه في الملاهي التي يعمل بها، وحوى المشهد الطويل العديد من المفارقات الكوميدية غير المضحكة التي توحي بحضور الجن والعفاريت للتمهيد لما سيأتي بعد ذلك.

ورغم القطيعة بين هذا المشهد والمشاهد التالية في الفيلم، غير أن الخيط الرفيع الخيالي الذي يربط بينهما ظل يطارد أذهان الجمهور الذي لم يتمكّن من تفسير العلاقة بالضبط، حيث دخلت المشاهد التالية في متاهة من الصعود والهبوط والضيق والاتساع في العلاقة بين الإنس الذي يمثله هنيدي، والنمس الذي تمثله منة شلبي، مصحوبة بحيل ومطاردات وألغاز اتخذت من الإثارة عنصرا أساسيا في بناء درامي بدا مشوشا.

نجح المخرج في تقديم فانتازيا اهتمت كثيرا بالتشويق، لكنه لم يتمكن من الحصول على ضحكات الجمهور من خلال موهبة هنيدي، وكل محاولات الكوميديا التي حاول استجلابها لم تشفع له، وبدت مكرّرة تارة عبر توظيف الطول الكبير لجني وأشقائه الثلاثة الذين يشبهونه، وأخرى بالاستعانة بغرام البعض بتصوير مواقف حياتية وبثها على مواقع التواصل الاجتماعي لجلب المزيد من المتابعين.

قدّم الفيلم كوكتيلا من التمثيل والقصص المتشابكة بلا رابط فني قوي يشفع لها، لم تضف لهنيدي الكثير ممّا كان ينتظره من وراء هذا العمل، فقد كان فيلم “الإنس والنمس” أحد الرهانات التي تعزّز مكانته كممثل بارع في الكوميديا بعد أن تفرّغ خلال السنوات الأخيرة للإعلانات والفضفضة على منصات التواصل الاجتماعي، وظهر كأنه شديد الحرص على جمع الأموال السهلة من خلالهما.

تفوّق منقوص

بروز منقوص

حاولت منة شلبي استثمار موهبتها وخبرتها التي اكتستبها من تجارب مختلفة، لكن برودتها الزائدة في الدور الذي قامت به لم يجعلها تتميّز على غرار العديد من الأفلام والمسلسلات التي قدّمتها في السنوات الماضية، حيث وضعت نفسها في بطولة صامتة إلى حد كبير في بعض المشاهد التي ظهرت فيها، ما جعلها لا تتمكّن من تفريغ طاقتها بالصورة المعهودة عنها.

ويحسب للفيلم الإجادة في التشويق عبر الأجواء المخيفة التي جرى تصويرها والحركات المختلفة من قفز وصعود وهبوط لعدد من الممثلين الذين لعبوا أدوار الجن والعفاريت في سياق طبيعي أو مفتعل، في مقدّمتهم عمرو عبدالجليل الذي كان يمكنه أن يكون أفضل لو تخلى قليلا عن انفعالاته ومبالغاته الزائدة، والتي نجح بيومي فؤاد في ضبطها من دون أن يظهر بالشكل الكوميدي المعروف عنه.

قد تكون القوالب الفنية المركّبة التي وضعت فيها كل شخصية أسهمت في التقليل من إظهار مواهب كل فنان وفنانة على حدة، لأن البطل محمد هنيدي كان مستأثرا بالجانب الأكبر من المشاهد المثيرة، حيث ظهر فيها جميعا وكأن الكاميرات تنتقل معه وحده، وهو الخطأ الذي جار على الاستثمار في القدرات الفنية لكل طاقم العمل وتفجيرها بشكل يعزّز من مكانة البطل وليس العكس.

تكمن مشكلة “الإنس والنمس” في أنه دخل المنافسة وسط كوكبة من الأعمال السينمائية الناجحة، وأبرزها “مش أنا” لتامر حسني، و”البعض لا يذهب للمأذون مرتين” لكريم عبدالعزيز، و”العارف” لأحمد عز، ولذلك فالمنافسة باتت شرسة على شباك التذاكر، لأن هذه الأفلام طرحت بتتابع زمني قريب، الغرض منه إتاحة الفرصة لكل منها للنجاح، غير أن وجودها في توقيت متقارب الآن يمكن أن يرسم معالم صراع فني من نوع آخر يتعلق بمدى جاذبية كل عمل، فكل منها يقدّم لونا مختلفا.

وربما يكون هناك اتفاق علني أو ضمني على هذا الطرح وتفاهم بين الشركات المنتجة والمخرجين والأبطال لتجنب الحساسيات المعروفة في زمن تراجع فيه الإقبال على السينما بسبب فايروس كورونا وإجراءاته الاحترازية، كي يمنح كل عمل وقتا مناسبا للمشاهدة بقليل من المنافسة الحادة التي تصاحب طرح الأعمال في توقيت واحد خلال مواسم الأعياد، وهي نقطة يمكن أن تضمن حصول كل شركة على حد أدنى من المكاسب التي تشجعها على مواصلة الإنتاج حتى تسترد السينما المصرية عافيتها.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي