"ذراع تنفيذي" أم أعراف جديدة؟

ما خلفيات جلسات المجلس الأعلى للدفاع بالقصر الجمهوري اللبناني؟

2021-07-24

جنى الدهيبي

منذ استقالة حكومة حسان دياب قبل نحو عام؛ دأب رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون على دعوة المجلس الأعلى للدفاع للانعقاد برئاسته في القصر الجمهوري بحضور دياب ووزراء ومسؤولين وقادة أمنيين. وينتهي كل مرة بقرارات يبقى بعضها سريا، كما جاء ببيان اجتماعه الأخير قبل أسبوع.

وأثارت هذه الجلسات التباينات حول أسبابها وأهدافها، وقرأها محللون في سياق سعي رئيس البلاد لتعزيز دور مجلس الدفاع كسلطة إجرائية تنوب عن حكومة تصريف الأعمال، ورأى آخرون أنه يدفع نحو نظام رئاسي، ولو بطريقة غير مباشرة.

لذا، تطرأ الاستفسارات حول الصلاحيات المناطة بالمجلس الأعلى للدفاع، وظروف انعقاده، وإن كانت تحمل أبعادا سياسية مع استمرار الاستعصاء بالملف الحكومي.

الهيكلية الدستورية

استنادا إلى قانون الدفاع الوطني الصادر عام 1983، يتألف المجلس الأعلى للدفاع من رئيس الجمهورية (رئيس المجلس)، ونائبه رئيس الحكومة، ويتشكل بعضوية وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والمالية والاقتصاد. ويرأس أمانته العامة ضابط عام مجاز بالأركان من الجيش، بمرسوم حكومي بناء على اقتراح رئيسها ووزير الدفاع، وفقا للباحث والخبير الدستوري بول مرقص.

وترتبط صلاحيات المجلس بالحالات التي تشكل خطرا على السلامة العامة؛ فإذا تعرضت أراضي الدولة أو أحد قطاعاتها أو مجموعة من سكانها للخطر؛ يمكن للمجلس أن يعلن حالة التأهب الكلي أو الجزئي. كما يمكنه إعلان حالة التعبئة العامة لتنفيذ كل أو بعض الخطط المقررة، على أن تكون جميعها بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء.

ويوضح مرقص أن مقررات المجلس يمكن أن تبقى سرية. ويولي المجلس أهمية خاصة للتعبئة الدفاعية التي تتناول القضايا الأساسية؛ كالخدمة العسكرية، والتعبئة التربوية، وتعبئة النشاط الاقتصادي بفروعه الزراعية والصناعية والمالية والتجارية، وتعبئة النشاط الصحي، وتعبئة عامة للدولة والمواطنين وخاصة الدفاع المدني، وتعبئة نشاطات الإرشاد والتوعية.

ووفقا لقانونه أيضا، يُدعى المجلس الأعلى للدفاع للاجتماع من قبل رئيسه أو بطلب ثلث أعضائه على الأقل. كما يحق لرئيس الجمهورية استدعاء من يشاء ممن تقضي طبيعة أعمال المجلس حضورهم.

ومع ذلك، يؤكد مرقص أن هذا المجلس لا يمكن أن ينوب عن الحكومة. ويحدد القانون -بوضوح- نطاق عمله، لأنه يقرر الإجراءات اللازمة لتنفيذ السياسة الدفاعية كما تحددها الحكومة فقط.

موقف الرئاسة

وطرحت دعوات الرئيس عون لعقد جلسات مجلس الدفاع تساؤلات حول دستوريتها. غير أنّ مصدرا مقربا من رئيس الجمهورية، قال، إن جلساته "تأتي نتيجة عدم قيام حكومة تصريف الأعمال بكامل واجباتها الدستورية، وفي طليعتها رفض عقد جلسة حكومية لإقرار موازنة 2021".

ووجد عون نفسه مضطرا -حسب المصدر- لدعوة مجلس الدفاع للانعقاد بالقصر الجمهوري، على خلفية أزمات تهدد السلم الأهلي، من دون البحث بملفات كبرى غير طارئة.

وقال المصدر إن الرئيس عون "يقوم بواجباته تجاه اللبنانيين، بسبب ضعف حكومة تصريف الأعمال التي تقوم بالإنفاق عبر سلف من مصرف لبنان المركزي، ومن خارج الموازنة التي كان من المفترض أن تنعقد استثنائيا لإقرارها. وهذه مخالفة دستورية".

ويرفض المصدر اتهام رئيس الجمهورية بالعمل وفق نظام رئاسي عبر مجلس الدفاع، مذكرا أن جلساته عالجت ملفات طارئة، كتهريب أطنان من حبوب "الكبتاغون" المخدّرة إلى السعودية، وقضايا أخرى تتعلق بشحّ المحروقات والدواء، وجميعها تهدد السلم الأهلي.

تباينات وشكوك

بالموازاة، يلفت الكاتب والمحلل السياسي حسين أيوب أن اتفاق الطائف (1989)، نقل مفهوم السلطة التنفيذية من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة مجتمعة.

ورغم أن رئيس الجمهورية يحق له -لدى ترؤّس الحكومة- أن يشارك بوضع جدول أعمالها وحتى تغييره من دون التصويت؛ فإنه وفي جلسات مجلس الدفاع، ولأنه رئيسه الفعلي، يحدد جدول أعماله، ويملك حق التصويت فيه، وفق أيوب. معتبرا أن غياب حكومة فاعلة "وضع لبنان أمام سلطة سياسية تنفيذية موازية لسلطة الحكومة وصلاحياتها".

ويعتقد أيوب أن جلسات مجلس الدفاع وضعت البلاد أمام أعراف مختلفة عن التي أرساها اتفاق الطائف. ورأى أن صيغة الحكم الحالية، تبدو نموذجية لرئيس الجمهورية وفريقه، لأنها تعطيه هامشا أوسع من السلطة وممارسة الحكم بلا حكومة.

وبرأي جوزيف باحوط -مدير مركز عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية ببيروت- لا مبرر لانعقاد هيئة من أي نوع للقيام بمهام الحكومة "التي هي وحدها -دستوريا- مضطلعة بالسياسة التنفيذية، وتأخذ ثقة البرلمان، ولا شيء يحل مكانها، ولو بظروف تصريف الأعمال".

ويشير باحوط إلى أن رئيس الجمهورية يستدعي رئيس الحكومة، فيلبيه انفراديا، كما يستدعي بعض الوزراء ويلبون انفراديا، "مما يعني ألا شيء يمنع جمعهم استثنائيا، وإن بطريقة غير رسمية لحثّهم على تصريف الأعمال بشكل منتظم".

ويرى باحوط أن جلسات مجلس الدفاع، كرّست إدارة الدولة بانفراد شبه تام، مذكرا بتاريخ عون السياسي في الثمانينيات، حين كان رئيس حكومة انتقالية بالفراغ الرئاسي بعد انتهاء عهد الرئيس السابق أمين الجميل، وكانت الحكومة حينها مؤلفة من المجلس العسكري و6 وزراء وميشال عون رئيسا.

ويعتبر باحوط أن دعوات عون لاجتماع مجلس الدفاع تسعى لأخذ النظام اللبناني إلى نوع من "النظام الرئاسي"، بدل بقاء السلطة التنفيذية بيد الحكومة مجتمعة.

مسؤولية دياب

ويتفق جوزيف باحوط مع حسين أيوب بتحميل حسان دياب مسؤولية عدم قيام حكومة تصريف الأعمال بواجباتها كاملة.

ويعتبر أيوب أن ممارسة عون لا تعفي دياب من تحمل مسؤوليته بخلق سلطة رديفة عبر المجلس الأعلى للدفاع، و"لو بادر إلى تصريف الأعمال، بشكل أفضل، لما شهد لبنان تجاوزا لحدّ السلطات التي أرساها الطائف".

وبالتوازي، يرى باحوط أن دياب انكفأ عن ممارسة صلاحياته لكونه بلا سند سياسي، بل وجد نفسه واقعا تحت نيران مختلفة، وفي طليعتها الضغط الذي يمارسه نادي رؤساء الحكومات السابقين.

ويقول باحوط إن "الرياضة الشهيرة لهذا النادي -قبل استقالة دياب- كانت تصويب النيران على حكومته. أما حين استُدعي من قبل المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، سارعوا للالتفاف حوله، حماية لأنفسهم ولموقع رئاسة الحكومة وما يمثله طائفيا وسياسيا وليس دستوريا".

أين الحكومة؟

وبانتظار الاستشارات البرلمانية بالقصر الجمهوري، الاثنين 26 يوليو/تموز 2021، لتكليف رئيس جديد يخلف سعد الحريري بعد اعتذاره عن تشكيل الحكومة، ومع ارتفاع حظوظ الرئيس السابق نجيب ميقاتي بالتكليف؛ يعتبر جوزيف باحوط أن تشكيل الحكومة رهن ميزان القوة بين رئيس الجمهورية والكتل البرلمانية.

وإذا كُلف ميقاتي -وفق باحوط- يبدو أن الضمانات لعدم تكرار السيناريو الذي ساق لاعتذار الحريري غير متوفرة؛ لذا، يقول باحوط إن التذرع بحاجة البلاد لـ"ذراع تنفيذي" ستتصاعد، "لكن مجلس الدفاع لا يستطيع أن يكون ذراعا تنفيذيا، لأنه لم ينل شرعيته من البرلمان".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي