حرب سرية لا ترحم.. تقرير: وحدة روسية تلاحق معارضي بوتين في أوروبا

2021-06-14

باريس-وكالات: حتى اليوم، لا يزال أعضاء الوحدة رقم 29155 -التي أسستها المخابرات العسكرية السوفياتية أيام الحرب الباردة لتشرف على حرب العصابات في العالم الثالث- يتحركون بكل ثقة وهدوء في بريطانيا وبلغاريا وفرنسا، ليقوموا بالمهمة التي يتقنونها من التخريب والقتل وزرع الفتن في أوروبا.

هذا ما ذكرته مجلة لوبس (L’Obs) الفرنسية في تقرير لها، أوضحت فيه أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين احتفظ بهذه الوحدة الغامضة التي تتألف من حوالي 20 ضابطا سريا، دون تغيير اسمها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وكلفها بشن حرب سرية "لا ترحم" بأوروبا، لقتل خصومه في المنفى وإضعاف وتقسيم وتخويف الديمقراطيات الليبرالية الأوروبية التي توفر لهم الملاذ.

الحرب الباردة الجديدة

ولقياس وحشية معركة الظل هذه وسهولة تنفيذها في أوروبا المفتوحة -كما تقول المجلة في مقال لفينسان جوفير- لا بد من التذكير بتسميم المنشق الروسي سيرغي سكريبال وابنته والعديد من أمثاله عن طريق أسوأ سلاح كيميائي معروف "نوفيتشوك" الذي اكتشف جهاز مكافحة التجسس البريطاني "إم آي 5" أنه أشد فتكا بـ 5 أو 10 أضعاف من أكثر المواد فتكا.

وبعد تحقيق مطول، عرفت المخابرات البريطانية أن غاز الأعصاب هذا من الدرجة العسكرية وتم إحضاره إلى البلاد بواسطة ضابطين من الوحدة رقم 29155 المكونة من القوات (السوفياتية) الخاصة السابقة بأفغانستان والشيشان، وقد دخلا بهويات مزيفة، وتركا قطرات من المادة القاتلة على مقبض باب مدخل (مقر إقامة) سكريبال، وعادا إلى روسيا في رحلة عادية بين لندن وموسكو بعد ساعات قليلة من وضعهما السم.

وقد أكد بوتين الشكوك التي حامت حول تورطه في محاولات القتل هذه -كما يقول الكاتب- بعد أن خاطب في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 مسؤولي المخابرات العسكرية بالذكرى المئوية للمؤسسة التي أنشأها لينين، وهنأ بحرارة ضباطها "الأسطوريين" المنتشرين في "مناطق العدو المختلفة" قائلا "بصفتي القائد العام، أعرف قدراتكم الفريدة على تنفيذ عمليات خاصة".

وقد شكلت قضية سكريبال تحذيرا للمخابرات الأوروبية، فقررت المخابرات البريطانية والفرنسية والألمانية ونظراؤها بالدول الأخرى تعقب الـ "قتلة (الذين جندهم) بوتين" وكشْف طريقة عملهم، فكانت النتائج التي توصلوا إليها مذهلة، خاصة أن صحف "شبيغل" و"إنسايدر" و"بيلنغكات" جاءت لتكملها.

وحسب الأجهزة الأوروبية -كما يقول الكاتب- تبين أن ضباط الوحدة رقم 29155 المسؤولين عن عملية تسميم سكريبال قد تورطوا في أعمال سرية أخرى لم يتم تفسيرها حتى الآن، وأوضحوا أن هذه العمليات السرية انطلقت عام 2014، بعد انتكاسة بوتين في أوكرانيا، قبل بدء الحرب الأهلية التي يدعم الانفصاليين فيها، فأمر هذه الوحدة بالعمل على منع وصول الأسلحة إلى كييف.

القتَلة في أوروبا

وبعد بضعة أسابيع، انفجر مستودع تابع لشركة إمكو التشيكية وهي القادرة على توفير الذخيرة للأسلحة الروسية خارج روسيا، وتوصلت المخابرات هناك، بعد 4 سنوات، إلى أن رئيس الوحدة رقم 29155 الجنرال أفيريانوف و3 من ضباطه جاؤوا إلى هذا المستودع قبل بضعة أسابيع، متظاهرين بأنهم مشترون من طاجيكستان، وبعد ساعات قليلة من الهجوم عادوا بهدوء في رحلات العودة من فيينا إلى موسكو.

وبعد شهرين من العملية، تمت ترقية 3 من المجموعة، بمن فيهم أفيريانوف، إلى رتبة بطل الاتحاد الروسي، وهو أرفع وسام في البلاد يُمنح "لإنجاز أو عمل شجاع في خدمة الوطن الأم" بحسب الكاتب.

وفي أبريل/نيسان 2015، قبض على أحد رجال الخلية بهوية مزورة في صوفيا، عندما أظهرته كاميرات مراقبة بالقرب من منزل شخص يدعى إميليان غيبريف الذي تسمم هو وابنه ومدير أحد مصانعه قبل أن تبين -يقول الكاتب- أنه هو صاحب شركة إمكو للأسلحة، وأنه قد وقع للتو عقدا كبيرا لتسليم أسلحة إلى أوكرانيا.

ولم تنته المفاجآت بالنسبة للمحققين الأوروبيين -كما يبين تقرير المجلة- إذ وجدوا أن العديد من أعضاء هذه الوحدة الخاصة لعبوا دورا مهما في انتخاب رئيس موالٍ لروسيا بجمهورية مولدوفا، كما تورطوا في محاولة الانقلاب التي هزت دولة البلقان الصغيرة بالجبل الأسود عام 2016، ووجدت لهم آثار كذلك في كتالونيا عام 2017.

وفي الأخير اعتبرت وكالة المخابرات المركزية الأميركية أن الوحدة 29155 كانت وراء قضية "المكافآت" بأفغانستان (التي قيل أنه تم دفعها لحركة طالبان نظير قتل الجنود الأميركيين).

وإن كان رئيس مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف قد نفاها، وقال عنها المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن كل هذه "الشائعات" المتعلقة بالوحدة 29155 كانت "خيالا رائعا ومثيرا".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي