بعد سنوات من التوتر.. ما الذي يدفع السعودية وسلطنة عُمان للتقارب الآن؟

2021-07-31

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والسلطان العماني هيثم بن طارق

شهد النصف الأول من عام 2021 سعي القيادة السعودية لتحسين العلاقات مع عدة دول في الشرق الأوسط. ولأسباب جيوسياسية وأمنية واقتصادية مختلفة، اختار السعوديون إشراك الإيرانيين في محادثات في بغداد، ومتابعة التقارب مع قطر، وتهدئة الاضطرابات الساخنة مع تركيا، والتواصل بحذر مع النظام السوري.

وفي السياق ذاته، تتخذ المملكة العربية السعودية خطوات لتحسين علاقاتها مع سلطنة عُمان المجاورة؛ الزميلة في مجلس التعاون الخليجي، والتي عانت في علاقتها مع السعودية أيضاً في السنوات الأخيرة. وتتعلق التوترات التي تراكمت بين السعودية وسلطنة عُمان بعلاقة العمل بين مسقط وإيران، والسلوك السعودي في أجزاء من اليمن (وبالأخص في محافظة المهرة الواقعة على طول الحدود اليمنية العُمانية)، والمخاوف العمانية في أواخر عهد السلطان قابوس من أنَّ الرياض ستتدخل في عملية الخلافة في السلطنة، من بين قضايا أخرى.

ما الأسباب التي تدفع السعودية لإعادة التقارب مع سلطنة عُمان في هذا التوقيت؟

كانت الزيارة التي أجراها السلطان هيثم بن طارق مؤخراً إلى السعودية مهمة للعلاقة الثنائية وستعمل على تعزيز العلاقات بين النظاميّن الملكيين في حقبة ما بعد قابوس، كما يقول تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي. وفي 11 يوليو/تموز، وصل رئيس بن طارق إلى مشروع مدينة نيوم على ساحل البحر الأحمر في المملكة، في أول رحلة يجريها السلطان هيثم إلى دولة أجنبية منذ توليه السلطة في يناير/كانون الثاني 2020.

ويقول الموقع الأمريكي إنه بالنسبة للمملكة، يجب النظر إلى تحسين العلاقات مع سلطنة عمان في سياق الصدام المتزايد الذي تشهده الشراكة السعودية الإماراتية، والذي حظي باهتمام كبير في وسائل الإعلام العالمية بعد مواجهة بين الرياض و"أوبك" في وقت سابق من هذا الشهر. وتظل العديد من الأسئلة حول العلاقة السعودية الإماراتية دون إجابة. وبالتالي، ترى الرياض أنَّ العلاقات المُحسّنة مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى -لا سيما عُمان وقطر- تبشر بالخير للمصالح السعودية، في ظل البرود الذي تسلَّل إلى شراكتها مع الإمارات.

1- الحرب في اليمن

إنَّ الصراع في اليمن، الذي تريد السعودية بشدة إخماده، هو مفتاح رغبة الرياض في تعزيز العلاقات مع مسقط وتجاوز الاحتكاكات التي حدثت في السنوات السابقة. وناقش السلطان هيثم مع القيادة السعودية الحرب في اليمن خلال زيارته. بالإضافة إلى ذلك، في 9 يونيو/حزيران، زار كبير الدبلوماسيين في مسقط بدر بن حمد البوسعيدي العاصمة السعودية، حيث ناقش هو ونظيره السعودي اليمن وقضايا إقليمية أخرى. وبعد أسبوع، استأنف وزيرا الخارجية مناقشتهما على هامش اجتماع الدورة الـ148 للمجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج.

ومع استمرار الحوثيين في قصف السعودية بأسلحة تزداد تطوراً تقنياً؛ ما يشكل تهديداً خطيراً لأمن المملكة واقتصادها، ترى الرياض أنَّ مسقط جسر دبلوماسي مفيد وصولاً إلى الحوثيين. وبالرغم من أنَّ المرحلة المبكرة من هذا الصراع شهدت انزعاج السعودية والدول العربية الأخرى في التحالف المناهض للحوثيين من حياد عمان في اليمن، ترى الرياض الآن أنَّ طريق السلام في اليمن يمر عبر مسقط. ومع أنَّ مسقط لا تستطيع حل حرب اليمن بسرعة أو بطريقة سحرية بمفردها، إلا أنها أثبتت أنها الدولة الخليجية الوحيدة القادرة على الاضطلاع بدور جسر مثمر بين الحوثيين وإيران من جهة، ودول مجلس التعاون الخليجي والدول الغربية من جهة أخرى.

وبحسب الموقع الأمريكي فإنه من المؤكد أنَّ سبب تصرف العمانيين بصفتهم محاورين بين الرياض والحوثيين لا يقتصر على رغبتهم في مساعدة السعودية على الخروج من هذا المستنقع بشعور من "الأمن والكرامة". إذ يشكل استمرار الأزمة اليمنية أخطر تهديداً للأمن القومي العماني أيضاً، لا سيما بالنظر إلى الوضع المعقد الذي يتجلى منذ سنوات في محافظة المهرة. لذلك، فإنَّ التوصل إلى تسوية سياسية في اليمن يمكنها أن تُفرِز تفاهماً عمانياً سعودياً جديداً تجاه شرق اليمن يبشر بالخير لمصالح مسقط في رؤية انتهاء الصراعات المتعددة والمتقاطعة في اليمن. وعلى حد تعبير مارك فاليري من جامعة إكستر، "تخدم السياسة الخارجية العمانية في الأساس الاستقرار السياسي العماني، الذي بدوره يحتاج إلى الاستقرار الإقليمي".

2- الأزمة الاقتصادية الصعبة في سلطنة عُمان

تسهم التحديات الاقتصادية التي تواجه عمان في ترسيخ علاقة أفضل بين مسقط والرياض. ويمر اقتصاد السلطنة بمأزق خطير نتيجة ضربة مزدوجة من أزمة "كوفيد-19" وانخفاض أسعار النفط.

تصارع عمان مع معدل عالٍ من الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، الذي قفز من 15% في عام 2014 إلى 80% في عام 2020. وقد أدرك المسؤولون في مسقط منذ فترة طويلة أنَّ بطالة الشباب هي أخطر تحدٍّ داخلي طويل الأجل للبلاد. واليوم، يستقر هذا الرقم فوق 10%. ومن المفهوم أنَّ العديد من الشباب العماني متشائمون بشأن مستقبلهم الاقتصادي، وهو ما أبرزته الاحتجاجات في ولايات عبري ونزوى وصلالة وصحار وصور والرستاق في مايو/أيار. وعلى خلفية تطبيق ضريبة القيمة المضافة -أحد العوامل الرئيسية وراء اندلاع الاحتجاجات- قد يتعرض العقد الاجتماعي في السلطنة لضغوط في الأشهر والسنوات المقبلة.

ومن ثم، فإنَّ اللجوء إلى أكبر اقتصاد في دول مجلس التعاون الخليجي للحصول على مساعدات مالية واستثمارات أكبر يمكنه مساعدة سلطنة عمان في مواجهة تحدياتها الاقتصادية. من جانبها، لا تريد الرياض أن ترى عدم استقرار في عمان أو أية دولة خليجية أخرى؛ وبالتالي، لديها أسبابها الخاصة لمساعدة السلطنة وسط هذه الفترة الاقتصادية الصعبة، واكتسابها إلى صفها.

3- فرص لجذب المزيد من الاستثمارات

على الرغم من أنَّ السعودية وعمان نوعان مختلفان للغاية من الأنظمة الملكية العربية، لكن يواجه البلدان العديد من المشكلات ذاتها من حيث تحقيق التنويع الاقتصادي قبل نفاد مخزون النفط. ومع امتلاكهما اقتصاداً لا يزال يعتمد اعتماداً كبيراً على الموارد الهيدروكربونية، تدرك القيادة في كل من الرياض ومسقط كيف أنَّ بناء قطاعات خاصة نشطة واقتصادات قائمة على المعرفة أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي.

ونظراً لأن العمانيين يؤمنون منذ فترة طويلة بفكرة وجود مجلس التعاون الخليجي قوي قادر على تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي، يرحب المسؤولون في مسقط بالفرص المتاحة لجذب المزيد من الاستثمارات من السعودية وتعزيز التجارة الثنائية.

ومن شأن التكامل الاقتصادي الأفضل مع السعودية، مساعدة سلطنة عُمان على الاستفادة من موقعها الجغرافي في الركن الجنوبي الشرقي لشبه الجزيرة العربية عندما يتعلق الأمر بتنمية قطاعات الخدمات اللوجستية والموانئ والبنية التحتية في السلطنة في وقت تشتد فيه حاجة عمان إلى تخفيف مشكلاتها الاقتصادية.

من جهته يقول أيهم كامل، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في Eurasia Group لاستشارات المخاطر السياسية، في تصريح سابق لوكالة Bloomberg  الأمريكية: "كان هناك الكثير من العمل وراء الكواليس لمحاولة بناء أساس لشيء أكثر أهمية بين السعوديين والعمانيين. ويُنظَر إلى السلطان هيثم في الرياض على أنه أقرب إلى السعودية فيما يتعلق بشؤون الخليج".

ويضيف كامل: "الأمر يبدو كما لو أنه جاء ولي عهد جديد بفكر مختلف نحو الشؤون الإقليمية. إنه مهتم أكثر ببناء علاقة متعددة الأوجه تتمحور حول دول مجلس التعاون الخليجي، وليس كالسابق حيث تم الاعتماد على حليف واحد، وهو الإمارات العربية المتحدة، بل يتبنى هذا النهج الجديد أيضاً شبكة أوسع بكثير من التحالفات".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي