واشنطن بوست: عام مضى على انفجار بيروت ووعود ماكرون لم تتحقق

2021-08-03

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا للمعلق إيشان ثارور حول انفجار بيروت في الذكرى السنوية الأولى على الكارثة، وقال إن مقامرة ماكرون اللبنانية عديمة الجدوى. فقد راقب العالم في العام الماضي الرعب بعدما مزق انفجار وحش جزءا من بيروت وتردد صداه في كل المدينة. وهشم الانفجار نوافذ وبيوت سكان بيروت بمن فيهم العاملون مع الصحيفة الأمريكية وخلف وراءه 200 قتيل وآلاف الجرحى وخسائر بقيمة خمس مليارات دولار.

وكان الانفجار في 4 آب/أغسطس واحدا من أكبر الانفجارات غير النووية الضخمة التي تمر على العالم منذ سنين، ونتج عن أطنان من نترات الأمونيوم التي تركت لمدة طويلة في ميناء بيروت، وكان تعبيرا عن سلسلة الأزمات والمصائب التي يعاني منها هذا البلد الصغير، أزمة اللاجئين إلى الحكم المخزي والفوضى المالية والاقتصاد المنهار.

وكان لبنان دائما على شفير الهاوية، لكنه في يوم مشمس من العام الماضي غطته سحابة حمراء ضخمة بدت من الشاطئ وبدا وكأنه ينزلق نحوها. وسارع رجل واحد للمساعدة، فقد وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان الذي خضع للسيطرة الفرنسية، بعد يومين من الانفجار. وقوبل بترحاب صاخب من السكان الغاضبين على النخبة السياسية التي أدى فسادها وإهمالها الواضح إلى الكارثة. وفي الزيارة الثانية قرر ماكرون الذهاب إلى فيروز، الفنانة المعروفة التي تعتبر رمزا موحدا للبنانيين أكثر من فصائلهم المتشاحنة. وقال الرئيس الفرنسي لمحطة تلفزيونية محلية عن فيروز “إنها تمثل قصص الحب التي حلم بها لبنان وأحبها”، وقدم لها وسام الشرف، وهو أعلى تكريم في النظام الفرنسي. ووعد ماكرون بالمساعدة وتقديم الدعم في تحقيق الإصلاحات الإقتصادية والسياسية المطلوبة. وزرع شجرة أرز الرمز الوطني للبنان ووعد بولادة جديدة. وفي مقابلة مع مجلة “بوليتكو” أعاد الرئيس الفرنسي صياغة مقولة للمفكر الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي “الجديد يجد صعوبة في الظهور والماضي يحاول البقاء” و”علينا البحث عن طرق للخروج، وهو ما أقوم به”.

لكن ماكرون، الذي نصب نفسه كقابلة، لم يكن لديه الكثير ليقدمه. فالسخرية رافقت مقامرته منذ البداية. وسخر المراقبون الفرنسيون بالقول إن ماكرون أكثر شعبية في بيروت منه في باريس التي سيواجه فيها امتحانا قاسيا للحفاظ على السلطة في العام المقبل.

وكانت محدودية تأثيره واضحة عندما فشلت النخبة السياسية بتشكيل حكومة جديدة في الموعد الذي حدده في أيلول/سبتمبر. وتم تكليف الملياردير نجيب ميقاتي، بتشكيل حكوة جديدة بعد أشهر من محاولات فاشلة لسعد الحريري، رئيس الوزراء الأسبق.

وعبر ماكرون عن خيبة أمله بالنخبة السياسية اللبنانية التي قام أفرادها بتقديم المصالح الشخصية الضيقة على المصلحة العامة. وركز في غضبه على حزب الله الذي تدعمه إيران المتحالف مع التيار الوطني الحر بزعامة الرئيس ميشيل عون. لكن ماكرون لا نفوذ كبير لديه على هؤلاء وفي المرحلة الأخيرة فرض عقوبات خفيفة على عدد من الساسة المرتبطين بالفساد. وفي مقابلة مع صحيفة “فايننشال تايمز” قال سمير جعجع، زعيم القوات اللبنانية: “ماكرون، أجاب بـ 1001 شيء ولم أستطع الحصول على أي شيء ملموس منه” و”كل ما كان يريده ماكرون هو أن يكون جيدا مع الجميع حتى يتوصل إلى اتفاق”، وبعد أشهر عبر ماكرون عن حس التسليم “لا نزال مهتمين في لبنان لكنني لا أستطيع استبدال من يسيطرون على النظام بكل عيوبه وخلله” و”أمل أن يعود حس المسؤولية المفقود منذ عدة أشهر. ويستحقه الناس”، لكن ماكرون قام بعقد مؤتمر آخر لتمويل لبنان المثقل بالدين.

وأدى الانفجار لردة فعل اجتماعية واحتجاجات في البلد. وحاولت منظمات المجتمع المدني وغير الربحية القيام بدور الحكومة الفاشلة، والمطالبة بنفس الوقت بإحداث تغييرات واسعة للنظام الناجم عن المحاصصة الطائفية والعرقية. ويرى بعض المحللين أن دخول ماكرون الحلبة السياسية اللبنانية منح الطبقة السياسية الغطاء. وقال نزار غانم المؤسس المشارك في “تراينغل كونسالتينغ” لمجلة “فورين بوليسي” “منح التدخل الفرنسي الوقت للنخبة السياسية للقضاء على الزخم الذي نتج عن الإحتجاجات على التفجير”. و”الآن، يعاني الناس ويريد الفرنسيون المساعدة ولهذا سيرمون المال على المشاكل التي تنقذ بعض الساسة ونحن في الدوامة”. وبعد عام على الحادث فلبنان في أسوأ حالاته و”تسارع انهيار البلد” وفقدت العملية اللبنانية 90% من قيمتها أمام الدولار مما أدى لإفقار الملايين. وأصبح الطعام الدواء نادرا ولم يعد لدى لبنان الوقود بشكل شل حركة النقل وحتى الأثرياء الذين لديهم القدرة على شراء المولدات لا يستطيعون تشغيلها. وفي الوقت نفسه راقب الكثير من اللبنانيين اموال التوفير التي وضعوها في البنوك للمستقبل تتبخر أمام ناظريهم. وهاجر ألاف من السكان من بلدهم في خروج كبير، ومن بقي عليهم مواجهة نقص الطعام والدواء والكهرباء. وبحسب “سيف ذا تشلدرن” فهناك مليون شخص في بيروت، أي نسبة 15% لا يستطيعون الحصول على المواد الأساسية- الطعام والماء ومواد النظافة. وفي حزيران/يونيو أعلن البنك الدولي لبنان بأنه واحد من أسوأ الأزمات المالية والإقتصادية التي مرت على العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. وحذر من أن “استمرار الشلل السياسي وغياب السلطة التنفيذية الفاعلة” ستؤدي إلى تقويض السلام الإجتماعي “الهش أصلا”.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي