كارنيجي: حزب الله المستفيد الأول سواء استمر النظام السياسي اللبناني أو انهار

مايكل يونج | مركز كارنيجي الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد
2021-06-20

أكدت عملية تشكيل الحكومة في لبنان مجددًا على قدرة "حزب الله" على اللعب بشكل مزدوج منذ الانتفاضة الشعبية القصيرة في لبنان في أكتوبر/تشرين الأول 2019، حيث تمكن الحزب آنذاك من التلاعب بالأحداث لكي يضمن أن تصب جميع السيناريوهات في مصلحته، وها قد تمكن من فعل ذلك مجددًا الآن.

ففي أكتوبر/تشرين الأول 2019، حشد الأمين العام للحزب "حسن نصرالله"، إلى جانب حليفه الطائفي "نبيه بري"، لتحييد احتجاجات الشوارع وحماية حكومة "سعد الحريري"، حيث كانت تلك طريقتهم للحفاظ على التوازن القائم الذي يحافظ على الطبقة السياسية والنظام السياسي الذي مكّن "حزب الله" من ترسيخ هيمنته المحلية.

لكن هذه الخطة تعرضت لانتكاسة لحظية عندما استقال "الحريري"، في مفاجأة لـ"حزب الله"، مما منح انتصارًا عابرًا للحراك الشعبي.

ولملء الفراغ، جلبت الطبقة السياسية حكومة "حسان دياب" منزوعة القوى. وفي غضون أسابيع، قام السياسيون وحلفاؤهم بتقويض البرنامج الاقتصادي للحكومة والذي سعى إلى وضع عبء الخسائر المالية في لبنان على القطاع المصرفي، وبالتالي على السياسيين من ذوي المصالح المصرفية.

وكان "حزب الله" يراقب كل هذا برباطة جأش، لأنه لو نجحت حكومة "دياب" فستعمل على استقرار البلد الذي يهيمن الحزب عليه، أما إذا فشلت الحكومة فسيؤدي ذلك إلى مزيد من التدمير للنظام السياسي الذي طالما رحب "حزب الله" بزواله.

ترحيب بانهيار النظام السياسي

كان "نصرالله" قد صرح في مقابلة مع جريدة "الخليج" الإماراتية في مارس/آذار 1986: "لا نؤمن بأمة تبلغ مساحة أراضيها 10.452 كيلومتر مربع في لبنان؛ وإنما يستشرف مشروعنا لبنان كجزء من خريطة سياسية لعالم إسلامي تتوقف فيه خصوصيات الدول، ولكن يتم فيه ضمان الحقوق والحريات وكرامة الأقليات".

قد يجادل البعض بأن موقف "نصرالله" قد تغير منذ ذلك الوقت، ولكن هل أظهر زعيم "حزب الله" مرة اعتقاده بشرعية النظام التوافقي الطائفي في لبنان؟ وهل توانى في أي لحظة عن السعي لتحويل البلاد إلى منصة في سياق مشروع توسعي لإيران، وهو مشروع يرى لبنان كجزء من خريطة سياسية لعالم إسلامي تهيمن عليه طهران؟

وبالتالي، يشير كل ما نراه اليوم إلى أن "حزب الله" سيرحب بتفكك النظام السياسي اللبناني.

وربما يقدم ذلك تفسيرا لموقف الحزب الغامض تجاه الاتفاق بشأن الحكومة، فرغم أن "حزب الله" لم يبدُ معارضًا للحكومة، ودعم مبادرة رئيس البرلمان "نبيه بري" في هذا الصدد، إلا إنه لم يفعل شيئا لضمان نتيجة ناجحة.

وجادل البعض بأن الحزب غير راغب في الإضرار بعلاقته مع "ميشال عون" و"جبران باسيل" من خلال إجبار كل منهما على تقديم تنازلات في مواجهتهما التي امتدت لأشهر مع "الحريري"، لكن هذا الكلام غير منطقي، فـ"باسيل" كان بحاجة ملحة لدعم "حزب الله" لمحاولته الوصول إلى الرئاسة، مما يمنعه من المخاطرة بمعاداة الحزب.

وعلى الأرجح، يرى "حزب الله" أنه لا يمكنه أن يحقق نصرًا إلا من خلال الصدام بين الممثلين الأساسيين عن المارونيين والسنة، حيث أظهر هذا النزاع، الذي امتد للخلاف بشأن الامتيازات الدستورية، حدوث تفكك في التوافق بشأن النظام السياسي اللبناني.

وإذا امتد هذا النزاع ليقود إلى إعادة النظر في دستور ما بعد اتفاق الطائف، وحدث إصلاح للعقد الاجتماعي الطائفي نتيجة لذلك، فسيكون "حزب الله" في وضع جيد يؤهله للمطالبة بحصة أكبر للطائفة الشيعية داخل النظام السياسي، ويمكن أن يترجم ذلك إلى قوة أكبر للحزب مقارنة بقوته حاليًا.

وعلاوة على ذلك، فإذا تم اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، فستكون هناك انفراجة في تمويل إيران لوكلائها الإقليميين. ومن شأن ذلك أن يسمح لـ"حزب الله" جزئيا بملء الفراغ المالي والاقتصادي في لبنان.

ويمكن للحزب استغلال هذا النفوذ لفرض نظام مؤيد لإيران بشكل أكثر علانية، ثم تأمينه عبر تغييرات دستورية.

أما "عون" و"باسيل" و"الحريري" فهم مغرقون في مشاجراتهم لدرجة لا تسمح لهم برؤية أن "حزب الله" في طريقه لتحقيق طموحه القديم بإعادة تشكيل لبنان، من خلال السماح بفشل النظام.

تقويض الجيش اللبناني

وقد يؤدي تفكك الاقتصاد إلى توجيه ضربة للقطاعات المالية والاقتصادية التي لعب فيها المسيحيون والسنة دورا رئيسيا، كما قد يؤدي هذا إلى إضعاف الجيش اللبناني الذي يعد المؤسسة الوحيدة التي لا تزال تتمتع بمصداقية وطنية ويهيمن عليه السنة والمارونيون.

وسوف يروق هذا لـ"حزب الله"، كما تروق له مطالبات السذج من اليمين الأمريكي بوقف تمويل الجيش اللبناني، على افتراض منهم بأن هذا سيضعف الحزب.

وينشأ حاليَا لبنان جديد على حطام القديم، ويريد "حزب الله" تشكيل البلاد وفق رغباته، وأصبح صندوق النقد الدولي غائبًا عن المشهد بشكل ملحوظ، إذ لا يستطيع لبنان أن يمتثل قريبا لشروط صندوق النقد الدولي ويقوم بالإصلاحات اللازمة لتأمين خطة إنقاذ.

ولا يريد "حزب الله" أن يخضع لبنان لمؤسسة تسيطر عليها الدول الغربية، وسيحظى الحزب بدعم الطبقة السياسية اللبنانية في هذا الشأن، نظرًا لرفضهم لأي تنازلات تقلل من نفوذهم.

ويفرض ذلك أسئلة على الشعب اللبناني، فهل يريدون أن تتحول بلادهم إلى قاعدة دائمة للنظام الاستبدادي الديني في طهران؟ وهل يرغبون في تصعيد معاداة الغرب والكثير من العالم العربي؟ وهل هم مستعدون للتخلي عن نظامهم الطائفي التوافقي وتقاسم السلطة لصالح نظام يهيمن عليه "حزب الله" بشكل دائم؟

لقد مر عام ونصف منذ أن أدرك اللبنانيون أن سياسييهم قد سلبوهم كل شيء، ومع ذلك ظل المجتمع صامتا. ومن غير المرجح لشعب تخلى عن القتال من أجل مستقبل أطفاله أن يقاتل لأجل بلده.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي