دراسة إسرائيلية جديدة: حل الدولتين فشل نتيجة ثلاث عقبات كأداء

2021-08-11

الناصرة -  يزعم “معهد أبحاث الأمن القومي” التابع لجامعة تل أبيب في دراسة سياسية جديدة للعميد في الاحتياط أودي ديكل، أن حل الدولتين ما زال الحل الوحيد الممكن للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، منطلقا من مخاوف إسرائيلية متزايدة من التهديد الديموغرافي على مستقبل إسرائيل.

يستعرض الباحث في دراسته التي تولى ترجمتها للعربية مركز “مدار” مسيرة المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية انطلاقا من مفاوضات أنابوليس التي كان ديكل نفسه مديرا لدائرة المفاوضات فيها في عهد حكومة إيهود أولمرت (2007-2008) بحث خلالها مسيرة المفاوضات والخيارات الممكنة لحل الصراع بعد فشل مباحثات أنابوليس، وتولي اليمين بقياجة بنيامين نتنياهو لرئاسة الحكومة، وهي ما يمكن اعتبارها الفرصة الأخيرة للتوصل إلى حل قابل للتطبيق بين الطرفين.

ويرى ديكل أسوة بالكثير من الباحثين والسياسيين الإسرائيليين، أن الطرف الفلسطيني هو المسؤول عن إضاعة فرصة التوصل إلى تسوية تنهي الصراع، وكما أشيع بعد قمة كامب ديفيد على يد رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود باراك أنه “لا يوجد شريك للسلام في الطرف الآخر”. يكرر ديكل مقولة ينسبها لرئيس وزرائه في تلك المحادثات، أولمرت، وجهها للرئيس الفلسطيني محمود عباس، قال فيها: “إذا رفضت هذه الفرصة لن تأتي من هنا لخمسين عاما فرصة جديدة، وإن أتت، لن تكون أفضل من هذه”. لخصت الدراسة المعتمدة وجهة نظر إسرائيلية كافة البدائل والخيارات الممكنة التي جربت في فترات زمنية مختلفة، من دولتين لشعبين، ودولة واحدة لجميع المواطنين، وفيدرالية إسرائيلية- فلسطينية، وكونفدرالية فلسطينية- أردنية، وكونفدرالية إسرائيلية- فلسطينية، ودولتين في حيّز جغرافي مع حدود مفتوحة، وفك ارتباط إسرائيلي من جانب واحد في الضفة الغربية، واتفاق انتقالي، واتفاق إقليمي وغيرها من الحلول، ليصل إلى نتيجة أن “حل الدولتين لشعبين” هو الحل الممكن، كونه يضمن لإسرائيل استمرارها كـ”دولة يهودية وديمقراطية”.

العقبات الثلاث الكأداء
يرى ديكل في دراسته أن عدم التوصل إلى اتفاق نهائي بين إسرائيل والفلسطينيين بعد كل جولات المفاوضات السابقة من كامب دافيد إلى أنابوليس، يكمن في ثلاث عقد كأداء لم يتم جسرها حتى الآن وهي: أولا: السيادة الفلسطينية الكاملة أو المحدودة. وهذا ينبع من الإصرار الإسرائيلي على الانتقاص من السيادة الفلسطينية في أراضي الدولة المستقبلية (بسبب الاستيطان واعتبارات أمنية) في عدة مجالات من بينها الإبقاء على قوات من جيشها في غور الأردن (لفترة زمنية) وسيطرة جوية، ومشاركة في السيطرة على المعابر الحدودية وبقاء الكتل الاستيطانية. ثانيا: عدم التناسب بين الطرفين. هذه الفجوة في القوة بين الطرفين لازمت كافة جولات المفاوضات التي جاءت إليها إسرائيل من موقع المتفوق الذي يسيطر على الأرض ويضع شروطه من خلال تحكمه بحياة الفلسطينيين بقوة جيشها الذي يسيطر على كل بقعة أرض، مقابل الطرف الفلسطيني الذي يأتي إلى المفاوضات كونها مدخلا لإحقاق حقوقه من موقع الضحية بالاستناد إلى حقوق تاريخية وموقف متقدم بالتنازل عن 78% من مساحة فلسطين التاريخية مقابل إقامة دولة على حدود 67 وإنهاء الاحتلال. ثالثا: الإصرار على مبدأ كل شيء أو لا شيء. وهنا يروي ديكل كيف حاول على مدى عشرات الساعات إقناع صائب عريقات “أننا أمام فرصة، ربما لن تتكرر تستجيب لـ97% من مطالبكم” إلا أنه “أصر على التمسك بمبدأ إما كل شيء أو لا شيء”، كما يقول.

اليأس ليس بديلا
يرى ديكل أنه بعد دراسة مجريات محادثات أنابوليس، استنتج بعض المراقبين الإسرائيليين أنه “ورغم النوايا الحسنة لدى أولمرت ووزيرة خارجيته تسيبي ليفني، لم يتم التوصل إلى الصيغة التي تنهي الصراع” رأى الكثير من الإسرائيليين أن استمرار الواقع الحالي يعطي إسرائيل أفضلية. موضحا أن سبب هذه الأفضلية سيطرة إسرائيل الأمنية على غور الأردن وبقاء الاستيطان وحرية العمل عسكريا في الضفة التي تمكنها من محاربة “الإرهاب”، وأن تدافع عن نفسها أمام الأخطار الخارجية مع سيطرة مطلقة على الأجواء والأرض والحدود مع الأردن ومصر، بالإضافة لوجود أجهزة أمنية فلسطينية، وتولي السلطة للمسؤولية المدنية وحاجات السكان، ما يزيل أي عبء عن كاهل إسرائيل ويعيق التقدم نحو تسوية. ويضيف: “حتى أمام حماس في غزة، تم وضع أسس لقواعد عمل يتم أحيانا خرقها، إلا أن الواقع الذي نشأ يخدم الادعاء الإسرائيلي بعدم وجود شريك في الطرف الآخر، وأن مصير الضفة سيكون مشابها لمصير القطاع إذا ما انسحبت منه إسرائيل”.

وأعد معهد أبحاث الأمن القومي دراسة بحثت وأجرت محاكاة للبدائل المختلفة التي يمكن اللجوء إليها وشملت الخيارات التالية:

أولا: دولتان لشعبين، ثانيا: دولة واحدة مع مساواة لكل مواطنيها، أو دولة واحدة بدون مساواة في الحقوق (الأبرتهايد) ثالثا: فيدرالية إسرائيلية فلسطينية، رابعا: كونفدرالية إسرائيلية فلسطينية، خامسا: كونفدرالية أردنية إسرائيلية، سادسا: دولتان في فضاء واحد مع حدود مفتوحة، سابعا: انفصال أحادي الجانب لإسرائيل من المناطق المأهولة بالفلسطينيين في الضفة (شبيه بالانفصال عن غزة) ثامنا: اتفاقيات انتقالية – ما يتم الاتفاق عليه ينفذ على مراحل مع تعريف محدد ودقيق للوضع المحدد، تاسعا: اتفاق إقليمي وحل متعدد الأطراف للصراع الثنائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عاشرا: إقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة عشية التوصل إلى تفاهمات على كافة القضايا النهائية (على أساس خريطة الطريق) حادي عشر: انهيار أو تفكك السلطة الفلسطينية، والانتقال إلى واقع الكانتونات الفلسطينية في الضفة الغربية، ثاني عشر: مواصلة إدارة الصراع وسياسة التأقلم مع متغيرات الوضع.

من بين هذه الخيارات جميعها، أظهرت الدراسة الإسرائيلية أن حل الدولتين هو الحل الأكثر استقرارا، وأنه يحقق أهداف إسرائيل العليا كـ”دولة يهودية ديمقراطية آمنة وأخلاقية” وأنه قادر على التصدي لمجمل التحديات والسيناريوهات المستقبلية، وهو ما يعني أن الإبقاء على الأمر الواقع هو بمثابة وهم، وزحف بطيء لواقع الدولة الواحدة خاصة مع مواصلة التوسع الاستيطاني في مناطق (ج) وعدم اكتمال العائق الأمني، والتداخل في الحركة والعمل والتنقل بين الطرفين.

أسس الرؤية الإسرائيلية

حسب هذه الرؤية الإسرائيلية يجب أن تستند الاستراتيجية المفترضة إلى الأسس التالية: الإعلان أن إسرائيل تسعى لخلق واقع فيه كيانان سياسيان منفصلان، تكون فيه إسرائيل وطنا قوميا لليهود، وفلسطين وطنا قوميا للفلسطينيين، يحققان فيه تطلعاتهما وحقوقهما، والأفضلية هي بالتوصل إلى هذا الحل عبر المفاوضات، وفي حال تعذر هذا، أن تسعى إسرائيل إلى الحل مع الإبقاء على الباب مفتوحا لعمل مشترك مستقبلا. كذلك التوصل إلى حل انتقالي بالتعاون مع السلطة الفلسطينية بهدف تعزيزها كونها الطرف القائد في الشارع الفلسطيني، على أن يكون هدف هذه الاتفاقيات الانتقالية هو الانفصال، وعلى قاعدة أنه بعد كل مرحلة يتم تطبيقها، يتم الانتقال إلى المرحلة التالية، بما يحدد معالم الدولة الفلسطينية، وأن يشمل تجميد الاستيطان خارج الجدار، ومحاربة “الإرهاب”، وحكما فعالا وبناء مؤسسات فاعلة وبنية تحتية اقتصادية، على أن يرهن أي تقدم بالتزام الطرفين بما يتفق عليه. كما تستند هذه الرؤية لخلق إطار إقليمي يعطي شرعية وغطاء لعملية الانفصال وللاتفاقيات الانتقالية على أساس علاقات السلام بين إسرائيل والدول العربية، وإبقاء المسؤولية الأمنية بيد إسرائيل مع حرية عمل في محاربة البنية التحتية لـ”الإرهاب” وبذل جهد لتعزيز التعاون الامني مع السلطة الفلسطينية. كما ترى أن الشرعية الدولية مهمة من أجل تجنيد الدعم في خلق واقع يفضي إلى حل الدولتين، مع أهمية أن يقوم المجتمع الدولي بإفهام الفلسطينيين أنه لن يفرض حلا على اسرائيل يستجيب لشروطهم وأن الأمر يتطلب موافقة الطرفين.

الخيارات التفاوضية
على ضوء التجارب السابقة يقترح ديكل عدة سيناريوهات تفاوضية: وضع هدف نهائي لا يرقى إلى حل القضايا النهائية بسبب الفجوة الكبيرة بين الطرفين، فـ”صراع إثني معقد بين شعبين على قطعة أرض واحدة لا يحل دفعة واحدة ويجب تجزئته إلى قضايا وفترات”، تهيئة إدارة للمفاوضات على أساس دائم مهمتها إعداد المواد واللقاءات وإجراء محاكاة وتهيئة الطواقم للتحديات التي تواجهها. وتقول أيضا إن طبيعة المفاوضات يجب أن تحدد للفلسطينيين خريطة القضايا التي سيتم نقاشها وإقامة لجان مهنية ووضع مهمات لها وطرق عمل مع حوار على مستوى المسؤولين من الأعلى للأسفل، وعلى مستوى المهنيين من أسفل إلى أعلى مع وضع جداول متابعة.

وترى الدراسة الإسرائيلية أن هدف المفاوضات هو الوصول إلى نقاط الالتقاء وتوسيعها والتوصل إلى تفاهمات بين الطرفين، ولضمان استمرار الجدية يجب التشديد على السرية وأن تكون متكافئة دون شعور بالفوقية والتفوق وإعطاء الفلسطينيين منصة للتعبير عن حقوقهم.









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي