دراسة إسرائيلية: هكذا تلاشى اليسار الصهيوني لصالح اليمين والمستوطنين

القدس العربي
2021-07-20

الناصرة - يقول “مولاد” إن تصويت حزبي “العمل” و”ميرتس” اليساريين الصهيونيين مع قانون منع لم شمل العائلات الفلسطينية يرمز للثمن الباهظ وحجم التنازلات السياسية والأخلاقية التي يمكن لليسار الصهيوني تقديمها لصالح اليمين، في سبيل الإبقاء على حكومة بينيت لأطول فترة ممكنة.

ويعتبر مولاد أن تصويت ميرتس وجزء من القائمة العربية الموحدة وحزب العمل لصالح القانون العنصري، أظهر إلى أي حد يمكن لهذه الأحزاب أن تتجرد من هويتها السياسية، وأن تتنصل من رسالتها الأخلاقية، وأن “تتخلى عن قدسية الحياة، أمام قدسية الحكومة”. ولذا اتهمت الكاتبة كيرن هدار في صحيفة “هآرتس” كتلة ميرتس بأنها “خضعت للفاشية باسم البراغماتية”، واعتذرت من الإسرائيليين لأنها سبق وطلبت منهم التصويت لها في الانتخابات الأخيرة.

ويؤكد معهد الأبحاث أن مثال التصويت على “قانون المواطنة” يجسد الحالة التي وصل إليها اليسار في إسرائيل، وتلاشي قدرته على التأثير، بل وتماهيه مع برنامج وخطاب اليمين الصهيوني وتخليه طوعا عن خطابه في شقيه الاجتماعي الاقتصادي والأمني السياسي. هذه الحالة من التماهي بين اليمين واليسار في إسرائيل رصدها مركز “مولاد لتجديد الديمقراطية في إسرائيل”، في دراسة مطولة وشاملة تحت عنوان “السلام الآن، السلام لاحقا، لا سلام أبدا” ترجمها للعربية مركز “مدار” رصد فيها مسيرة تخلي اليسار الإسرائيلي عن خطابه ومشروعه، فاعتبر أن هذا هو السبب الرئيس لهيمنة خطاب اليمين ومشروعه، ونشوء وضع تسود فيه “أحادية أيديولوجية” ربما تم التعبير عنها في تحول التنافس في الانتخابات إلى صراع حول شخص بنيامين نتنياهو وليس حول الخطاب الذي يجسده.

بين رابين وغانتس
يرى المعهد الإسرائيلي أن الفرق بين خطاب إسحق رابين غداة انتخابه لرئاسة الحكومة في 1992 وما بين خطاب بيني غانتس أثناء تزعمه لتجمع أحزاب المركز واليسار وحزب أزرق أبيض، يلخص المسيرة الهابطة لخطاب ومشروع اليسار في إسرائيل. ويقول إنها وصلت إلى تبني خطاب اليمين الشعبوي الفاشي والتماهي معه، فبينما كان رابين يشدد على أن الخلافات مع الليكود ومعسكر اليمين أساسها أيديولوجي سياسي يتمحور حول مقاربات الأمن والسلام، كان غانتس وبشكل اعتذاري، يشدد على “وحدة المصير وأنه لا فرق بين يمين ويسار في القضايا الوطنية” وأن المنافسة هي بالأساس ضد نتنياهو الشخص.

هذه الخطابات، وفق الدراسة، تلخص عشرين عاما من انسحاب اليسار وتراجعه عن برنامجه (الأمن والسلام) والوصول إلى “تبني خطاب اليمين” الذي يسعى إلى “إفراغ المؤسسات الديمقراطية من مضمونها وتقسيم الإسرائيليين إلى إسرائيليين حقيقيين في اليمين، وإسرائيليين غير حقيقيين، أو إسرائيليين بشكل غير كاف في اليسار”، في ترجمة فعلية لخطاب فاشي شعبوي سلم به غانتس كما هو “رغم أن أغلب المصوتين له ما زالوا يؤمنون بحل الدولتين”، كما تقول الدراسة.

الأحادية الأيديولوجية
يصف البحث الوضع الذي وصلت إليه إسرائيل ومن قبلها الولايات المتحدة وأوروبا والذي تلاشى فيه المشروع الآخر، وهيمن خطاب واحد هو خطاب اليمين الشعبوي، بـ(الأحادية الأيديولوجية)، وهي حالة تنتج فيها منظومة انتخابية يصبح فيها اللاعبان الرئيسان متشابهين جدا، وقراءتهما للواقع أحادية ومتماهية، يشتق منها برنامج سياسي متطابق لمعالجة هذا الواقع وتحكمها منظومة قيم ومواقف أخلاقية تستخدم ذات اللغة لتبرير سياساتها.

أما مصير القضايا الكبرى والتي يفترض أن تكون هي القضايا المعيارية للفصل قيميا وسياسيا وأخلاقيا بين المعسكرين، فتهمش من الحقل العام بسبب غياب النقاش الحقيقي والتنافس والتصارع حولها على شكل برامج وخطاب، وهو ما يقود إلى تحول السياسات والقضايا العامة إلى مجموعة مسلمات وحقائق مطلقة لا تخضع للجدل وخارجة عن نطاق مقدرة البشر على التأثير فيها.

ثلاثية التلاشي
يقسم البحث عملية الانتقال من معسكر اليسار في إسرائيل المتميز بخطابه ومشروعه وخاصة في قضايا الأمن والسلام وصولا إلى حالة التماهي مع خطاب اليمين إلى ثلاث مراحل: السلام الآن 1992-2000: يشدد البحث على أن جميع الاتفاقيات السياسية (البحث لا يستخدم كلمة سلام) التي وقعتها إسرائيل مع الدول العربية من مصر ومنظمة التحرير والأردن كانت في نظر القادة الإسرائيليين مجرد أدوات لحماية أمن إسرائيل، لا استجابة لواجب أخلاقي والنظر للسلام كقيمة بحد ذاتها، وهذا يشكل “فارقا بعيدا بسنوات ضوئية عن أمنيات السلام لدى أقلية منفصلة عن الواقع”.

وبرأيه هذه النظرة جسدها رابين وهي تقوم على ثلاثة أسس “الاتفاقيات السياسية هي الطريقة الفضلى لتقليل الخطر الأمني على المدى البعيد، وهي استثمار غير مكلف، ومن أجل الحصول على أكبر فائدة سياسية وأمنية على إسرائيل أن تسعى لعقد اتفاقيات مع كل جيرانها”. ويقول “مولاد” إن المستوطنات المعزولة “التي وصفها رابين بأنها سرطان في جسم الديمقراطية الإسرائيلية” لا فائدة ترجى منها بل قد تشكل خطرا على الأمن.

السلام لاحقا 2000-2009: وبرأي مولاد فإن الانتقال من سياسة ثابتة أو نظرية ما إلى أخرى يحدث عادة في ظل أزمة كبيرة، خاصة عندما تفقد هذه النظرية قدرتها على تفسير الواقع والتنبؤ بالأحداث القادمة أو تغيير الواقع، لتصبح هذه النظرية شيئا فشيئا غير ذات صلة ولا تعود مجدية أو قابلة للاستخدام، منوها أن قمة كامب ديفيد الثانية التي عقدها رئيس الولايات المتحدة بيل كلينتون بهدف الوصول إلى اتفاق سلام دائم ينهي الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين فشلت وشكلت نقطة التحول الأهم للانتقال إلى مرحلة “السلام لاحقا”.

السلام لاحقا
ويوضح “مولاد” أن “السلام لاحقا” تعترف ضمنا بخطر استمرار الاحتلال العسكري للأراضي المحتلة على يهودية الدولة وطابعها اليهودي وضمان أغلبية يهودية فيها، وضرورة الانفصال عن الفلسطينيين إلى “داخل حدود الخط الأخضر”، ولكن ولأن هناك “طرفا واحدا جاهزا للسلام” فالحل يكمن في اتخاذ خطوات أحادية “في الظروف الراهنة” إلى أن “ينضج الفلسطينيون”.

لا سلام أبدا منذ 2009
وحسب مولاد فإنه في المرحلة الثالثة تلقى اليمين الديني في إسرائيل ضربة موجعة، عندما فشل في إيقاف مشروع أريئيل شارون في الانفصال عن قطاع غزة وإخلاء المستوطنات المقامة هناك، ونتيجة لذلك، وبهدف منع خطة انفصال أخرى، توصل إلى استنتاج بأن الإمساك بالحكم من قبل حزب ينتمي إلى معسكر اليمين لا يكفي، بل يجب تغيير وجه المجتمع الإسرائيلي وتصفية نظرية “أن الأمن مرهون بإنهاء المشروع الاستيطاني في الأرض المحتلة”، لذا بالغوا في الحديث عن التداعيات الأمنية السلبية التي نتجت عن خطة الانفصال، وتجاهلوا الفوائد التي ترتبت عليها.

ويقول إن جولات القتال المتكررة بين المقاومة في غزة وجيش الاحتلال خلال العقد الأخير، جعلت اليمين يعتبرها الصورة المصغرة التي تجسد فكرة أن أي قطعة أرض سيتم إخلاؤها ستتحول إلى قاعدة لإطلاق الصواريخ على إسرائيل، وبالتالي دحض نظرية حزب العمل التاريخية حول لا جدوى الاستيطان في المساهمة في أمن إسرائيل، والتشديد بدلا عنها على الأهمية المتزايدة أمنيا للمستوطنات”.

طبقا لمولاد أيضا فقد ربط اليمين الإسرائيلي الانسحاب من غزة في وعي الإسرائيليين بحزب العمل، رغم أن شارون (الليكود) هو صاحب الفكرة ومنفذها. كما أن هذا اليمين اعتبر أن القوة وحدها هي السبيل الوحيد للرد على الصواريخ، وأصبح كل من ينادي بأي خيار آخر (حل سياسي) غير وطني بما يكفي ولا يحظى بالشرعية.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي